في سابقة خطرة، قرر وزير التعليم الصهيوني غدعون ساعر في 25 مايو/أيار الماضي، تدريس أيديولوجية الإرهابيين الصهيونيين رئيسي الحكومتين الأسبقين في «إسرائيل»: ديفيد بن غوريون ومناحيم بيغن للطلاب، بمن في ذلك الطلبة العرب في المدارس العربية، تحت عنوان «تعاليم وميراث» زعيمين «إسرائيليين»، وإدراج خطة التعليم في البرنامج التعليمي السنوي للعام 2013.
للعلم فقط، ديفيد بن غوريون هو قائد العصابة الإرهابية الصهيونية المسماة (البلماخ) الذي بات لاحقاً أول رئيس حكومة لـ «إسرائيل»، وهو وفقاً للمؤرخ «الإسرائيلي» إيلان بابيه في كتابه «التطهير العرقي للفلسطينيين» أصدر الكثير من القرارات لارتكاب المجازر ضد الفلسطينيين، وقرارات أخرى باقتلاع أهالي القرى وبعض المدن الفلسطينية وتهجيرهم، وكذلك هدم العشرات من هذه القرى. أما مناحيم بيغن فهو قائد عصابة «الايتسل» الإرهابية الصهيونية وهو المعروف أيضاً بارتكاب المجازر العديدة ضد الفلسطينيين ومنها مجزرة دير ياسين وهو زعيم الحزب اليميني «حيروت» الذي تحوّل بعد تغييرات عديدة إلى حزب «الليكود» وتسلم رئاسة الحكومة «الإسرائيلية» لأول مرّة في العام 1977.
أما الذريعة لهذا القرار فهي مرور 100 عام على ولادة بيغن و40 عاماً على موت بن غوريون. كذلك طلبت الوزارة من المدارس كلها بما فيها المدارس العربية تنظيم جولات للطلاب إلى متاحف صهيونية، وبخاصة متحف «الايتسل» الذي سمي بهذا الاسم تيمناً بالعصابة الإرهابية الصهيونية التي تحمل ذات الاسم.
المدارس العربية في منطقة 48 رفضت هذا القرار جملة وتفصيلاً. كذلك رفض القرار معلمو هذه المدارس وكل مثقفي أبناء شعبنا، وكل هيئات ومجالس القرى والمدن الفلسطينية.
منذ العام 1948 حاولت الدولة الصهيونية تهويد أهلنا في منطقة 48 وتهويد ثقافتهم العربية، وفرضت مناهج دراسية تتناول التاريخ من زاوية الرواية الصهيونية له، بعيداً عن الحقائق والواقع، ورفضت تعليم الطلاب العرب ثقافتهم الوطنية ودراسة الرواية الفلسطينية العربية للتاريخ. في المقابل سعت وزارة التربية والتعليم «الإسرائيلية» إلى فرض تعاليم ودروس مزورة تتناقض كلياً مع ما جرى على الأرض. كذلك وبعد احتلال العام 1967 فرضت «إسرائيل» مناهجها الدراسية على مدينة القدس بعد قرار ضمها إلى «إسرائيل» من قبل «الكنيست»، في محاولة أسرلة وصهينة التعليم العربي، وفي محاولة واضحة للاستمرار في اغتيال الشخصية والهوية الفلسطينية. أما في الضفة الغربية والقطاع فقد فرضت «إسرائيل» بأن يتم حذف كل المواد التي تتناول «إسرائيل» بوصفها عدواً.
بالطبع فشلت «إسرائيل» في خطتها، وتبين بما لا يقبل مجالاً للشك أن فلسطينيي منطقة 48 لم ينسوا تاريخهم ولا هويتهم ولا ثقافتهم، بل العكس من ذلك فقد ازدادوا إيماناً وإصراراً على تعلمها وهم من أكبر المفندين للرواية الصهيو«إسرائيلية» عن تاريخ فلسطين والتاريخ العربي عموماً.
قرار وزير التربية «الإسرائيلي» تدريس تاريخ كل من بن غوريون ومناحيم بيغن (ومآثرهما)، يمثّل منتهى الوقاحة الصهيونية، فكيف يُمجّدُ الطلبة الفلسطينيون العرب قاتلي أهلهم وجزّاريهم ومرتكبي المذابح السابقة والحالية بحقهم؟ وكيف يمدح الطلبة الفلسطينيون من أمروا باجتثات أهلهم من قراهم ومدنهم وتهجيرهم عبر الحدود البحرية والبرية مع الدول العربية المجاورة؟ هل جُنّ وزير التعليم «الإسرائيلي» حتى يفرض على الفلسطينيين والعرب في منطقة 48 استعراض (مآثر) إرهابيين صهيونيين.
أثبت التاريخ كما الوقائع (بما في ذلك وثائق «إسرائيلية» تم الإفراج عنها بعد منع نشرها لمدة تزيد على الأربعين عاماً)، دورهما الرئيس (بن غوريون وبيغن) في قتل الفلسطينيين واقتلاعهم من أرضهم ووطنهم، ومن الواضح أن الوقاحة الصهيونية وصلت إلى ذروتها. فالمطلوب من الطلبة العرب زيارة المتاحف الصهيونية بما فيها متحف «الايتسل» العصابة التي ارتكبت أكثر من مجزرة في قرى منطقة الجليل ومنها مجزرة الطنطورة (وهذا وفقاً لما يقوله أيضا المؤرخ «الإسرائيلي» إيلان بابيه) في مؤلفه «التطهير العرقي للفلسطينيين».
«إسرائيل» كما الصهيونية لا تستوعب دروس التاريخ، فهي ومهما حاولت عبر السنين ومن خلال التزوير المتعمد للتاريخ والترويج لأساطيرها المضللة، ومهما حاولت أسرلة وصهينة هذا التاريخ وإرغام عرب منطقة 48 على دراسته، لن تستطيع تغطية الشمس بغربال، فالحقائق والتاريخ الفلسطيني لن ينتفيا، وأهلنا في المناطق المحتلة سواء في منطقة 48 أو منطقة 67 هم أكثر الفلسطينيين والعرب انتماءً إلى تاريخهم ومعرفةً أيضاً بتفاصيل هذا التاريخ. يحاول «الإسرائيليون» تزوير التاريخ بجميع الوسائل والسبل وحتى عبر تزييف الآثار والمعطيات الأثرية، لكنهم لم ولن ينجحوا، ففلسطين ستظل عربية تاريخاً وواقعاً وآثاراً.