السبت 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

جنيف 2: المعركة شبه الصامتة بين واشنطن والرياض!

السبت 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2013 par محمد قواص

ترفضُ الرياض مقعدا داخل مجلس الأمن. المسألة سابقة في تاريخ منظمة الأمم المتحدة، لكنها سابقة في تاريخ ومنهج الدبلوماسية السعودية. في الموقف السعودي العاتب على المجتمع الدولي رائحة توتر في علاقات الرياض مع واشنطن. في الموقف السعودي رائحة تصعيد، أو، على الأقل، بداية سلوك جديد للحكومة السعودية في مقاربة شأنين أساسيين: إيران وسوريا.

العلامات الاولى للمزاج السعودي الجديد ظهرت قبل أسابيع في نيويورك حين رفضت السعودية، لأول مرة في تاريخها، إلقاء خطاب أمام الاجتماع السنوي للأمم المتحدة. جاءت المفاجأة السعودية متواكبة مع عرس التواصل الأميركي الإيراني من خلال المكالمة الهاتفية الشهيرة بين الرئيس الإيراني حسن روحاني والرئيس الأميركي باراك أوباما.

والعلامة الثانية جاءت في اهتمام الاعلام الدولي بخبر عاجل يُفيد برفض السعودية المقعد غير الدائم في مجلس الامن، والذي حصلت عليه بانتخابات مريحة. الأمر أثار لغطا ولبسا، فيما سال حبر كثير في تفسير الانعطافة السعودية.

وحتى من اعتبر الأمر مناورة سعودية قد يتم التراجع عنها، رأى في ردّ الفعل السعودي سابقة لا تتسق مع مسارات دبلوماسية الرياض الكلاسيكية. السعودية غاضبة من حلفائها قبل خصومها (وبالتحديد من الولايات المتحدة)، لا سيما في ملف سوريا، بحيث باتت المنظمة، بسبب ضعفها وتناقضاتها الداخلية، سببا في استمرار المجزرة في سوريا.

تختزل المنظمة الأممية الكارثة السورية في ملف الأسلحة الكيماوية. وطالما أن اتفاقا روسيا أميركيا قد أثمر حلا لتلك المسألة، فإن المنظمة في نيويورك تكتفي بوقف القتل الكيماوي وتأنسُ بلادةً للقتل التقليدي، فيما لا يرى السوريون سوى أنه “تعددت الأسباب والموت واحد”.

يتعامل المجتمع الدولي مع المسألة السورية بصفتها ملفا أمنيا يقلق إسرائيل، فيما يعمل الروس والأميركيون على اغلاق ذلك الملف من خلال تفكيك الترسانة الاستراتيجية الكيماوية التي بنيت أساسا لتكون نداً استراتيجيا ضد السلاح النووي الاسرائيلي. في الأثناء تترى التصريحات مشيدة بتعاون النظام السوري. في الأثناء يُعاد تعويم النظام ورئيسه كبديل حتمي ضد القاعدة وأخواتها، على ما يسهب بشار الأسد هذه الأيام في التلميح له مع وسائل الاعلام الدولية والمحلية.

في مباحثات وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره السعودي سعود الفيصل الأخيرة في باريس مبارزة بين حليفين. تلقت الإدارة الأميركية رسالة الرياض في نييورك (التي للمفارقة اللافتة أثارت امتعاض موسكو!). لا تستطيع واشنطن تعميق الخلاف مع الرياض وحلفائها الخليجيين. الولايات المتحدة تعاني من توتر في علاقاتها مع مصر وبرودة في علاقاتها مع العراق (لصالح ايران)، وهي تتنافس على النفوذ مع روسيا في المنطقة، وهي لا تنعم بارتياح فلسطيني اسرائيلي، ناهيك عن صبيانية مقارباتها للربيع العربي هنا وهناك.

أضحت الولايات المتحدة، من خلال اتفاقاتها التسووية مع موسكو بشأن المسألة السورية، متصلة بفريق النظام وحلفائه (عبر موسكو)، غير ممسكة بالطرف الآخر من خيط الحلّ وهو المعارضة. بالمقابل، تتحكم السعودية بعلاقات متقدمة مع الائتلاف الوطني السوري والجيش الحر، وتتمتع الرياض بشبكة اتصال كبرى مع الفصائل الميدانية في الداخل، وهي بما تملك داخل صفوف المعارضة قادرة على التأثير مباشرة على نجاح أو فشل جنيف 2، طالما أن الولايات المتحدة حشرت نفسها بهذا الخيار الوحيد.

