عانت جميع الأمم والشعوب من ويلات الحروب بما في ذلك أمريكا التي عانت من مخاض الحرب الأهلية القاسية وعاشت أوروبا كذلك عقوداً بل قروناً من الحروب داخل القارة، لكن أسوأ أشكال الحروب هي الغزو الخارجي، وحتى عندما يتحقق لشعب الانتصار على القوة الغازية المحتلة كما حدث عبر الانتصار السوفيتي على جيوش النازية في الحرب العالمية الثانية فإن المؤلم هو أن ثمن هذا الصمود والانتصار كان فادحاً فقد خسر الاتحاد السوفيتي 12 مليون قتيل وأكثر من 50 مليون مصاب بإصابات تسببت في إعاقات.
أوردت هذه المقدمات لأشير إلى أنه لا يوجد في العالم ما عدا «إسرائيل» من لا يقر بشرور الحروب وويلاتها.
لكن ما هو أسوأ من الخسائر البشرية والمادية التي تحدثها الحروب هو الخسارة المعنوية وإذلال الشعوب المحتلة وإخضاعها وتركيبها، فالسوفييت فرحوا بالنصر وأسفوا للخسائر لكن الأمة السوفيتية خرجت أقوى بعد الحرب العالمية الثانية وأصبحت القطب الثاني في حكم العالم إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي اللحظة الراهنة فإن المرجح هو وقوع حرب هذا العام وإذا لم تقع هذا العام فإن احتمالات وقوعها في السنوات القليلة القادمة هي احتمالات ضئيلة.
وفي المشهد الحالي في المنطقة حيث تطلق «إسرائيل» صيحات الحرب وهي مطمئنة إلى أن أمريكا ستنجر لأي مخطط عدواني يستهدف «حزب الله» لتثأر منه «إسرائيل»، أولاً وللقضاء عليه كقاعدة صلبة للمقاومة، وفي مدى أبعد لا تخفي «إسرائيل» نواياها بمهاجمة إيران لإجهاض برنامجها النووي وبالإضافة إلى الدوافع «الإسرائيلية» بشطب أي قوة في المنطقة وللإبقاء على تفوقها العسكري المطلق فإن هنالك حسابات صهيونية تشجع استغلال حاجة أوباما لها وأولها مأزق حكومة اليمين المتطرف «الإسرائيلية»، برئاسة نتنياهو وليبرمان حيث هذه الحكومة لا تتقبل مجرد الدخول في مسرحية تضليلية تذكر اسم السلام.
ولذلك فإن الخروج من مأزق المفاوضات يفرض عليها شن حرب وكل حرب جديدة تدفع المجتمع خطوات نحو اليمين كما أنها تغلق نهائيا أبواب التسوية، وبالتأكيد تراهن «إسرائيل» على نتائج لصالحها في حال تنفيذ ضربة تدميرية ضد إيران وسوريا ولبنان تهدف بالدرجة الأولى إلى تدمير البنية التحتية لهذه البلدان كما أن أي حرب جديدة ستسهم كما أسهمت حرب احتلال العراق في إرباك وإنهاك وتفتت المنطقة وتقويض آخر ما تبقى من النظام العربي.
وفي الحسابات اليهودية كذلك فإن التوقيت عامل مهم حيث إدارة أوباما رهينة لليهود ورقبتها في قبضتهم من خلال الانتخابات التشريعية النصفية بعد أسابيع.
ومع أن إدارة أوباما مع التوصل إلى الهيمنة على المنطقة بدون حرب إلا أنها أعجز من أن تقاوم نزعة العدوان الصهيوني التي تسخر أمريكا لتنفيذ شرورها في هذه المنطقة حيث تعترف أمريكا أنها إدارة بيد «إسرائيل» التي لا تخفي تصميمها على الحرب التي يمكن أن تلجأ فيها إلى استخدام السلاح الذري وما يعيقها ويقلقها فقط هو أن الحرب هذه المرة لن تكون نزهة، وخسائرها هذه المرة لن تكون قليلة وربما شكل القتل والتدمير بداية النهاية لـ «إسرائيل».