بعد تسعة أشهر من وفاة الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز وفوز خلفه نيكولاس مادورو بفارق بسيط على زعيم المعارضة انريكي كابريليس في انتخابات الرئاسة، حقق الحزب الحاكم الذي أسسه شافيز، ومع قيادته الجديدة، فوزاً كبيراً في الانتخابات البلدية قبل يومين . إذا ما بحثنا في الصحافة الغربية عن توصيف لهذا الفوز، فإننا سنجد في ما كتبته قبل الانتخابات حكماً يقول إن هذه الانتخابات ستكون اختباراً لشعبية القائد الجديد لفنزويلاً، وكأن الغرب كان متأكداً من سقوط الحزب الحاكم في المعركة الانتخابية . ما يعزز هذا الافتراض الجازم أن تقريراً غربياً نشر قبل أسبوع من الانتخابات، صور الوضع في فنزويلاً بأنه كارثي، وذهب إلى الحكم بأن مادورو بدد ما حققه شافيز من مكتسبات شعبية وأوصل البلاد إلى حافة الهاوية .
جاءت نتيجة الانتخابات لتؤكد أن الشعب أصدق أنباء من تقارير الغرب التي عبّرت وتعبّر عن رغبات وأمنيات أكثر مما تعكس واقع الحال، حيث إن الشعب أعطى مادورو الآن ثقة تفوق ما أعطاه قبل تسعة أشهر، وهذا يعني بالمعطيات أن أداء الرئيس وحزبه كان ناجحاً، حتى وإن كانت البلاد تعاني بعض الصعوبات الاقتصادية، فهي صعوبات قلّما لا تعاني منها دولة في العالم، وذلك بسبب العولمة التي فرضها المسار الرأسمالي في السنوات الأخيرة .
المعارضة الفنزويلية التي سبق وأن طعنت في فوز مادورو إثر رحيل شافيز، لم تترك توصيفاً سلبياً ضد الرجل إلا ووظّفته تحريضاً عليه، وهي كلها توصيفات مقتبسة من قاموس الغرب، من الدكتاتورية إلى شمولية الحكم مروراً بالتقليل من كفاءته باعتباره لم يأت بياقة بيضاء بل من مقعد حافلة ومن أحضان النضال النقابي .
لم تنجح حملات المعارضة في توجيه دفة الحافلة الانتخابية عكس سير الحزب الحاكم، ولم يتمكن تنسيق بعض معارضيه مع رجال أعمال وجهات غربية من تأليب الشعب عليه، بل برهن هذا الشعب على ما قاله مادورو إن “التشافيزية” أقوى من أي وقت مضى، وبأنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح .
قد يتساءل البعض عن انعكاسات ما يجري في بلد لاتيني بعيد على أوضاعنا العربية، وهو تساؤل ربما يعكس ضيق أفق، فالدول اللاتينية أقرب دول العالم لقضايانا العربية، وهي منذ القرن الماضي تحتضن أكبر الجاليات العربية، ولا ينبغي أن ننسى مواقف معظم دول هذه القارة من قضية فلسطين، وتنديدها الدائم بالممارسات “الإسرائيلية” إلى درجة طرد سفير الكيان من بعض هذه الدول إبان عدوانه على غزة، ولا ننسى أن آخر قرار أصدره الراحل شافيز السماح بدخول فنزويلا من دون تأشيرة .
لكن التجربة اللاتينية فيها ما هو أبعد من ذلك وأكثر استراتيجية، ولا سيما في ظل التشابه بين ثقافة الشعوب اللاتينية وثقافتنا العربية والمسارات السياسية والاجتماعية، سيما وأن دول تلك القارة حكمتها لعقود أنظمة عسكرتارية، ولم تتخلص منها إلا في السنوات الأخيرة، لكنها لم تتخلص بالكامل من إرثها . إنها تجربة تعكس طول نفس الشعب وقواه السياسية التي نجحت في تغيير واقع تلك الدول بأقل الخسائر، واسست لديمقراطية متدرّجة ونابتة في تربتها الخاصة وفي ظلال الاستقلال الوطني بعيداً عن تدخّلات الخارج .
الخميس 12 كانون الأول (ديسمبر) 2013
فنزويلا بعد شافيز
الخميس 12 كانون الأول (ديسمبر) 2013
par
أمجد عرار
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
19 /
2189794
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
10 من الزوار الآن
2189794 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 10