الاثنين 22 أيلول (سبتمبر) 2014

غزة: بيئة طاردة أم حاضنة؟

ناجي صادق شراب
الاثنين 22 أيلول (سبتمبر) 2014 par ناجي صادق شراب

تاريخياً تمتعت غزة بشخصية وليس بهوية مستقلة ذاتية، بفعل العامل الجغرافي الذي ما زال يشكل محدداً لكل خياراتها وتوجهاتها وشخصيتها . فاحتضنت بعد حرب 1948 الآلاف من اللاجئين الذين أجبروا على ترك منازلهم بسبب المجازر التي ارتكبتها القوات الصهيونية، وقامت فيها أول حكومة عموم فلسطين برئاسة موسى العلمي، وخضعت وحتى عام 1967 للإدارة المصرية

من أجمل ما توصف به غزة هذا الصغير الجميل، لما منحها الله من مناخ جميل ومعتدل، وساحل بحري من أجمل السواحل، ولطيبة أهلها وانفتاحهم على كل الثقافات . تحول هذا الصغير الجميل إلى شكل آخر، بعد تأصيل حالة الانقسام بين حركتي فتح وحماس وسيطرة الأخيرة على غزة عام ،2007 وما ترتب على ذلك من هجرة البعض . وما عاشته من حروب ثلاث في غضون ست سنوات . وتاريخياً تمتعت غزة بشخصية وليس بهوية مستقلة ذاتية، بفعل العامل الجغرافي الذي ما زال يشكل محدداً لكل خياراتها وتوجهاتها وشخصيتها . فاحتضنت بعد حرب 1948 الآلاف من اللاجئين الذين أجبروا على ترك منازلهم بسبب المجازر التي ارتكبتها القوات الصهيونية، وقامت فيها أول حكومة عموم فلسطين برئاسة موسى العلمي، وخضعت وحتى عام 1967 للإدارة المصرية في عهد الرئيس عبدالناصر التي من أعظم إنجازاتها الحفاظ على الهوية الفلسطينية لسكانها، وفتحت لهم جامعاتها فحقق سكان القطاع نسبة عالية من التعليم لأنهم يرون فيه مستقبلهم، وحمل سكانه وثيقة سفر اللاجئين الفلسطينيين الذي حافظ على هذه الهوية، وهي من احتضنت منظمة التحرير، وكان أبناؤها أول من تجندوا في جيش التحرير الفلسطيني . وشكلت غزة طوال هذه الفترة مركزاً تجارياً مغذياً على مستوى مصر وغيرها، وجاب تجارها كعادتهم العديد من العواصم . وإلى أن قامت حرب 1967 لتحتل “إسرائيل” كل الأراضي الفلسطينية وأراض عربية في سيناء والجولان، وقبل هذه الحرب لا بد من ذكر حرب 56 ومجزرة خان يونس والتضحيات التي قدمها أهلها . وطوال فترة الاحتلال “الإسرائيلي” وحتى الانسحاب الأحادي منها بقيت غزة محتفظة بشخصيتها النضالية، ورغم مظاهر التحسن المعيشي إلا أن غزة شهدت أول انتفاضة فلسطينية، ترتب عليها نتائج سياسية كبيرة قادت لعودة السلطة .
ومع عودة السلطة التي جاءت بعد اتفاقات أوسلو وبداية مسار التسوية والمفاوضات، وعودة الثورة الفلسطينية كلها وعلى رأسها القائد الرئيس عرفات، بدأت غزة مرحلة جديدة من حياتها السياسية، ولتنطلق لتكون نواة الدولة الفلسطينية، وكل هذا ليس منفصلاً عن التطور العام للقضية الفلسطينية، وبدأت ملامح التكامل والاندماج بين غزة والضفة الغربية، بل وبين الداخل الفلسطيني . ولقد اتسمت هذه المرحلة الطويلة نسبياً من 1996 وحتى الآن بمحطات سياسية كبيرة، ومفارقات عديدة، فحتى انسحاب “إسرائيل” الأحادي، والسلطة تدار من غزة، وأقيم أول مطار جوي حضر افتتاحه الرئيس كلينتون، ووضع حجر الأساس لميناء بحري فيها، وكان يفترض بعد إنسحاب “إسرائيل” أن تتحول غزة إلى نموذج حضاري وتنموي، وتكون بحق منطقة جذب لكل الفلسطينيين والمستثمرين في الداخل والخارج، وهو ما حدث بالفعل، لكن غياب الرؤية، وبدايات الانقسام بين حماس وفتح حالت من دون تحقيق ذلك، لتدخل في مرحلة جديدة بعد فوز حماس بالانتخابات الفلسطينية الثانية وتوليها السلطة لنشهد مرحلة صراع جديدة بين القوتين الرئيسيتين لتنتهي بسيطرة حماس الكاملة على غزة وإقصاء السلطة .
مرحلة دموية من الصراع ما زالت قائمة لتزرع بذور البيئة النافرة والطاردة، وترتب على ذلك فرض حصار غاشم وظالم، والحيلولة دون نجاح التجربة الديمقراطية الفلسطينية، وأسهمت في ذلك العوامل الفلسطينية، لتختنق غزة بالحصار المفروض عليها، ولتبدأ علاقة جديدة بين غزة والسلطة تقوم على الرفض والتنازع والتشكيك في شرعية كل منهما، إضافة إلى العلاقة مع “إسرائيل” التي تقوم على الحرب، وكانت نتيجتها ثلاثة حروب، وخصوصًا الحرب الأخيرة التي دامت نحو خمسين يوماً دمرت فيها البنية الاقتصادية والاجتماعية، وزرعت الخوف والهلع من الموت بسبب حجم التدمير الذي طال كل شيء، وبسبب ضخامة عدد الشهداء . كل هذا زاد وفاقم من صعوبة الأوضاع الحياتية، وخنق فرص العمل . وعلى الرغم من الصمود الذي أبدته المقاومة والشعب الفلسطيني، وما تخللها من بارقة أمل في مصالحة بدأت بحكومة التوافق التي شكلت قبل الحرب بقليل، لكن سرعان ما طفت من جديد مظاهر الانقسام والصراع الفلسطيني، وبدأت تمارس ضغوطاً أكبر على غزة، وكل هذا زاد من حرمان بيئة غزة من فرص العمل والحياة، لتزداد عوامل الطرد، خصوصاً لشريحة الشباب الذين بدأوا يفقدون الأمل في الغد، وتخوف الجميع من حرب جديدة مدمرة، فما زال الحصار مفروضاً، والمعابر شبه مغلقة أو محصورة في فئات معينة، ليبدأ البحث عن قنوات سرية وغير شرعية للهجرة الشبابية التي راح ضحيتها المئات في عرض البحر، والسبب المباشر لا شك هي الحرب، وحالة الحصار المفروضة منذ سنوات، وهجرة رأس المال، وغياب الأمان وفقدان الأمل في مصالحة حقيقية تعيد الوجه الحقيقي لغزة ولكل فلسطين، هذه التخوفات والمعطيات الجديدة حولت غزة إلى بيئة طاردة . هذه هي القضية والتحدي الرئيسي الذي على الجميع التصدي له . التفكير في كيفية جعل غزة بيئة حاضنة جاذبة لأبنائها في الداخل والخارج، وكيف نجعلها أنموذجاً حقيقياً للدولة الفلسطينية، يقوم على المصالحة والبناء والإعمار الحقيقي الذي بدأ الخلاف حوله قبل أن يبدأ، ويبقى السؤال والتحدي: كيف نجعل غزة بيئة حاضنة جاذبة؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 85 / 2176664

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2176664 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40