الأربعاء 15 حزيران (يونيو) 2011

وثيقة | من ديفيد بن غوريون إلى الرئيس ايزنهاور

الأربعاء 15 حزيران (يونيو) 2011

عزيزي السيد الرئيس

في هذه الساعة العصيبة، أراني بإلحاح مدفوعاً إلى أن أنقل إليكم أفكاري بشأن الوضع الناشئ عن الأزمة الخطيرة الحالية.

الذين درسوا كتابات الكولونل ناصر حول مطمحه في السيطرة على جميع بلدان العالم الإسلامي والقارة الافريقية، لن يدهشهم ما حدث في العراق أو يعتقدوا بأن نهاية مرحلة قد تم بلوغها.

ولا يسع القوات البريطانية في الأردن إنقاذ فلول الأسرة الهاشمية. ولئن كان الوضع الداخلي في لبنان خيراً منه في الأردن، فمن المشكوك فيه ما إذا كان جيش أميركي قادراً ـ في المدى الطويل ـ على صيانة استقلال لبنان، لأن معظم المسلمين اللبنانيين يؤيدون ناصر، في حين أن المسيحيين منقسمون انقساماً عميقاً.

وأما مستقبل المملكة العربية السعودية فهو رهن محفوف بالمخاطر كما هو الحال بالنسبة لإمارات الخليج الفارسي.

وينبغي أن تؤخذ التصريحات الموالية للغرب من جانب حكام العراق الجدد بارتياب عميق. فواقع الأمر أن العراق هو تحت سيطرة ناصر، حتى وان توسل الزعماء العراقيون بتكتيكات ستارة الدخان رغبة في تمكين النظام الجديد من أن يغدو معززاً دون معارضة شديدة من قوى الغرب. وحكام العراق الجدد أقرب للشيوعية من الدكتاتور المصري نفسه، برغم يضمون عضواً كان ممالئا للنازي هو رشيد عالي الكيلاني. يضاف إلى هذا أنه سيكون من الخطورة ايلاء أهمية لتصريحات ناصر المعادية للشيوعية، سواء أأفضى بها صدقاً أم لا. والاتحاد السوفياتي يعرف بوضوح ما الذي يعمله، وهو في تصرفاته غير متهوّر ويتقدم بانتظام صوب هدفه ـ ألا وهو السيطرة على الشرق الأوسط بمعاونة عناصر غير شيوعية في حد ذاتها، ولكنها تخدم أغراض السوفيات. وناصر يندرج بتفوق ضمن هذه الفئة. ومتى حان الحين، فإن السوفيات لن يترددوا، ان وجدوا هذا ضرورياً، في التخلص من ناصر، وان يستبدلوا به رجالاً أكثر منه ولاء وتبعية للكرملين.

ان سيطرة ناصر على الشرق الأوسط العربي بتأييد من القوة الهائلة للاتحاد السوفياتي ستكون له بالنسبة للعالم العربي عواقب خطيرة معينة:

(1) فلن تستطيع فرنسا الاهتجاء إلى حل مرض للمشكلة الجزائرية أو الإبقاء على علاقات ودية مع المغرب وتونس.

(2) ولن تقوم لليبيا المستقلة قيامة لمدة طويلة، وسيتم تقويض مركز بريطانيا العظمى والولايات المتحدة في ذلك البلد.

(3) ويحتمل قيام انقلاب ممالئ للشيوعيين في إيران، وسيكون لكل من ناصر وخروشوف مصلحة في مثل هذا التطور.

(4) وسيتم تحويل السودان إلى أملاك مصرية تحت السيطرة المقنعة للاتحاد السوفياتي.

(5) وسيتم تقويض استقلال أثيوبيا. وحتى في هذا الوقت، فإن ناصر يثير بنشاط قلاقل وتذمراً في أرتيريا وجيبوتي وفي كل من الصومالين وبين السكان المسلمين في أثيوبيا نفسها.

(6) وسيمضي ناصر قدماً بمساعدة السوفيات في طموحه وسياسته للسيطرة على «أفريقيا السوداء» بأسرها.

