لا أذكر اسم ذلك الرئيس الأمريكي الذي كان يردد دائماً عبارة: “إمهل نفسك دقيقة واحدة” . فقد يكون السبب نووياً وليس مجرد سبب عادي ما دام الرئيس يحمل في حقيبته مفتاح الجحيم والدمار . وبعيداً عن ذلك كله، تبقى حاجتنا كبشر إلى إمهال أنفسنا نصف دقيقة فقط بمثابة العودة عن قرارات كارثية، بدءاً من الانتحار حتى إلحاق الأذى بالآخرين، ويكفي نصف الدقيقة إذا كان في أوانه تماماً لرفع الأصبع عن الزناد أو لإعادة اليد إلى مكانها .
لأن لحظة الانفعال تصيب الإنسان بالعمى وتشل عقله، بحيث لا يرى ما هو أمامه أو حوله على الإطلاق . وكأن عينيه تحدقان إلى الداخل وقد قُلبتا، تماماً كبعض التماثيل القديمة التي ظن علماء الآثار أنها عمياء، وحين انكسر أحدها اتضح أن له عينين لكنهما تتجهان إلى الداخل!
ولا ندري ما إذا كان الطيار الذي حمل قنبلة إبادية وألقاها على هيروشيما قد فكر دقيقة أو نصف دقيقة، لكنه في النهاية وجد الحل في الانتحار، لأن عذاب الذاكرة لا نهاية له، وما من سبيل للفرار منه ومن يفجرون أنفسهم بأحزمة ناسفة يحتاجون إلى نصف دقيقة أو أقل كي يدركوا بأن من حولهم من الأبرياء لا علاقة لهم بكل ما يجري، ولا ناقة لهم أو بعير في كل الشرور التي تحاصر العالم، ولا يحتاج المرء إلى معجزة كي يمهل نفسه نصف دقيقة، فأحياناً يكفي أن يتذكر طفله أو أمه أو مشهد أسرة وادعة في يوم عيد .
لكن ما يحرمه من التردد هو تلك الغمامة السوداء التي تحجب عنه كل شيء باستثناء ما تسلل إليه من ثقافة مضادة للحياة، فهو ينفذ فقط، أما النقاش فهو محرم على أمثاله، لأن المطلوب منهم هو أن يكونوا مجرد ببغاوات تردد ما تسمع فقط!
إن نصف دقيقة قد تنقذ البشرية إذا تعلق الأمر بحرب كونية مدمرة، ويدفع المخطىء بحق الآخرين إلى الاعتذار بدلاً من أن تأخذه العزة بالإثم .
لكن نصف الدقيقة هذا ليس بالمجان وإذا صح أن الوقت من ذهب فهو من ماس أو حجر كريم نادر، لأن ما يتيحه لنا ثقافة تراكمت وخبرة تكثفت وتقطرت في عبارة واحدة .
فهل نحن نحلم فقط، فنطلب من الذباب أو البعوض أن يمتص الرحيق بدلاً من دمائنا كي يفرز العسل؟
وهل يمكن لنصف دقيقة فقط إذا جاء في موعده تماماً أن يعادل العمر كله؟
الأرجح أن كل ما أنجزت الحضارات من فنون وآداب وقوانين وأخلاق وقيم . . هدفه نصف دقيقة هو الفاصل كالبرق بين الظلام والنور .
الثلاثاء 23 أيلول (سبتمبر) 2014
نصف دقيقة يكفي
الثلاثاء 23 أيلول (سبتمبر) 2014
par
لا أذكر اسم ذلك الرئيس الأمريكي الذي كان يردد دائماً عبارة: “إمهل نفسك دقيقة واحدة” . فقد يكون السبب نووياً وليس مجرد سبب عادي ما دام الرئيس يحمل في حقيبته مفتاح الجحيم والدمار . وبعيداً عن ذلك كله، تبقى حاجتنا كبشر إلى إمهال أنفسنا نصف دقيقة فقط بمثابة العودة عن قرارات كارثية، بدءاً من
خيري منصور
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
44 /
2197600
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
20 من الزوار الآن
2197600 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 17