إذا كان الدفاع الجيد يفترض هجوماً جيداً، كقاعدة في الرياضة، تنطبق بشكل كبير على السياسة الخارجية إذا ما اعتبرناها مجازاً رياضة الأقوياء، فإننا نستطيع بالتالي من خلال تطبيق هذه النظرية، على سير العلاقة والصراع الدولي الأكبر بين الولايات المتحدة وروسيا أن نستشف نزوحاً من الطرفين إلى تسجيل النقاط ضد كل منهما، من دون محاولة اللجوء إلى “ضربة فنية قاضية” غير ممكنة في ظل الظرف الحالي، الذي يدركان أنه غير مواتٍ لأي منهما للإقدام على هذه المغامرة .
التصريحات الأمريكية الأخيرة التي تناولت توقيع اتفاق بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي، وأخرى سياسية وتجارية بين الأخير وجورجيا ومولدافيا، وصوّرته على أنه “فشل” للاستراتيجية الروسية إزاء الأزمة الأوكرانية، وعامل مساعد على تسريع عملية إخراج الدولتين الأخريين من حظيرة وحدود التدخل الروسي، تؤكد واقعاً أن أمريكا شأنها شأن روسيا، عاجزة تماماً عن توجيه ضربة حقيقية تكسب من خلالها اللعبة مباشرة، من دون إنهاك نفسها، وخصمها، في لعبة تعتمد تسجيل نقاط قد تنتهي بتعادل لا يجلب نصراً، ويعيد الأوضاع إلى المربع الأول، ما ينذر بجولة حاسمة، أو مباراة عودة، قد تختلف معها الظروف ضد مصلحة أحد الطرفين .
المسارعة الأمريكية إلى التغني بهذه الاتفاقات، وإعطائها أكبر من حجمها وقيمتها، يعني في المقابل إقراراً أمريكياً بالفشل في الانتصار في المعركة، واللجوء بالتالي إلى تضخيم نصر معنوي مشكوك في صحته أو واقعيته ضد الخصم الذي ما زال يتحلى بطول النفس، والقدرة على المناورة والنزال، ويبدو أنه قادر أكثر من أي وقت مضى على مواصلة لعبة الاستنزاف وعض الأصابع .
هذا يعني أن الحرب مستمرة، وأن معركة انتهت لن تسفر بالضرورة عن إعلان النهاية، وظهور الغالب والمغلوب، مع أن الواقع يؤكد أن هذه الحرب لا ينطبق عليها هذا السيناريو الكلاسيكي، كون حجم القوتين وقدرتهما على الاستمرار في الصراع، يؤكد أن لا منتصراً واضحاً ولا مهزوماً صريحاً، وأن الأطراف الثالثة التي تحاول قطف الثمار الجانبية، ليست إلا واهمة بأنها حققت إنجازات واستفادت من هذا الصدام .
واشنطن تبرع في اختلاق الانتصارات، وتضخيم الوقائع، وكأنها ما عادت تجد ما تتغنى به، في ظل تراكم الأزمات، وتصاعد الأوضاع وتفجّرها في أكثر من مكان، وهي على الأغلب مسؤولة أولى عما آلت إليه، إن لم تكن المسؤولة الوحيدة، والواضح أنها تحاول التغطية على كل هذا الفشل وكل المآسي التي خلفتها لشعوب ودول كثيرة جرت تدخلاتها عليها الويل والدمار والتشتت .
المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية ماري هارف زعمت أن التدخل الروسي في أوكرانيا جلب لروسيا ما كانت تحاول منعه، وألقى بجورجيا ومولدافيا بصورة أسرع في أحضان الاتحاد الأوروبي، وفي هذا أمر ذو وجهين، يمكن تفسيره بأكثر من صيغة، قد تكون الأقرب إلى الواقع فيها أن السياسة الروسية تخلصت من عبء دول غير قادرة على النهوض بقواها الذاتية، وبالتالي أضحت حملاً إضافيا على الاتحاد الأوروبي المثقل بأزمات عدد من دوله .
الواضح أن لعبة تسجيل النقاط هذه ستستمر إلى حين، وحتى يحين الوقت لتحول ما، لن نشهد تغييرات تذكر، وستستمر واشنطن بدعاياتها، لكن العبرة فيما سيكون في نهاية المطاف .
الاثنين 30 حزيران (يونيو) 2014
استراتيجية “تسجيل النقاط”
الاثنين 30 حزيران (يونيو) 2014
par
محمد عبيد
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
47 /
2182323
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
23 من الزوار الآن
2182323 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 25