السبت 16 نيسان (أبريل) 2011

انقلاب غولدستون

بقلم / أرييه نيير*
السبت 16 نيسان (أبريل) 2011

كان القاضي ريتشارد غولدستون قد أدين من قِبَل العديد من المدافعين عن سجل «إسرائيل» في مجال حقوق الإنسان بسبب النتائج التي انتهى إليها تقريره الذي أكد أن «إسرائيل» تعمدت استهداف المدنيين الفلسطينيين أثناء الحرب التي شنتها على غزة في نهاية 2008 وأوائل 2009، ولقد اتهم تقرير غولدستون الذي دعمته الأمم المتحدة كلاً من «الإسرائيليين» والفلسطينيين بارتكاب جرائم حرب، ودعا الجانبين إلى التحقيق مع المسؤولين عن هذه الجرائم ومحاكمتهم ومعاقبتهم.

وكان رد الحكومة «الإسرائيلية» على جهود غولدستون بالغ الاهتياج والشراسة. والآن أصبح غولدستون موضعاً للتنديد من قِبَل بعض منتقدي سجل «إسرائيل» في مجال حقوق الإنسان بسبب تراجعه عن النتائج التي توصل إليها في تقريره في ما يتصل بتعمد استهداف المدنيين. والواقع أن هذا الجدال يسلط الضوء على الاهتمام والحذر المطلوبين في نشر أي تقارير عن حقوق الإنسان.

إن تقصي الحقائق التي استند إليها غولدستون في تقريره ليس محل نزاع. ففي ظل ظروف عصيبة، وفي غياب التعاون من جانب الحكومة «الإسرائيلية»، نجح غولدستون وبقدر كبير من التفصيل في توثيق عدد كبير من الهجمات «الإسرائيلية» التي أدت إلى مقتل عدة مئات من المدنيين وإصابة الآلاف وتدمير جزء كبير من البنية الأساسية المدنية في غزة.

كما وثق غولدستون هجمات شنتها حركة حماس ضد مدنيين إسرائيليين، ولم يقيد نفسه بمناقشة الصواريخ السيئة السمعة التي تطلق من غزة بلا تمييز. بل أورد غولدستون في تقريره مناقشة مفصلة عن أسر حماس للجندي «الإسرائيلي» غلعاد شاليت ورفضها حتى مجرد السماح للجنة الدولية للصليب الأحمر برؤيته.

إنه لأمر بالغ الصعوبة أن نثبت سياسة العمد عندما نجري تحقيقات متعلقة بحقوق الإنسان. ولهذا السبب لم تتوصل منظمة هيومان رايتس واتش لمراقبة حقوق الإنسان إلى مثل هذه النتيجة، علماً أنها غطت قسماً كبيراً من نفس الأرضية التي استند إليها غولدستون في تقريره عمّا جرى في غزة وتعرضت أيضاً للتنديد الشديد من جانب المدافعين عن الانتهاكات “الإسرائيلية” لحقوق الإنسان.

ولكن هذا لا يعني أنه من الخطأ بالنسبة إلى محقق مخضرم مثل غولدستون، أن يراجع الأدلة التي جمعها، ليستدل على العمد استناداً إلى نمط الانتهاكات وكمها. وفي حالات معينة، تتطلب الأدلة حكماً على هذا السؤال.

إن تقرير غولدستون الأصلي كان يمكن أن يقتصر في حكمه القائم على الاستنتاج على التأكيد أن «إسرائيل» لم تف بالتزامها بموجب القوانين الدولية التي تحكم الصراعات المسلحة، والتي تملي عليها اتخاذ كافة التدابير الممكنة للحد من الضرر الواقع على المدنيين. ولكن لأن غولدستون ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك حين تحدث عن سياسة العمد، قبل مراجعة ذلك الحكم، فكان لزاماً عليه أن يصر على أدلة إضافية تؤكد أن النتائج التي توصل إليها لم تكن مبررة. وبدلاً من هذا، يقول غولدستون إن حكمه المنقح يستند إلى حقيقة مفادها أن ««إسرائيل» خصصت قدراً كبيراً من الموارد للتحقيق في أكثر من 400 ادعاء حول سوء السلوك التنفيذي في غزة».

وقد يبدو هذا مثيراً للإعجاب. ولكن على حد علمي، لم يسفر أي من هذه التحقيقات حتى الآن عن أي محاكمة جنائية أو معاقبة أي من الجنود «الإسرائيليين» أو المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت ضد المدنيين في غزة. بل إن ثلاثة فقط من هذه التحقيقات انتهت إلى توجيه الاتهام. وليس هناك فضلاً عن ذلك ما يشير إلى أن أياً من التحقيقات «الإسرائيلية» تتناول مسائل تتعلق بالسياسة.

وبعبارة أخرى، كان تراجع غولدستون إما غير مبرر بالأدلة التي يزعم أنه يستند إليها الآن، وإما أنه سابق لأوانه. وهذا التراجع يصب على أقل تقدير في اتجاه تخفيف الكثير من الضغوط المفروضة على السلطات «الإسرائيلية» لحملها على المضي قدماً في عقد محاكمات حقيقية لإظهار حسن النوايا. وكان من الأفضل كثيراً أن ينتظر غولدستون نتائج التحقيقات التي تجريها السلطات «الإسرائيلية».

إن الجزء الأعظم أهمية في أي تقرير حول حقوق الإنسان يتلخص في جمع الحقائق عن الانتهاكات بكل دقة، ولابد أن يتم هذا بنزاهة، حتى لا يؤدي التركيز غير المتناسب على الانتهاكات من جانب واحد إلى خلق تشوهات. ولابد أيضاً أن يتم بسرعة بما يتناسب مع الدقة ويتسق مع النزاهة، حتى يصبح في الإمكان استخدام المعلومات بقدر كبير من الفعالية للمساعدة في منع المزيد من الانتهاكات.

والواقع أن غولدستون عندما سحب استنتاجه بوجود سياسة عمد في استهداف المدنيين من جانب «إسرائيل»، لم يقل إن حكمه الذي استند إلى الأدلة التي توافرت له في ذلك الوقت كان خاطئاً. بل إنه قال بدلاً من ذلك إن التحقيقات اللاحقة التي أجرتها سلطات «إسرائيلية» حملته على تغيير رأيه.

من الواضح أن الأدلة المتاحة له ولنا بشأن تلك التحقيقات جزئية إلى الحد الذي يجعل تبرير مثل هذا التحول مستحيلاً. وبارتداده عن رأيه استناداً إلى هذا الأساس ينقل غولدستون إلى «الإسرائيليين» إشارة مفادها أنهم بوسعهم الحصول على التبرئة من جانب صوت يحظى بقدر كبير من الاحترام لدى المجتمع الدولي، من خلال تحقيقات أشبه باستعراض دعائي، ورغم ذلك يظل سجله المميز في ضمان تقرير انتهاكات حقوق الإنسان بنزاهة ودقة ناصعاً لم يلوث.

[***] [**رئيس معهد المجتمع المفتوح ومؤسس منظمة «هيومن رايتس ووتش» والمقال نشر في «بروجيكت سنديكيت».*]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2182276

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2182276 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40