ليس غريباً ولا مستهجناً بالنسبة للفلسطينيين أن يطالب أحد أعضاء الكونغرس الأمريكي باستمرار خنق غزة حتى تعترف بالكيان الصهيوني، ولا جديدا بالنسبة لهم اندفاع الرئيس الأمريكي أوباما للدفاع عن اليهود وكيانهم، حيث إن الأمر هو حال كل الرؤساء الأمريكيين الذين سبقوه.
كما أن الشعب الفلسطيني اعتاد تنوع المواقف الأوروبية وتعددها، ولم تعد تفاجئه المواقف الداعمة أو المناهضة أو التغيير عليها.
وبطبيعة الحال، فإن الشعب الفلسطيني ما عاد يراهن على المواقف العربية، ولا على دورها، ولم يعد يستهجن استمرار ترديها.
كانت الثورة الفلسطينية قبل اتفاقية أوسلو أمراً عالمياً، وكان ملف القضية الفلسطينية مفتوحاً على الدوام، أما بعدها، فإن الحال لم يعد نفسه.
ورغم ذهاب الراحل ياسر عرفات إلى أبعد مما ينبغي، بالمراهنة على الاتفاقية والموقف الأمريكي، إلا أن ذلك لم يصل به إلى حدود الانبطاح والاستسلام، ولا إلى إعلان إسقاط البندقية أو إعادة توجيهها، أو اللعب على وحدة الشعب الفلسطيني ومقاومته المشروعة، كما أنه لم يكن ليفكر بالانقسام والمتاجرة به، وإنما استمرار وحدة الصف الفلسطيني، فقد كان يرى في نفسه زعيماً للجميع، وليس لحركة فتح أو للسكان في رام الله فقط.
رئيس السلطة محمود عباس ليس ياسر عرفات أو مجرد قليل منه في هذا المقام، وفي المستويات كافة أيضاً، وما يجري في عهده الآن، لم يكن ليمر أبداً أيام الذي سبقه.
لقد أعلن عباس قبل أيام من واشنطن بأنه لا ينكر حق اليهود في أرض فلسطين، وقد كان ذلك أمام مجموعة من الصهاينة اليهود الأمريكيين، وقد تناقلت وسائل الإعلام في العالم إعلانه كحدث رئيسي في مجمل النشرات.
كما أن الصحف الإسرائيلية نقلت عنه يوم أمس أنه طلب من الرئيس الأمريكي أوباما عدم فك الحصار عن غزة، وذلك حتى لا تزداد قوة حماس.
ولأن الشعب الفلسطيني لم يعد يتفاجأ من المواقف الأمريكية والأوروبية والعربية المنحازة للعدو الإسرائيلي، فإنه هذه المرة لم يتفاجأ أيضاً من مواقف رئيس السلطة محمود عباس، ويبدو أنه لا يستغربها ولا يستهجنها أيضاً، رغم إطلاقها قبل أن تجف دماء الشرفاء من أجل فلسطين والمقدسات فيها، ورغم استمرار النزيف الفلسطيني دون توقف جراء العدوان والغارات اليومية عليه في قطاع غزة، فهو كما اعتاد مؤمرات الدول، بات يعتاد مؤمرات القيادة أيضاً، ويراها واضحة تماماً أمامه، حتى إنه لا يكاد يمر يوم واحد دون الإعلان عن خيانة جديدة أو فضيحة مدوية، أو تنازلات تاريخية.
لقد نقلت صحافة العدو بعد العدوان الأخير على قطاع غزة موافقة محمود عباس وبعض أعضاء سلطته على الجريمة، ونشرت تسجيلات صوتية حول ذلك، وهي الآن تنشر طلبه من أوباما تشديد الحصار على غزة، وليس وضع حد له، فما الذي يبحث عنه عباس من وراء كل ذلك، أو ما هو الثمن الذي يحصل عليه في كل مرة.
وإذا ما علمنا أن هناك تقاسماً وظيفياً في الضفة الغربية، وأن الأدوار موزعة فيها حسب ذلك، فإن ذلك مدعاة للتمحيص وللبحث فيما يقوم به رئيس وزراء السلطة سلام فياض والذين معه، فهو بالضرورة أشد قسوة وخطراً، باعتبار حضوره ومشاركته الفاعلة في مؤتمر هرتزيليا، وشراكته العلنية مع الجنرال دايتون.