الأحد 5 شباط (فبراير) 2023

فصل الأحياء الفلسطينية عن مدينة القدس.. هل يضرّ بالعمليات البطولية؟

والجيل الإستثنائي في فلسطين يصنع المعجزات
الأحد 5 شباط (فبراير) 2023

* زهراء جوني

- الجيل الإستثنائي في فلسطين يصنع المعجزات

ماذا يعني أن يخرج شاب فلسطيني في مدينة القدس يبلغ من العمر 21 عاماً فقط، ويوجّه سلاحه الفردي إلى رؤوس المستوطنين الصهاينة ويقتلهم واحداً تلو الآخر دون خوف أو ارتباك؟ وماذا يعني أن يقوم شاب آخر في اليوم التالي، وهو لم يتجاوز الخامسة عشر من عمره فيقتل مستوطنين آخرين في سلوان ويتوارى عن الأنظار؟

باختصار نحن أمام جيل لم تشهد فلسطين مثله يوماً، هذا الجيل الذي عايش زمن الإنتصارات، لم يختبر لحظات النكبة ولا النكسة ولا بدايات المقاومة الأولى وحركتها في السبعينيات، ولم يشارك في انتفاضة لكنه يصنع اليوم بدمه وإرادته أعظم انتفاضة.

أن يقدم هؤلاء الشباب بعمرهم الصغير وعقلهم الأمني، الذي تجاوز أمن الإحتلال بلا شك، يعني أننا أمام جيل التحرير؛ هؤلاء الذين سيمهدون الطريق لخروج الإحتلال ربما دون معركة، بل بإسقاط نظرية “البقاء الآمن” التي يراهن عليها العدو ويحملها أمام مستوطنيه بكل ثقة. فأي ثقة لديه اليوم وهو يعيش لأول مرة عمليات نوعية فردية ينفذها شباب بمطلق إرادتهم وبعقلهم وتخطيطهم خارج إطار التنظيمات؟

نحن أمام جيل عدي التميمي الذي كتب وصية قبل استشهاده قد تكون أهم رسالة على مستوى المواجهة مع الإحتلال حين قال “أنا المطارد عدي التميمي من مخيم الشهداء شعفاط.. عمليتي في حاجز شعفاط كانت نقطة في بحر النضال الهادر.. أعلم أنني سأستشهد عاجلاً أم آجلاً، وأعلم أنني لم أحرر فلسطين بالعملية، ولكن نفذتها، واضعًا هدفًا أساسيًا أن ثمرة العملية مئات من الشباب ليحملوا البندقية من بعدي”. هؤلاء المئات هم بلا شك آلاف سيظهرون تباعاً في عمليات مختلفة وخطيرة واستثنائية كما فعل الشهيد خيري علقم في عملية القدس الأخيرة التي لم يعش الإحتلال مثلها منذ 15 عاماً باعتراف ضباطه وإعلامه.

الثمرة التي أراد عدي أن تنضج أكثر عبر عمليات أقوى شهدناها وسنشهدها تباعاً، تؤكد أننا أمام جيل استثنائي، راهن العدو الإسرائيلي على ذاكرته ونسيانه وطمسه للقضية والهوية، ولم يكن يعتقد لحظة أن هذا الجيل سيكون أقوى من الأجيال السابقة وأكثر حماساً وإقداماً واندفاعاً وربما ذكاءاً لقدرته على اختراق المنظومة الأمنية الإسرائيلية وإيقاعها بهذا المستوى من الفشل والإرباك.

الشهيد خيري علقم وضع الإحتلال بالأمس أمام أقسى اختبار يمكن أن يشهده ــ حتى الآن. واستطاع أن يُخرس لسان أكثر المتطرفين في حكومة الإحتلال ما يسمى وزير الأمن إيتمار بن غفير الذي وقف محني الرأس مذهولاً إلى جانب رئيس حكومته غير قادر على تصديق ما صنعته يد شاب في العشرين من عمره بهذا الكيان. هذا الشاب الإستثنائي دفع بعض وسائل الإعلام العبرية إلى وصف المشهد بالمذبحة وبأنه أسوأ عملية تعيشها “إسرائيل”، بل ذهب البعض إلى تحميل حكومة التطرف مسؤولية تصعيدها وقرارتها التي ستساهم في نزع الشرعية عن “إسرائيل”.

ما صنعه الشهيد خيري وقبله الشهيد عدي التميمي ورعد خازم وضياء حمارشة وعشرات الشباب والمئات الذي سيأتون بعدهم وربما الآلاف أثبتوا ويثبتون أننا أمام جيل تجاوز كل فوارق الأجيال السابقة، وأن ما صنعوه يأتي في السياق الطبيعي للحرب المفتوحة مع الإحتلال وهو بلا شك لا ينفصل عن عملية التحرير وخروج هذا المحتل من أرض فلسطين.

