الثلاثاء 19 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013

القدس وهولاند وموازين القوى

الثلاثاء 19 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 par أمجد عرار

الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يتحدّث عن دولتين عاصمتهما القدس . قبل بضع سنوات، عندما كان اتفاق أوسلو ما زال طازجاً، تحدّث مسؤولون عرب عن دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها “في القدس”، وفي فترة ما التقى وفد فلسطيني وفداً “إسرائيلياً” في الشطر الشرقي من القدس المحتلة، وفسّر أحدهم ذلك بأن أعضاء الوفد لم يكونوا يعلمون إلى أين أخذهم “الإسرائيليون” . وكالة فلسطينية في تغطيتها جدول زيارة هولاند قالت إنه سينتقل “من القدس إلى فلسطين”، أي أنها بجرة قلم أخرجت القدس من فلسطين، كما تفعل الخرائط المشبوهة على بعض الفضائيات العربية .
بين “قدس شرقية” وأخرى غربية، وعاصمة “في القدس” أو عاصمة مشتركة، أو قدس ضائعة، تبقى “إسرائيل” وحدها التي تعرف ما تريد وتقدّم موقفاً واضحاً لا لبس فيه، ومدعوماً بممارسات تكريسية على الأرض، وهو موقف يعد القدس “عاصمة موحّدة أبدية” للكيان الصهيوني الذي يكرّس هذا الموقف بشتى أنواع العبث المدروس، ويواصل الحفريات وهدم منازل المقدسيين والاستيلاء على أخرى وطرد سكانها وزرع المستوطنين بدلاً منهم، وسرقة الآثار وتزوير التاريخ وتجهيل الأطفال بخنق التعليم وعبرنة الأسماء .
فرانسوا هولاند قادم إلى المنطقة من أجل تطمين “إسرائيل” بشأن موقف فرنسا من الملف النووي الإيراني، وهو الملف الوحيد الحقيقي للزيارة، وما عداه كلام بروتوكولي ورفع عتب وإرضاء بقايا الحرد الفلسطيني . وهو الملف الوحيد الذي حظي من هولاند بكلام حازم وجازم وحاد تتخلّله الشروط والمحددات والمعايير . هي فرصته في ظل الارتخاء الأمريكي المعبّر عنه بمفاوضات مع إيران، فرص نجاحها واقعية، في ظل عودة موسكو لاعباً فاعلاً وندياً في المنطقة والعالم . فرصة تجدها فرنسا مناسبة، وهي تمسك حبل مواقف مشدوداً منذ أواخر عهد جاك شيراك الذي انعطف بعيداً عن مواقف فرنسا التقليدية بشأن لبنان وسوريا تحديداً .
يمكن لأي كاتب مقال أن يكتبه قبل أي مباحثات غربية مع “إسرائيل” والجانب الفلسطيني، ولا داعي لانتظار المؤتمرات الصحافية، فالمواقف معروفة ومحفوظة عن ظهر قلب، وما بين المجاملات وابتسامات التصوير، والمواقف الحقيقية، يبقى ثابت هذه المواقف كلّه في سلّة “إسرائيل”، بدءاً من تبني موقفها إزاء التسوية إلى حماية ترسانتها النووية التي أنشأتها فرنسا في الخمسينيات، مروراً بحماية “أمنها” وضمان تفوّقها العسكري .
هذا لا يعني أننا يجب أن نلوم رؤساء فرنسا أو الولايات المتحدة أو ميكرونيزيا، فالمواقف الدولية لا تبنى على أساس المبادئ أو حتى ما تسمى الشرعية الدولية، إنما وفق المصالح وموازين القوى بين أطراف المعادلة (لم نعد نجرؤ أن نتحدّث عن صراع) . القوي الذي يحسن توظيف أوراقه ويحدد لنفسه مكانة سقفها الثوابت والكرامة الوطنية، بإمكانه أن يرفع سقف المواقف الدولية لمصلحته . “إسرائيل” مثل فرعون، لم تجد من يردّها، وهي تنظر إلى الطرف الآخر فتجد أمة تنهشها الاستهلاكيات وتخترقها الفتن العرقية والطائفية والمذهبية والاقتتال البسوسي والذبح النعجوي والجدل حول جنس الملائكة وفتاوى التكفير والهوامش، وإعلام عربي بعضه يخدم “إسرائيل”، وجيش من المثقفين العرب يقاتل إلى جانب جيشها بالأقلام المأجورة، وطابور خامس حوّل التطبيع إلى مهمّة يومية . لكن يبقى أن نتذكّر أن المأجور مصيره مرتبط بمصير مشغّله، وبئس المصير .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2183058

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

36 من الزوار الآن

2183058 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 33


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40