ولا حاجة بي إلى الإفاضة في ما ينطوي عليه هذا الاتجاه من التطورات بالنسبة لإسرائيل وتركيا. أما وقد راقبنا هذا الخطر وهو يتطور عدداً من السنين، وأما وقد رأينا فشل محاولات تحقيق سلام بين إسرائيل ومصر، كما حاولتم أن تقوموا بذلك من عامين مضيا يا سيادة الرئيس، فقد شرعنا نعزز الروابط مع أربعة بلدان مجاورة تقع على المحيط الخارجي للشرق الأوسط ـ غيران والسودان واثيوبيا وتركيا ـ بهدف إقامة سد منيع ضد السيل الناصري السوفياتي الجارف. وفي وسعي أن أسجل بارتياح أن الخطوات الأولى التي اتخذت في هذا الاتجاه كانت خطوات ناجحة. فقد أنشأنا علاقات من الثقة والصداقة المتبادلة مع حكومة إيران، ومع رئيس وزراء السودان وأقرب معاونيه، ومع إمبراطور أثيوبيا. ومؤخراً تنامت روابطنا بصورة حميمة جداً مع حكومة تركيا في قنوات سرية، هذا عدا علاقاتنا الدبلوماسية النظامية وما وراءها.

وهدفنا المتوخى هو إنشاء مجموعة من البلدان، ليس من الضروري أن تكون داخلة في حلف رسمي ومعلن، وتكون قادرة، بفضل المساعدة المتبادلة والجهود المشتركة في المجالات السياسية والاقتصادية وغيرها، على الوقوف صامدة ضد التوسع السوفياتي من خلال ناصر، بل لعلها تكون قادرة على إنقاذ حرية لبنان، وربما حرية سورية أيضاً مع الوقت. وتضم هذه المجموعة أمة واحدة تتكلم بالعربية (السودان) وأمتين مسلمتين غير عربيتين (إيران وتركيا) وأمة مسيحية (أثيوبيا) ودولة إسرائيل. ولئن كنت آمل ألا ينفك بذلك كل جهد للحد من تقدم ناصر في العالم العربي، فمن الضروري والممكن بصورة حيوية تعزيز الحرية والمساعدة المتبادلة في هذا النطاق الخارجي للشرق الأوسط.

ومن الضروري في ثلاثة من البلدان (إيران والسودان وأثيوبيا) اتخاذ إجراءات فعالة ومباشرة ضد التخريب من الداخل والخارج. وفي هذا السبيل، فمن المحتم تنظيم خدمات أمنية داخلية فعالة وقوة ضاربة عسكرية أو بوليسية قادرة على إحباط أي محاولة مفاجئة لإحداث انقلاب، سواء أكان منظماً من الداخل أو من الخارج.

ولا أريد أن أبالغ في قدرتنا، فلدي إلمام تام بحدودنا المادية والبشرية وسواها، ولا سيما صغر مساحتنا وسكاننا. وفي وسعي مع ذلك أن أقول أن في إمكاننا المساعدة على إقامة مثل هذه الخدمات في تلك البلدان. ففي كل منها توجس معين من «الهيمنة» من جانب الدول العظمى، وهو توجس لا يستشعر نحونا بالنظر إلى حجمنا ووضعنا. ولدى حكام هذه البلدان الثلاثة ثقة كاملة فينا، وفي وسعنا أن نضطلع بالمهمة التي أوضحتها لأنها ـ في قرارة يقيني ـ ضرورة حيوية لنا، كما أنها مصدر قوة ملموسة للغرب في هذا الجزء من العالم. ويستطيع جيشنا أن يعمل بوصفه مدرسة فعالة للقوات العسكرية النامية لهذه البلدان. ويستطيع معلمونا في أفانين المخابرات أن يؤدوا غرضاً مماثلاً. ولا تقل عن هذا أهمية مؤسساتنا العلمية والخاصة بالبحوث وخبراؤنا في هذا ولا سيما في ميدان التنمية الزراعية والتعليم الشعبي، وهؤلاء يستطيعون أن يجلبوا لهذه الأراضي فوائد جزيلة في سبيل صيانة استقلالها وتقدمها الاقتصادي.

وإن إنشاء خط أنابيب عريض من ايلات إلى البحر المتوسط محل خط الأنابيب الضيق الحالي يستطيع إلى حد كبير أن يعمل كبديل لقناة السويس في نقل البترول من الشرق إلى الغرب وبهذه الكيفية يمكن الانتقاص من قوة ناصر في الابتزاز ومن احتمالات السيطرة السوفياتية على المنطقة.

وإزاء الأوضاع التي نواجهها اليوم، فمن الضرورة الملحة إعطاء إسرائيل أمناً كاملاً من حيث سلامة حدودها وسيادتها وقدرتها على الدفاع عن النفس.

ولست أتكلم عن رؤيا بعيدة الشطط. فالمراحل الأولى لهذه الخطة قد صارت فعلاً في حيز الانجاز. ولكن هناك أمرين ضرورين: تأييد الولايات المتحدة ـ سياسياً ومالياً وأدبياً، وغرس شعور في إيران وتركيا والسودان وأثيوبيا بأن جهودنا في هذا الاتجاه تتمتع بتأييد الولايات المتحدة.

