ما تشهده مصر في هذه الأيام استعادة للمشاهد نفسها التي كانت قائمة من 25 يناير/كانون الثاني إلى 11 فبراير/شباط. الحشود المليونية تملأ الساحات، لكن الهدف ليس نفسه. من الممكن القول إنه «تحسين مسار الثورة»، بعدما دخلت في متاهات أزاحتها عن الطريق الذي من المفترض أن تمشي عليه. المتاهات بدأت من السجال بين القوى السياسية والمجلس العسكري، الذي تولى الحكم بعد إسقاط الرئيس السابق حسني مبارك. ثم جاءت أحداث ماسبيرو وشبهة مشاركة العسكر في مواجهة المدنيين لتزيد النقمة، وتخصم من رصيد العسكر في الشارع المصري. وبعدها جاءت «وثيقة السلمي» لتزيد الطين بلة، مع تضمينها ما يشبه الاستقلالية لوزارة الدفاع وقيادة الجيش عن قرارات الدولة.
أمور تراكمت لتنفجر في ساحة ميدان التحرير مجدداً، وليسقط عشرات القتلى ومئات الجرحى بالرصاص وقنابل الغاز، ولتضع المجلس العسكري بشكل مباشر في مواجهة النقمة الشعبية. لكن الأمور لم تصل بعد إلى مرحلة اللاعودة، في حال تم تدارك أي خطوات تصعيد مفترضة من الطرفين. لعل بيان رئيس المجلس العسكري، المشير محمد حسين طنطاوي، قد يكون خطوة أولى على طريق احتواء الموقف، وعودة سياق نقل السلطة إلى مساره الطبيعي. طنطاوي تحدث بشكل مباشر في ثلاث نقاط جوهرية، لكنها تبقى محل تساؤل من قبل المحتجين وبعض القوى السياسية.
النقطة الأولى جاءت بالإعلان عن قبول استقالة حكومة عصام شرف وتشكيل حكومة إنقاذ وطني. مسألة أساسية لاسترضاء ثوار الميدان، الذين يريدون مثل هذه الحكومة. لكن التساؤل يتمثل في صلاحيات هذه الحكومة، لا سيما أن تجربة عصام شرف، الذي جاء على أكف المحتجين في الميدان، لم تكن مشجعة. من المفترض وضع سياق عام للصلاحيات والمهام المطلوبة من الحكومة، أين تبدأ وأين تنتهي، وتحديد أيضاً صلاحيات المجلس العسكري.
نقطة ثانية لا تقل أهمية، وهي التأكيد على تثبيت موعد الانتخابات التشريعية، وهو ما يؤكد الإبقاء على جدول أعمال نقل السلطة إلى الديمقراطية الجديدة، كما هو الحال في تونس، التي نجحت عملياً في تحقيق خطوة أولى من طي صفحة حكم بن علي.
النقطة الأخيرة تتمثل في تأكيد طنطاوي على عدم الرغبة في تسلم السلطة أو البقاء في الحكم، والإعلان عن انتخابات رئاسية قبل نهاية حزيران/يونيو من العام المقبل. قد تكون هذه أهم مسألة في ما جاء في بيان طنطاوي، وهي اول إجراء عملي للتأكيد على رفض العسكر تولي الحكم، ولا بد أن يرفق بتطمينات أخرى، منها تعديل و«ثيقة السلمي» التي تثير هلع القوى السياسية والثورية من نوايا وزارة الدفاع والجيش.
الخطوة الأولى من مسار احتواء الأزمة قد يكون اتخذ، على أمل عودة الأمور إلى مسارها الطبيعي، ومراقبة مدى التزام العسكر ببياناته، قبل إقرار المضي في ثورة جديدة.