تدخل معركة الانتخابات الرياسية مراحلها النهائية خلال أيام في لحظات مصيرية، تتغير فيها قواعد المنافسة بسرعة شديدة نتيجة دخول لاعبين جدد، بعد أن حسم الإخوان موقفهم بترشيح نائب مرشدها خيرت الشاطر.. فتراجعت حظوظ معظم المرشحين الآخرين. ربما لبعض الوقت. ولكن تحدي المنافسة قد يعيد كفة الميزان مرة أخرى إلى الشيخ حازم أبو إسماعيل أو الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح من التيار الإسلامي، أو إلى عمرو موسى من التيار الليبرالي.
ويبدو لافتاً للنظر أن تزداد سخونة المنافسة بعد انضمام الشاطر إلى السباق، وبالأخص في صفوف حازم أبو إسماعيل الذي عاد إلى الشارع أكثر إصراراً على الاستمرار في المعركة إلى نهايتها، على الرغم مما أحاط جنسية والدته من شكوك حول أصولها الأمريكية وتكذيبه القاطع لذلك.. في انتظار موقف رسمي من اللجنة العليا للانتخابات الرياسية يقطع الشك باليقين ويجلو الحقيقة عن جنسية والدته.
في الوقت نفسه، عقد أبو الفتوح أكبر مهرجان انتخابي في حملته الرياسية، حشد فيها عدداً كبيراً من الشخصيات البارزة من المدنيين والليبراليين من أنصاره، مما أعتبر رداً على ترشيح الإخوان للشاطر، وكشف عن أن المعركة لن تكون سهلة ولن يكون الفوز في متناول يد أي طرف من الأطراف المشاركة خصوصاً وأن ليس كل الإسلاميين يؤيدون الشاطر سواء من داخل الإخوان أو من السلفيين، وليس كل من يؤيدون الشاطر من الإخوان!
والأمر الذي لاشك فيه أن حالة السيولة الشديدة، سواء في التضارب بين المرشحين المحتملين للرياسة أو في الأزمة الطاحنة التي تدور رحاها في الجمعية التأسيسية للدستور.. أشاعت كلها جواً من الحيرة والارتباك بين صفوف الشعب والقوى السياسية الأخرى، وضاعفت من حمى المنافسة بين المرشحين.
في خضم هذا الموقف الضبابي الذي يذهل جميع الأطراف حتى المجلس العسكري، والقوى السياسية التي ظنت أن الثورة كفيلة بإقامة حكم ديمقراطي ليبرالي.. كان الأمريكيون هم أول من وضعوا رهانهم على شخص محدد هو خيرت الشاطر وجماعة الإخوان باعتبارها أكبر قوة سياسية منظمة في مصر. ويبدو واضحاً أن ثمة تحولاً أمريكياً في التعامل مع الإسلاميين بعد أن أصبح صعودهم أمراً لا جدال فيه. وعلى الرغم من نفي المسئولين الأمريكيين أن يكون لهم أدنى صلة بترشيح الإخوان لنائب المرشد خيرت الشاطر في انتخابات الرياسة، أو أن يكون هذا الموضوع قد جرى بحثه أثناء زيارة السيناتور ماكين لمصر بحضور السفيرة الأمريكية باترسون في اجتماعه مع قيادات الجماعة، فقد اتضح أن علاقات أمريكا بخيرت الشاطر قديمة وترجع إلى وقت سابق، وأنه عرفهم وعرفوه في لقاءات واتصالات سابقة.
والذي يهم الجانب الأمريكي في هذا الصدد أن تغسل يديها من تهمة الانحياز لمرشح على حساب مرشح آخر. بل كل ما يهمها - على حد زعمها - أن تنجح الجهود المبذولة لتشكيل حكومة مدنية منتخبة بطريقة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان والمرأة وتهتم بالأقليات وبحرية الإعلام.. ولكن هذا لا ينفي حرص الوفود الأمريكية الرسمية للكونجرس التي تقاطرت على مقر الجماعة في المقطم، على أن تستكشف بنفسها طريقة تفكير خيرت الشاطر ومدى تأييد الجماعة له، وموقفه ليس فقط من حقوق الأقليات واحترام القانون، ولكن الحصول على تعهد بالالتزام بمعاهدة السلام مع «إسرائيل». وقد كان هذا ما حرص عليه السيناتور دراير في لقائه مع الشاطر وسارع إلى إعلانه في مؤتمر صحفي.. إذ يبدو واضحاً أن هدفاً أساسياً من هذه الزيارات هو طمأنة «إسرائيل».. وقد أعقبت ذلك دعوة موجهة إلى «حزب الحرية والعدالة» لمقابلة المسئولين في الخارجية الأمريكية في واشنطن وفي معاهد الأبحاث والصحف الأمريكية!
من المؤكد أن الأمريكيين يتحركون ببراعة وبسرعة شديدة لملء الفراغات التي نشأت عن سقوط مبارك ونظامه، والسعي لإقامة جسور من العلاقات مع من وما سيأتي في ظل الأوضاع الجديدة بعد انتهاء الفترة الانتقالية. وقد بات واضحاً من ستكون له الكلمة في المرحلة القادمة. وهو ما يراهن الأمريكيون عليه منذ الآن دون حاجة لانتظار ما تسفر عنه الانتخابات.
سوف تحسم الأيام القليلة القادمة بعد إغلاق باب الترشح، مصير عدد كبير من المتسابقين. وسوف تظهر حقيقة الذين كانوا يبحثون عن الشهرة أو الذين زين لهم الوهم أنهم مؤهلون لمنصب الرياسة زوراً. ولن تظهر الحقيقة إلا عندما تنطفئ أضواء الحملات الدعائية ويذهب المصريون مرة أخرى إلى صناديق الانتخاب وتلك قضية أخرى!