ولما كان من المستحيل التفرقة بين مصير الشرق الأوسط وشعوبه ومستقبل العالم، فيهمني أن أضيف بضع عبارات عن الاتحاد السوفياتي. في رأيي أن الاتحاد السوفياتي لن يتردد في استخدام القوة حيثما تبين جدواها، دون المخاطرة بضرر يعود عليه. وفي الوقت عينه أعتقد بأنه بل مصلحة في قيام حرب عالمية، وأنه واثق من قدرته على تحقيق أهدافه بدونها. وهو، فوق كل شيء، يحترم القوة العسكرية للولايات المتحدة. والاتحاد السوفياتي يسعى إلى إقرار سيطرته عن طريق التخريب الداخلي حيثما كان ذلك ممكناً ـ ومما يؤسف له أن هناك فرصاً لذلك في جميع بلدان آسيا وأفريقيا تقريباً. وسيسعى في سبيل تقسيم العالم الغربي بتضخيم الخلافات الصغيرة والمؤقتة الموجودة فيما بين البلدان الحرة. وسيسعى بصورة مؤقتة إلى تحقيق تقارب مع جماعات الرأي المترددة أو غير الملتزمة في الغرب رغبة في الوصول إلى تفتيت الأسرة الغربية، والأقوال السوفياتية بشأن التعايش هي جميعها أقوال تكتيكية خالصة لا تردد إلا بقصد تضليل السذج والأبرياء في العالمي الغربي والمحايد. فالسوفيات مقتنعون بأن البلدان الرأسمالية مكتوبة عليها جميعاً أن تنهار، وهم من ناحيتهم يبذلون كل ما هو مستطاع لتقريب (يوم) هذا الانهيار. وسواء انعقد مؤتمر للقمة أو لم ينعقد، فمبادئ السوفيات لن تتغير بأي مقدار يسير. وربما كانت هناك أوقات تتغير فيها نغمة التصريحات المرددة علناً تغيراً مؤقتاً، ولكن نظام العمل السوفياتي لن يطرأ عليه أي تغيير. ولا يسع شيئاً أن يتيح الأسباب لإنقاذ حرية الجنس البشري واستقلال أمم الغرب، الا تعزيز القوة غير الشيوعية في الوحدة الكاملة والشجاعة والولاء، رغبة في مقاومة كل تخريب ومداهنات وتهديدات، وكذلك لمقاومة القوة العسكرية الشيوعية. ولا يسع إلا المساعدة البناءة للتنمية الاقتصادية للأمم الآسيوية والافريقية والنهوض بالتعاون فيما بينها، أن تنقذها من الهيمنة من جانب السوفيات، سواء بوسائل مباشرة أو غير مباشرة.

وباعتباري ابناً لأمة تعيش في الشرق الأوسط، فقد أفضت في الحديث أساساً عما ينبغي عمله في هذه المنطقة. وما من أمة تقوم بإنقاذها قوة جيش أجنبي وحدها. والخلاص الأساسي لكل أمة يكمن في تمكينها من الوقوف على قدميها وتشجيعها على ذلك، كما يكمن في علاقات من المساعدة المتبادلة مع جيرانها وأصدقائها، وهو هو ما نحاول أن نعمله بالنسبة للبلدان التي أشرت إليها. واني لأتحدث عن مجموعة من خمس أمم تقع على المحيط الخارجي للشرق الأوسط، وستشكل إيران وتركيا وإسرائيل ذراعها الشمالية، والسودان وأثيوبيا ذراعها الجنوبية. وفي وسع هذه المجموعة أن تحتوي توسّع ناصر مع ما يترتب على ذلك من إقامة هيمنة سوفياتية. وسيكون من المستطاع إذن، بمعونتكم يا سيادة الرئيس، إنقاذ الحرية في هذا الجزء الحرج من الشرق الأوسط وحتى فيما بين بعض البلدان المتكلمة بالعربية في شمال افريقيا. ومع تأمين أجنحة المنطقة، سيصبح من السهل تطوير مقاومة التغلغل الناصري والسوفياتي في بقية مناطق العالم العربي.

وانني لأقدر تقديراً عميقاً يا سيادة الرئيس فرصة الوقوف على رد فعلكم بإزاء ما دونته هنا. والتشاور بصورة عاجلة مع الولايات المتحدة حول هذه الأمور.

المخلص لكم جداً

ديفيد بن غوريون

24/7/1958

- [**المصدر : محمد حسنين هيكل، «حرب الثلاثين سنة»، مصدر سبق ذكره.*]

- [**نشر في ملحق «فلسطين» | صحيفة «السفير» اللبنانية | العدد 14 - الأربعاء 15 حزيران 2011 - السنة الثانية.*]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 6 / 2182918

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2182918 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40