في كتاب بريجنسكي الشهير (أمريكا بين عصرين) الصادر قبل أربعين عاماً تنبأ فيه بانهيار الاتحاد السوفييتي في العقد الأخير من القرن العشرين، وهو ما حصل راداً ذلك الى نهاية أجيال الثورة الاشتراكية وتضخم الماكينة السوفييتية من دون تجديد اجتماعي.
كما تنبأ بريجنسكي بانهيار الولايات المتحدة الأمريكية نفسها كقوة عظمى وربما تفككها بعد الانهيار السوفييتي بعشرين عاماً على الأكثر ورد ذلك لتضخم الثورة المعلوماتية المتوقعة من دون تجديد اجتماعي أيضاً وبسبب أوهامها عن أن تكون إمبراطورية بحرية وبرية في الوقت نفسه.
وفي كتابات أخرى لهذا المفكر الاستراتيجي الأمريكي، مثل كتبه (رقعة شطرنج) و(خطة لعب) توقع صعود إمبراطورية برية جديدة بديلة للإمبراطورية الروسية هي الصين، ومن الاقتراحات التي تقدم بها لمواجهة هذه الإمبراطورية تطويقها بحزام إسلامي اخضر يستدعي شكلا من الانبعاث العثماني القادر على التمدد في آسيا وإفريقيا.
وحيث أعاد الاعتبار لنظرية قلب العالم (اورو- آسيا) حيث كانت روسيا، واليوم الصين، تحدث عن أهمية المجال الحيوي لهذا القلب ويتضمن أفغانستان و«الشرق الأوسط» وغيره وتوقف عند تركيا وإيران والعراق وسورية ومصر الأولى كشريك والبقية كعدو ينبغي تفكيكه وإعادة تركيبه كمجالات حيوية ما للأتراك الجدد و«الإسرائيليين».
[**من كل ما سبق :*]
[**1-*] هل دخلت أمريكا مرحلة الأزمة الإستراتيجية كما سبقتها روسيا السوفييتية.
[**2-*] هل تحولت اللعبة الدولية الي لعبة إقليمية.
[**3-*] هل سورية في مرمى الهدف كما كانت العراق؟ الأكيد أن أمريكا دخلت أزمة حقيقية نتيجة التناقض بين القوة المالية الورقية الضخمة وبين تصدير الرساميل الصناعية الى المحيط وبين عجزها عن أن تكون إمبراطورية برية ومع أمريكا فان أوروبا مقبلة على أزمة اخطر خاصة البلدان المرتبطة بواشنطن مثل بريطانيا وفرنسا ساركوزي.
والأكيد أن الصين اليوم تتجه الى أن تكون قوة عظمى أساسية (التوازن بين النظام النقدي والإنتاج) إضافة للجغرافيا السياسية لقلب العالم والأكيد أن روسيا تستعيد حضورها وان إيران ليست هدفاً سهلاً وان التحولات في العراق قد تفضي الى تنسيق مع سورية وصياغة هلال ما يمتد من آسيا الوسطى الى البحر المتوسط.
ولا يبدو أن الانبعاث العثماني يسير في طريق متصاعد آمن ذلك أن على تركيا أن تشكل لنفسها ابتداء في آسيا الوسطى حيث الصين وروسيا وإيران وحيث علاقتها مع جيرانها مضطربة.
ما فات بريجنسكي أيضاً أهمية حرب الغاز التي تأخذ دور حقبة النفط بالتدريج ومقابل كافاك القطرية هناك غاز بروم الروسية والغاز الإيراني وغاز الساحل السوري التاريخي الذي يفسر اليوم احد أسباب ما تشهده سورية من تحالفات إقليمية ودولية ضدها، ومعها.
ومن المؤكد أخيراً انه لا أوروبا العجوز ولا تركيا المأزومة ولا أمريكا المستنزفة قادرة على أية مغامرة كبرى تخلط الأوراق من جديد.
وما هي إلا أشهر قليلة حتى يقف العالم على أقدام جديدة لدول «البريكس» مكانة مهمة فيها (الصين، روسيا، البرازيل، الهند) وغيرها.