ولعلّ السؤال الذي يطرح اليوم في إطار الحديث عن ما يمكن أن يقوم به الإحتلال رداً على العمليات البطولية والفشل الأمني الذريع لقواته، يقابله سؤال آخر أهم، هو عما إذا كان الإحتلال سيستطيع في أي فعل أو رد أو تصعيد أن ينزع من عقول وقلوب هؤلاء الشباب وهذا الجيل الإستثنائي إرادة القتال والتحدي والمواجهة التي تتغلغل داخلهم كما يسير الدم في عروقهم.. والجواب يبدو واضحاً؛ إنتظروا الأسوأ والأعظم في الأيام القادمة.

- فصل الأحياء الفلسطينية عن مدينة القدس.. هل يضرّ بالعمليات البطولية؟

“لن تنتهي الحرب ما دامت الأرض فينا تدور على نفسها”..

لا شكّ أن الاحتلال يدرك اليوم أكثر من أي وقت مضى عمق هذه العبارة وما تشكله بالنسبة للشعب الفلسطيني الذي لا يتوقف عن محاولات التقدم في أساليب المواجهة وعدّة القتال ضد العدو الإسرائيلي، جازماً أن الحرب مع الاحتلال لا يمكن أن تتوقف قبل استعادة الأرض بالكامل.

ولا تشكّل العمليتان الأخيرتان في القدس المحتلة سوى نموذج واضح ومصغّر لشكل الحرب القائمة ونتائجها المتوقّعة لا سيما في ظل الحديث عن الوضع الحالي لحكومة الاحتلال وما تعانيه من انقسامات وأزمات على مستويات متعددة على رأسها الوضع الاقتصادي الذي يُنذر بأزمة لا يمكن تقدير حدودها النهائية من الآن، من شأنها بحسب خبراء في الشأن الإسرائيلي أن “تنقل الدولة العبرية (الكيان المؤقت) من موضع إلى آخر، وقد تفقد ميزتها في جذب الأموال والاستثمارات”. ولا يمكن فصل المشهد السياسي والاقتصادي داخل كيان الاحتلال عن مشهد العمليات الفلسطينية التي ترخي بظلالها على المشهد الإسرائيلي العام وتترك تداعياتها وضغوطها على حكومة العدو ورئيسها.

من هنا، خرج بعض الخبراء الإسرائيليين بعد العملية الفلسطينية البطولية التي نفذها خيري علقم بدعوات تقضي بفصل العديد من القرى والأحياء الفلسطينية عن مدينة القدس المحتلة، وقطع التواصل معها، في محاولة للتخفيف من فرص دخول شباب فلسطينيين وتنفيذ المزيد من العمليات ضد الاحتلال، لأن عملية الفصل من شأنها أن تساهم في طرد 350 ألف فلسطيني بحسب الخبراء.

وتنقل صحيفة “معاريف” في هذا السياق عن الخبير في الشؤون الأمنية والعسكرية أفرايم غانور قوله إن “العمليتين الأخيرتين في القدس المحتلة هزتا بشكل واضح الحياة والأمن الشخصي للإسرائيليين في القدس، وأن الحديث يدور عمليًا عن التجمع الفلسطيني المدني الأكبر في مناطق الضفة الغربية، فيما معظم هؤلاء السكان معادون لـ”إسرائيل“، والكثير من منفذي العمليات على مدى السنين خرجوا من تلك القرى، وبالتالي فإن من الصعب على”إسرائيل“التحكم فيما يجري في هذه القرى بسبب الاكتظاظ السكاني، كما توجد صعوبة في خلق فاصل بين تلك القرى والمستوطنات اليهودية”.

هذا الكلام يأتي بعد سنوات وجهود قام بها العدو الإسرائيلي لما أسماه “بأسرلة الفلسطينيين”، أي محاولة دمج الشعب الفلسطيني بالمجتمع الإسرائيلي، لكن محاولاته انفجرت في وجهه حين خرج الفلسطينيون الذين يعيشون ضمن ما يسمى بأراضي 48، في معركة سيف القدس ليلقنوا الاحتلال درساً في الانتماء إلى الوطن والهوية الحقيقية “فلسطين”. ثم انطلقت العمليات الفردية وأظهرت عدداً كبيراً من الشباب الذين يحملون هويات إسرائيلية ويقومون بتنفيذ عمليات بطولية ضد كيان العدو، وهو ما دفع شخصيات داخل الكنيست وخبراء إسرائيليين للبحث جدياً في ضرورة الفصل بين الأحياء الفلسطينية ومدينة القدس والعمل على سحب الهويات الإسرائيلية منعاً للمزيد من العمليات الفلسطينية في الأراضي المحتلة. كما نصح البعض داخل الكيان باستكمال عملية التهجير وسحب الإقامة في القدس والتي بدأها الاحتلال بشكل فعلي في شهر كانون الثاني من العام 1995 واستمر بها بزخم حتى العام 2000، ولم يتوقف عن سياسة التهجير حتى اليوم ولكن بمعدلات مختلفة.

ويبقى السؤال الفعلي: هل يستطيع الاحتلال عبر هذا القرار أو غيره أن يخفف من حجم العمليات البطولية أمام شباب يحملون هذه الروحية وهذا الإبداع في شكل العمليات؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2184585

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع انتقاء الموقف   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2184585 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40