السبت 22 أيار (مايو) 2010

حذار من الخديعة

بقلم: عوني صادق
السبت 22 أيار (مايو) 2010

حتى قبل أيام قليلة، كنت قد استبعدت وقوع حرب قريبة في المنطقة، كان ذاك هو الاستنتاج الذي بدا منطقياً في ضوء ما رأيته متوافراً من معطيات . ظل ذلك قائماً ومقبولاً لدي إلى أن قرأت مقالاً لصهيوني، عرف بعدوانيته وعنصريته، فوجدته يستبعد بدوره الحرب هذا الصيف، وإن كانت أسبابه ومعطياته التي استند إليها مختلفة تماماً، بل ونقيضة لتلك التي قام عليها استنتاجي . عندها داخلني الشك، وأحسست أن في الأفق “خديعة” ما، خصوصاً أنني كنت دائماً، ومازلت، أشك في صحة أي موقف أتخذه أو رأي أراه إذا اتفق مع موقف أو رأي لصهيوني أو “إسرائيلي” . في البداية، قلت: قد يكون الرجل أراد أن يطمئن مستوطنيه وسط توزيع الكمامات والحديث الكثير عن تعاظم قوة حزب الله، وما يقال عن “كسر التوازن العسكري” بعد قصة صواريخ (سكود) . وقد يكون في حديثه عن “قوة الردع” المستعادة للجيش “الإسرائيلي” يمارس نوعاً من الحرب النفسية . . إلا أنني عندما استبعدت وقوع حرب قريبة، كانت أمامي المعطيات الآتية:

1 انشغال الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، والوضع في البلدين على ما هو معروف يزداد تدهوراً وتعقيداً بالنسبة الى الإدارة الأمريكية، حسب أقوال القادة العسكريين والسياسيين الأمريكيين . وإذا كان وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس قد اعترف بأن ليس من استراتيجية أمريكية، حتى الآن، إزاء أفغانستان، فإن من المفترض أن تنسحب بعض قوات الاحتلال الأمريكي من العراق المتدهور في أغسطس/آب المقبل لدعم الوضع العسكري، الأكثر تدهوراً، في أفغانستان . من زاوية النظر هذه، ستكون حماقة شديدة أن تفتح واشنطن على نفسها جبهة جديدة، إلى جانب الجبهتين المفتوحتين أصلاً، بالهجوم على إيران .

2 ما انطوى عليه التحالف الثلاثي الذي أعلن مؤخراً في دمشق، بين سوريا وإيران وحزب الله (وحماس) من معان، أهمها أن الاعتداء على أي طرف من الأطراف يعتبر اعتداء على الأطراف جميعاً، ويقتضي مواجهته بصورة جماعية . هذا لا يسمح (نظرياً على الأقل) باستفراد سوريا، أو حزب الله (أو حماس)، إذا ما قام تصور أمريكي أو “إسرائيلي” بعدم استهداف إيران مؤقتاً .

3 الجهل والغموض، من جانب الاستخبارات العسكرية “الإسرائيلية”، اللذان يلفان ما طرأ من تحديث وتجديد لقدرات حزب الله العسكرية، وبالتالي عدم القدرة على تقدير ما يمكن أن تتركه تحذيرات أمينه العام فيما لو هاجمت القوات” الإسرائيلية” لبنان . هذا يجعل من الهجوم “الإسرائيلي” إن وقع، مغامرة قد تحمل معها ضربة مصيرية بالنسبة الى الكيان ومستوطنيه، وهو يستدعي إعادة الحسابات أكثر من مرة قبل التحرك ربما إلى الهاوية .

تلك كانت المعطيات التي بنيت عليها استنتاجي باستبعاد حرب قريبة، وكلها بالنسبة إلي مازالت مقنعة، لكن مقال الكاتب الصهيوني جعلني أفكر في المسألة مرة أخرى . فماذا جاء في ذلك المقال؟

أولا، الكاتب أستاذ جامعي، يعتبر مستشرقاً وخبيراً في القضايا و”العقلية” العربية، وينشر مقالاته في صحيفة واسعة الانتشار، إنه غي بخور، الذي رأى، في مقاله (يديعوت 2/5/2010) أن “الوضع الراهن مريح لكل الأطراف، ولا مصلحة لأحد في الحرب”، ولذلك “من غير المتوقع أن تقع حرب في المنطقة في الصيف القادم” . غير أن ذلك لم تكن كل مبررات حكمه، وليس أهمها، بل هو يرى “أننا أخفنا حماس في عملية الرصاص المصبوب في ،2009 ولذلك فهي تعمل كل ما يمكن لتبقي الجبهة هادئة . . وأخفنا حزب الله في ،2006 وها هو حسن نصر الله يكاد يكمل أربع سنوات مختفياً . . أما سوريا، فقد سبق لوزير الخارجية أفيغدور ليبرمان أن أوضح ما يمكن أن يحل بالنظام السوري إن هي هاجمت”!

تلك هي الأسباب التي تجعل من الحرب أمراً غير متوقع من وجهة نظر بخور، خصوصاً أن الجيش “الإسرائيلي”، في رأيه، قد استعاد “قوة الردع”، وأن “الردع الناشيء والاستقرار الذي جلبه معه يرضيان القيادة العسكرية، الأمنية والسياسية “الإسرائيلية”، والوضع الراهن على كل الجبهات مريح ل “إسرائيل” . . وهذه ضمانة جيدة لشرق أوسط هادئ”!

لا شك أن نقاط الخلاف مع “المستشرق الخبير” كثيرة . فأولاً، واضح أن الوضع الراهن ليس مريحاً لأحد، وهو ليس مريحاً على وجه الخصوص ل “إسرائيل”، سواء تعلق الأمر بإيران أو بحزب الله، أو حتى بسوريا أو حماس، وليس من حاجة للتفصيل . ثانياً، إذا كان بخور يرى في “قوة “إسرائيل”” الضمانة لمنع الحرب، فإن حقائق التاريخ تثبت أن هذه “القوة” كانت وراء كل الحروب التي شهدتها المنطقة منذ العام 1948 (باستثناء حرب 1973) . ثالثاً، إذا كان جهل الاستخبارات العسكرية “الإسرائيلية” بمدى ما يقدر عليه، أو يتوافر لحزب الله من قوة، يلعب دوراً في كبح جماح نزعتها العدوانية، فإنه بالقدر نفسه، وربما أكثر، يدفع بها إلى المغامرة بشن الحرب، لأن السكوت عنه الآن قد يجعل من غير الممكن مواجهته غداً .

مع ذلك، فإنني وجدت نقطة في مقال بخور اتفقت فيها معه، وهي قوله: إن العرب اليوم “يفهمون أن قراءة وسائل الإعلام “الإسرائيلية” بصيغتها الإنجليزية ليست هي قراءة “إسرائيل”، وأقول له: لهذا السبب أصبحوا حذرين، ويعتقدون أن الصهاينة غالباً ما يظهرون ويكتبون غير، أو ربما عكس ما يبطنون . . وأقول لمن يعنيهم الأمر: حذار حذار من الخديعة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2184512

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع المنبر الحر   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2184512 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40