الثلاثاء 17 كانون الأول (ديسمبر) 2013

الإسلام السياسي والثورات الشعبية

الثلاثاء 17 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par كاظم الموسوي

بعد أن هبت رياح التغيير في سماوات الوطن العربي، برزت الى العلن تنظيمات تيار الاسلام السياسي كقوى منظمة ومشاركة في هذا الحراك الشعبي والانتفاض الجماهيري، وكان قد غلب عليها العمل السري والأوكار الحزبية و“التمتع” في اقبية السجون والمعتقلات الرسمية العربية. جاء هذا الظهور في بداياته مقبولا في اطار العمل العام وتوافق التحالفات والمشاركات السياسية مع القوى والتنظيمات السياسية الوطنية واليسارية الاخرى، التي اسهمت هي الأخرى في تحريك الشارع العربي وقادت بأشكال متفاوتة تظاهرات الميادين ونظمت صفوفها بأساليب جديدة لم تعتدها في فعالياتها المعتادة، (بحكم ظروف معروفة تحتاج إلى تفاصيل كثيرة للبحث فيها).
دخلت احزاب وجماعات الاسلام السياسي في معترك التحرك وأسهمت في التخلص من الأنظمة السابقة، خصوصا في تونس ومصر ولحقاهما اليمن وليبيا. وأضحى معروفا ان ابرز هذه القوى هي فروع جماعة الإخوان المسلمين. في مصر باسمها وفي تونس واليمن وليبيا بأسماء اخرى لا تتنكر لتفرعها من الحركة الأم ومن التنظيم الدولي لها. اما في الجمهوريات الأخرى فقد كانت الفروع ايضا مساهمة بدرجات متفاوتة بالحراك. باسمها المعروف او اسماء واجهات حركية. اما في الممالك العربية فكانت الاوضاع فيها متباينة، ما عدا البحرين استثناء، حيث ما زالت الانتفاضة بقيادة تحالف ودور بارز لجناح آخر في التيار الإسلامي بينما فرع الحركة خارجها او ضدها. وعلى العموم ظلت الانتفاضة مستمرة ومغدورة اعلاميا، بل وانتهكت حقوق الشعب بقوة عسكرية غاشمة، لا تمثل رأي الشعوب التي تخضع لأصحاب القرار فيها.
بديهي ان جماعة الاخوان المسلمين وفروعها تشكل العمود الفقري في تيار الاسلام السياسي في الوطن العربي، ويضم التيار حركات وأحزابا اخرى من خارجها، او انشقاقات عنها او تشكيلات موازية، كحزب التحرير الاسلامي او الجماعات السلفية والمسميات الأخرى.
وبعد التغييرات في تونس ومصر وليبيا واليمن شاركت في العملية السياسية وبحكم عوامل لصالحها فازت في الانتخابات الديمقراطية التي عقدت في تونس ومصر خصوصا. ومنذ فوزها والى الآن تعيش الاوضاع السياسية في هذين البلدين مناورات التعامل مع احزاب التيار الاسلامي، رغم فوزها وتمثلها في السلطة والحكم. ولعل سنة التجربة في مصر بقيادة الحركة مباشرة اعطت دروسا كثيرة لفروعها، وهو ما يحصل في تونس الآن. هذه السنة من حكم الاخوان بينت ان قيادة الحركة لم تكن مؤهلة سياسيا وغير قادرة على ادارة دولة كمصر او غيرها. وما قامت به عكس بوضوح ضعفها وبرامجها وممارساتها المخالفة لشعارات وأهداف الحراك الشعبي والانتفاض والثورة. بل وفضح استنساخها لأساليب العهود التي انتفض الشعب عليها. لا سيما في الاستفراد في الحكم ومساعي الاستحواذ الحزبي الضيق على مراكز السلطة ومؤسسات الحكم والتصرف بها كملكية خاصة وأجهزة تابعة للتنظيم وليست مؤسسات دولة قائمة. هذه الممارسات والتدخلات السافرة في شؤون الدولة ومؤسساتها قلص من مدة حكمها ودفع من جديد الى التحرك ضدها وعزلها ومحاكمة قياداتها التي خالفت قوانين البلد وتشريعاته وحاولت الهيمنة والتمكين بالضد من الشعارات والأهداف التي رفعتها الجماهير الثائرة وخرجت إلى الميادين من اجلها. مما اصبح الفشل حكما عليها والاضطرار إلى معالجته بالطرق التي تمت وسيلة لإعادة الاوضاع إلى طبيعتها الصحيحة وتحقيق الاهداف المنشودة.
