رئيس سلطة رام الله محمود عباس يقول إنه لا بديل عن المفاوضات إلا المفاوضات، مؤكداً إيمانه بها كوسيلة خلاص، وكفره بالمقاومة المسلحة، واستعداده لمنعها وملاحقتها، واعتقال القائمين عليها، ويضيف بأنه لو كان «يمون» على قطاع غزة لمنع فيها أي عمل عسكري ضد الإسرائيليين. ويتهم عباس العرب أمام عدد من الصحفيين الأردنيين التقاهم في عمان، أنهم لم يقدموا للقدس أي فلس أو دعم، وأن مواقفهم مجرد كلام، ويصف العلاقة معهم أمام الصحفيين بالقول: «رضينا بالبين والبين ما رضي بينا».
ما يقوله عباس ويصرح به في الأردن وغيره، ليس فيه جديد، بقدر ما يحتوي على مزيد من الالتفاف على حقوق الشعب الفلسطيني وإنجازها كما ينبغي، ويمكن القول إن عباس ما عاد أكثر من مهرج سياسي، يقدم الخدمات مجاناً للعدو الإسرائيلي، بإدراك منه أو دونه، في الحالتين يضع مصير الشعب الفلسطيني رهناً لمغامرات ومواقف شخصية، وليس في إطار أي برنامج وطني، حيث ما عاد حديثه قائماً على أسس برنامج منظمة التحرير أو حتى الميثاق الوطني المعدل، وهو إذ يخرج على الناس يومياً «بموال» جديد، فإن حاله ليس مدعاة للرثاء وحسب، وإنما للشجب، ودعوته للترجل والتنحي، حيث يكفيه ما جرب وحاول دون فائدة، وبات لزاماً عليه ترك الدفة لمن هم أقدر على الإنجاز.
وهو أيضاً إذ يرى الالتفاف عليه من قبل رئيس وزرائه سلام فياض، فإن واجبه الأخلاقي حيال نفسه، طالما أنه غير قادر على التحكم بما يمارسه فياض، أن يعلن رفضه لما يجري ويمس هيبة الرئيس. وهو يعلم أنه لو كان رئيساً حقاً، لما استمرت المياه بالجريان من أسفله، جهاراً وعلناً على مدار اللحظة من فياض وطاقمه، ودايتون وأدواته.
عندما يقول عباس إنه لا بديل عن المفاوضات إلا المفاوضات، في ذات الوقت الذي يجتمع فيه فياض مع إيهود باراك ويتفاوضون ويتبادلون المعلومات، بشكل مباشر، دون اعتبار لمشروع المفاوضات غير المباشرة. فإن ذلك لا يدعو للتندر وحسب، وإنما للقول إن المفاوضات غير المباشرة مجرد كذبة يشارك فيها عباس، وهي لا تنطلي على الناس، وإنما تدفع بهم إلى مزيد من احتقار السياسات السلبية، وعدم الاعتراف بها، ولعنة القائمين عليها، وبطبيعة الحال فإن استمرار عباس على ما هو عليه، لا يعني قبول الناس له، وإن كان صمت البعض عليه جارياً، فإن ذلك لن يطول، وستأتي اللحظة التي ستتحطم فيها عصاة دايتون وقوات أمنه المثمرة في النيابة عن قوات العدو الإسرئيلي في تنفيذ المهام القذرة ضد الشعب الفلسطيني القابع تحت الاحتلال.
ليس هناك مجال بعد ما وصل إليه حال الناس في الضفة الغربية جراء سياسات السلطة سوى أن يعترف عباس بفشله، وأن يعلنه أمام العالم. وبذلك فقط يبقى له بعض المجال للمحافظة على بعض الاحترام.
أما سلام فياض الذاهب الى أحضان العدو بتسارع وعلى مدار اللحظة ودون توقف، فعليه إدراك أن باراك الذي التقاه أمس وتعاون معه في مشاريع أمنية إسرائيلية، أساسها تقوية أجهزة القمع، أن لا مجال على الإطلاق لمشاريعه وبرامجه، مهما قال عنها إنها لخدمة الشعب الفلسطيني مدنياً؛ لأن حقيقة ما يمارسه ويشارك به إنما يزيد أضعافاً مضاعفة من معاناة الناس، وهو يحولها إلى مشاريع تجارية واستيراد وتصدير وخدمات حياتية، تتحكم فيها ثلة من الحيتان المقربين والعاملين حالياً معه، حيث يحولون القضية برمتها إلى بزنس وأعمال رسمية.
وفي مجمل الأحوال، إن بقي عباس على ما هو فيه، أو ظل فياض تاجراً بثوب رئيس وزراء مزور، فإن ذلك لا يعني أن الشعب الفلسطيني سيظل صابراً عليهم، واللحظة التي ستدفعهم للثورة عليهم إلى جانب الإسرائيليين باتت وشيكة، ولن يطول انتظارها، لتعود المقاومة جسماً واحداً موحداً، وليس كما هي عليه الآن بسبب عباس وفياض.