في المسألة السورية، لا تهتم واشنطن بآبار النفط أو باحتياطات الغاز. ولا تهتم واشنطن بمناجم اليورانيوم أو الذهب. ولا تهتم واشنطن بخطوط المواصلات الاستراتيجية الكبرى مع العالم. فكل ذلك غير متوفر في سوريا، وهي بهذا المعنى لا تمثل عجالة تمّ التعبير عنها في السابق في حالات أفغانستان والعراق وليبيا ومالي... الخ، وهي بهذا المعنى تفسّر حالة التردد والتمهل والتلكؤ التي قاربت بها واشنطن (وكل الغرب) الوضع السوري.

ما تهتم به واشنطن هو ما تشكّله سوريا من خطر على أمن اسرائيل. في بدايات الحراك السوري تأثّرت الإدارة الاميركية بتقارير إسرائيلية وبجهود اللوبي الإسرائيلي لديها، من دفاع عن النظام السوري كونه الأجدر، كما ثبت خلال عقود، على حماية أمن إسرائيل، على جبهة الجولان على الأقل. ثم من خلال قدرة إسرائيل على تدمير أي اختراق للستاتيكو التسليحي السوري. فتم بسهولة ضرب أي محاولات سورية للارتقاء بمستوى التسليح الى ما هو غير مسموح (سواء من خلال تدمير انشاءات نووية سورية او ضرب مخازن أية أسلحة نوعية او تعطيل نقلها نحو حزب الله في لبنان).

ولئن كان الموقف الإسرائيلي غير واضح إزاء التغيير في سوريا، على الرغم من التصريحات المهاجمة للنظام، ولئن كانت إسرائيل مرتاحة لتفكيك أهم سلاح استراتيجي (كيماوي) ضدها في سوريا، بيّد أن سوريا الراهنة لم تعد، مع ذلك، مصدر استقرار أمني بالنسبة لإسرائيل. الفوضى والعبث والعدمية ينتج وقائع ميّدانية عصيّة على الفهم والتوقع بالنسبة لدولة اشتهرت بكرهها للمفاجآت.

الولايات المتحدة تسعى (بالتواطؤ مع موسكو) من خلال جنيف 2 إلى إيجاد صيغة ترتاح لها إسرائيل. صيغةٌ تحافظ على هيكلية معيّنة للنظام وتخلطه بهيكلية معيّنة للمعارضة. واذا ما كانت المعارضة غير معنيّة بالمرامي الأميركية ما فوق السورية، فإن النظام ورئيسه يجيدان إلتقاط الاشارات وتقديم المتوفر (بما فيها عدم استبعاد الأسد ترشحه عام 2014).

لن تستطيع واشنطن تمرير صيغتها التسووية دون موافقة الرياض وحلفائها. واذا ما كان الميّدان السوري مناسبة حوار بين واشنطن وطهران (وبحث امكانات مشاركة إيران في التسوية)، فهو في الوقت عينه مناسبة وضع النقاط فوق الحروف بين الرياض وواشنطن (بما فيها رفض مشاركة طهران). المعارضة السورية، وحتى تنضج الطبخات السعودية الأميركية، غير موافقة على المشاركة في جنيف 2 طالما انه لا يؤسس لرحيل الاسد (مؤتمر اصدقاء سوريا منذ يومين في لندن أكد الأمر من جديد، وأن لا مكان للأسد في سوريا المستقبل).

يشعر الطرف الأميركي أن الطبخة الوحيدة التي أجاد الخروج بها تُقابل ببرودة قد تحيلها عدما من قبل المعارضة السورية والأطراف الإقليمية الأخرى (في مقدمها السعودية). تشعر واشنطن أنها باستبعاد الخيار العسكري كحل محتمل للأزمة السورية، صارت بيدقا يُلعب به في الملعب الروسي. وإذا ما لعبت موسكو دورها كاملا في تقديم السلاح الكيماوي السوري للأميركيين، تسعى واشنطن بعجز إلى لعب دورها كاملا في تقديم المعارضة السورية وحلفائها وقودا لجنيف 2. فجأة تدرك واشنطن أنها في تلك اللعبة الساذجة تحرق أوراقها وتخسر حلفائها وتفقد نفوذها في منطقة لم يعد معتدلوها يعتبرون الولايات المتحدة صديقا.

نعيش كل دقيقة هذه الايام زمن التسويات في المنطقة. فمفاتيح المعضلة السورية تتوزع في كل ارجاء المنطقة. إيران تعتبر المفصل السوري مؤسس لحكايات المرحلة المقبلة، تركيا تعتبره محددا لسياستها الاقليمية، الرياض والخليج تعتبره أساسا لميزان القوى القادم، بينما واشنطن وموسكو يتأملانه منطلقا لنظام دولي جديد.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2183076

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

37 من الزوار الآن

2183076 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 30


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40