قدم عدد من المحسوبين على الحركة او الباحثين فيها دراسات وتحليلات انتقادية لدورها، قبل استلام السلطة واثناء فترة حكمها. ركزت على الاستفراد والتمكين وغياب التجديد والتحديث والفردية واستغلال المال السياسي وفقدان البوصلة المرشدة والبرنامج الاقتصادي والاجتماعي والعدالة الاجتماعية ونقص الخدمات والأمن والطمأنينة رغم شعبيتها ولا سيما خارج المدن الرئيسية، فضلا عن عدد آخر من نواقص الحكم وضعف الشخصيات والكاريزما في القيادة والإدارة للحكم والعمل السياسي، والتملص من وعود التحالفات السياسية التي اوصلت ممثليها إلى سدة الحكم. مما افقدها أي حليف، حتى من احزاب التيار الاسلامي السياسي.
في كل الاحوال اعطت فترة حكم جماعة الاخوان في مصر خلال عام واحد نموذجا لفشل الادارة والحكم، وعرت طبيعة وعي قياداتها وإدراكها، وسباقها في اعلان شعار “الخلافة” ومرحليتها، وتنميط الحياة الوطنية بأساليب التنظيم الدينية ومخالفة وقائع الحياة الوطنية وتنوع مكونات المجتمع وتياراته السياسية الأخرى. كما بينت بوضوح عدم امانتها للوعود التي قطعتها أو التي يتوجب السير عليها في ادارة الدولة والتعايش والسلم الأهلي وبناء الوطن واحترام مكونات الشعب وألوانه المتنوعة. ان البكاء على اللبن المسكوب لا ينفع، بل يتطلب قبله ويتوجب بعده ضرورة المراجعة والدرس والتأمل في كل تلك الاخطاء التي قادت إلى الفشل والنتائج المرتبة عليه. كما يجب احترام الشعب وإرادته وخياراته، فكما تم الفوز وقبوله لا بد من الخضوع إلى ارادة الشعب وقبول مطالبه وخياراته.
ما حصل في 30 يونيو/ حزيران 2013 في مصر قدم بالدليل فشل تجربة تاريخية لأبرز حركة في تيار الاسلام السياسي في مصر بالذات. وفتح المجال أمام احزاب التيار للاعتبار منها، وعدم الدخول في اختبارات أخرى، كما يجري الآن، مما يعرض الشعب والوطن إلى اخطار كبيرة، تضر به وبالعملية السياسية وفي مستقبل التيار والحركة اساسا. ولهذا فإن المراجعة والاتعاظ من الدروس ضرورة ملحة ومهمة جدا. كما ان الاستمرار في هذا السبيل القاتل يؤدي إلى استذكار الجرائم التي اقترفت في مسار التاريخ وجنت منها ما يقابلها ويسقط عنها مشروعية العمل ويطيل في الازمة وتاريخيتها.
فشل تجربة حكم جماعة الاخوان في الثورات والانتفاضات الشعبية لا يعني انتهاءها ولا الغاء وجودها العقيدي الشعبوي، رغم ما حصل وما انعكس سلبا على باقي الثورات والحراك الشعبي وقدم ادلة على ضعف الوعي والإرادة والقدرة على الاستمرار في انقاذ الشعب والوطن من العهود التي سبقت وأجبرت الشارع على التحرك ضدها وكسر الحواجز والجدران. الأمر الذي يجب اخذه بالحسبان والعمل من اجل الشعب والمستقبل.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2182967

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2182967 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40