السلام عملية معقدة ومتشابكة تتعلق بالتصورات والمدركات والصور التي تحملها الشعوب تجاه الأخرى، ولعل من أصعب هذه الصور النمطية المتناقضة التي تنفي كل منهما الأخرى، الصورة التي يحملها اليهود إزاء الفلسطينيين، ما يعمق من الفجوة بين أي إمكانية للسلام والتعايش . وعلى الرغم من أهمية هذا البعد في الصراع توجد صورة أخرى قد تفسر لنا لماذا فشلت عملية السلام التي بدأت منذ عام ،1993 والتي لو توفرت لها البيئة الدافعة والقوية لكانت كفيلة باستئصال الكثير من التصورات السلبية، ولأوجدت قوى مؤثرة تتبنى السلام خياراً بدلاً من الحرب .
وهنا تبدو أهمية قراءة من يصنع السلام؟ ومن يتحكم في قراراته في داخل “إسرائيل”؟ ولماذا لم تستجب “إسرائيل” للسلام حتى الآن؟ بصيغة أخرى عندما نتساءل عمن يتحكم في القرار السياسي في “إسرائيل” خصوصاً قرار السلام، يبرز لنا دور العديد من القوى المهيمنة المتحكمة في صناعة القرار السياسي، وتبرز لنا الجذور التي تكمن وراء المدركات والتصورات التي يحملها “الإسرائيليون” تجاه الفلسطينيين والعرب عموماً .
المفارقة أنه بدلاً من أن تنمو وتكبر النزعة نحو السلام نجد تنامي النزعة نحو الحرب بشن أكثر من حرب على الأراضي الفلسطينية، ف“إسرائيل” تتعامل مع الأراضي الفلسطينية والشعب الفلسطيني وسلطته بخيار الحرب والقوة وليس بخيار السلام، فزادت وتيرة الاستيطان والتهويد كما زادت نسبة الاعتقالات والاغتيالات، واقتحام الأراضي الفلسطينية على مرأى من السلطة وأجهزتها، لدرجة صورتها كأنها لا وجود لها، وهو الأمر الذي أفقد الفلسطينيين الأمل في السلام، وباتوا ينظرون إليه على أنه مجرد وهم وسراب وخيال مع الواقع الاحتلالي الذي تمارسه “إسرائيل”، وكان يمكن إن تكون النتيجة عكس ذلك تماماً لو أن “إسرائيل” مارست خيار السلام، لكان ذلك كفيلاً بتنامي القوى المؤيدة للسلام فلسطينياً، خصوصاً في السنوات الأولى التي لم يكن فيها تأثير للقوى المعارضة، لكن الذي حدث هو فشل في عملية السلام جراء الفكر الصهيوني المهيمن على القرار “الإسرائيلي” .
وبقراءة سريعة لمكونات المجتمع “الإسرائيلي” والقوى المتحكمة في صناعة قرار السلام والحرب، نجد على رأس هذه القوى النخبة العسكرية وسيادة نزعتها العسكرية، ف“إسرائيل” وبحكم نشأتها التاريخية تحكمها النخبة العسكرية والاستخباراتية، وبتحليل التكوين السياسي لهذه النخبة وفكرها نجدها تتبنى مواقف متطرفة إزاء عملية السلام، وتميل لخيارات الحرب، وتفضيل السياسات الأمنية، والتسلح وفرض سياسات القوة، والاعتماد على القدرات العسكرية الذاتية .
لقد ساهم المؤسسون الأوائل، وعلى رأسهم بن غوريون في التأصيل لهذه النزعة العسكرية، من خلال توسيع حدود الدولة وضم مزيد من الأراضي، ولعبت الخبرة التاريخية دوراً في هذه النزعة، ومن أقواله “إما أن تبقى”إسرائيل“قوية، وإما أن تباد”، وهذا الذي يفسر لنا حرص “إسرائيل” على بناء دولة عسكرية قوية، وامتلاكها لكافة الأسلحة بما فيها القوة النووية، والحيلولة دون بروز أي دولة أخرى قوية، لأن هذا يشكل تهديداً لها، وبفضل هذه النزعة تنامت المؤسسة العسكرية لتصبح المؤسسة الأقوى في “إسرائيل” .
وعلى الرغم من مدنية النظام السياسي في الكيان، وتبعية العسكر للساسة إلا أن من يحكم “إسرائيل” هم العسكر ولو بزي مدني .
ويمتد تأثير المؤسسة العسكرية إلى تحكمها أيضاً في الحياة الاقتصادية، وبموازنتها الضخمة . وهذا ما يفسر لنا أيضاً صعود الجنرالات للحكم، ف“الإسرائيليون” لا يثقون كثيراً بالرؤساء ذوي الخلفية المدنية، وذلك بسبب التربية العسكرية ل“الإسرائيليين” منذ الصغر . وعليه يمكن أن نرى احتمالات للسلام عندما يعتقد العسكريون في أهمية السلام كخيار استراتيجي لأمن وبقاء “إسرائيل”، وهذا أيضاً الذي يفسر لنا لماذا يتم الربط بين السلام والأمن، فالعقلية التي تحكم هي عقلية عسكرية أمنية . ومن هنا يتم الربط بين السلام والأمن .
وإلى جانب هذه النخبة التي مازالت ترى السلام بعيداً تلعب قوة المستوطنين الذين بات لهم دور مؤثر وحاكم في “إسرائيل” من خلال تشكيل أحزاب سياسية نجحت في الوصول إلى حكومة، وفي الحصول على عدد من مقاعد الكنيست ويتحكمون في مصير أي حكومة مثل “حزب بيتن”، و“البيت اليهودي” وهي أحزاب استيطانية . وبتحليل عقلية المستوطنين يمكن الوقوف على دور القوى المعارضة للسلام، ويقف إلى جانب هاتين القوتين القوى الدينية التي تغذي الاتجاهات المتشددة والرافضة، والحاقدة على الفلسطينيين . وفي هذا السياق تأتي القيادة السياسية غير القادرة على اتخاذ قرار السلام .
الخميس 2 كانون الثاني (يناير) 2014
إسرائيل” والسلام: رؤية من الداخل
الخميس 2 كانون الثاني (يناير) 2014
par
ناجي صادق شراب
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
19 /
2188034
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
26 من الزوار الآن
2188034 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 28