الأحد 15 كانون الثاني (يناير) 2023

«ما خفي أعظم» يجدد الحديث عن حضور المقاومين الفلسطينيين «القاتل» على وسائل الإعلام

الأحد 15 كانون الثاني (يناير) 2023

- سعيد أبو معلا

رام الله ـ «القدس العربي»: لقد سبق النقاش الفلسطيني حول الإجراءات الأمنية التي يتخذها عناصر مجموعات المقاومة عرض الفيلم التحقيقي «خارج الحسابات» الذي جاء ضمن سلسلة «ما خفي أعظم» التي يقدمها الإعلامي الفلسطيني تامر المسحال على قناة «الجزيرة» الإخبارية، ومع ذلك كان يمكن لعرض الفيلم أن يعزز هذا النقاش ويرفعه لمستوى الأهمية لولا الرغبة بالتصيد وتوزيع الاتهامات بالعمالة وإهمال النقاش المستحق.

صحيح أن النقاش حول الإجراءات الأمنية التي تتخذها مجموعات المقاومة في الضفة الغربية تضاعف بعد عرض فيلم «الجزيرة» وتحديدا مع نشر موقع إعلامي إسرائيلي عن هوية بعض المقاومين الذين ظهروا في الفيلم بالعودة إلى بعض العلامات التي وفرتها الملابس وساعة في اليد وعلامة على وجه مقاوم ملثم وذلك بالعودة إلى صور وفيديوهات نشرها مقاومون في أوقات سابقة من دون ان يكونوا ملثمين.
وكان يمكن ان يكون نقاش هذا الموضوع الذي وضعه الفيلم على صفيح ساخن لولا أنه أخذ مجالات لا تخدم المقاتلين ولا مقاومتهم ولا فلسطين حيث الاتهامات التي وجهت للإعلامي تامر المسحال ولقناة «الجزيرة» أيضا من دون أن يسندها أي برهان.
وكان يمكن بسهولة التمييز بين نقاشات وكتابات حاولت طرح مسألة القيمة الصحافية التي أضافها التحقيق التلفزيوني «خارج الحسابات» وبين نقاشات وكتابات وتصريحات كانت تريد أن تستثمر الفيلم للنيل من قناة «الجزيرة» والصحافي المسحال وهو ما أفشل ما تحتاجه حالة المقاومة الفلسطينية التي ينقصها نقاش وحوار ينعكس على شكل توجهات وتطور في الأداء الأمني للمقاومة سواء ما تعلق منها بـ«كتيبة جنين» و«عرين الأسود».
غير أن الأهم هو أن الفيلم جعل من النقاشات التي كانت تقتصر على أحاديث الصالونات المغلقة حول الإجراءات الأمنية التي يلتزم بها المطاردون والمطلوبون للاحتلال موضوعا مفتوحا وواسع الانتشار في ظل حجم الخسارة التي مني بها المقاومون في الأشهر الأخيرة.
وكانت عملية اغتيال واستهداف إحدى قيادات «كتيبة جنين» الشهيد فاروق سلامة قبل أشهر أكبر حدث عُد مدخلا للحديث عن السلوك الإعلامي للمقاومين وتحديدا مثلما حدث قبيل لحظات من اغتيال سلامة حيث كان هناك بث مباشر لتجمع شبابي تحضيرا لعرس الشهيد سلامة.
غير أن النقاش المحدود تطور بعد عرض فيلم «الجزيرة» إلى حالة من طرح ملاحظات وانتقادات على البرنامج والقائمين عليه وفي حدها الأقصى وصلت حد التراشق والتخوين.
وهو ما دفع الصحافي في قناة «الجزيرة» تامر المسحال معد ومقدم البرنامج إلى الخروج في توضيح عبر القناة عن التفاصيل التي تم فيها إعداد البرنامج، وأوضح أن كل ما تم جاء بناءً على إجراءات حددتها عناصر «كتيبة جنين» و«عرين الأسود».
وخلال ظهوره الإعلامي تحدث المسحال عن التحديات الأمنية التي عمل خلالها فريق البرنامج طوال أسابيع وفي أكثر من منطقة جغرافية، معتبرا أن هناك ظروفا أمنية معقدة تحيط الجماعات المقاومة سواء بجنين ونابلس. وشدد على أن التحقيق نجح في إنتاج عمل كشف عن معطيات جديدة وتفاصيل تنشر لأول مرة حول تصاعد وتطور عمليات المقاومة والتحديات السياسية وعن المواجهة الأمنية بين الاحتلال والمقاومين.
وقال المسحال إنه لم يكن سهلا عقد ترتيبات اللقاء مع مصادر الفيلم من المقاومين، الذين لهم حساباتهم الأمنية المعقدة.
ويبدو أن ما دفع المسحال للرد على بعض الأسئلة والملاحظات هو ما نشره الإعلام الإسرائيلي الذي حاول أن يغذي النقاش الداخلي الفلسطيني، وتحديدا الموقع العبري «انتل نيوز» الذي نشر صورا أشار فيها ان خمس علامات ظهرت في برنامج «ما خفي أعظم» مكنت إسرائيل من التأكد من هوية أبو مجاهد الذي تتهمه بتنفيذ عملية قرب مستوطنة شافي شمرون والتي قتل فيها جندي من وحدة جفعاتي في تشرين الأول/اكتوبر من العام الماضي.
وقال الموقع إن أبو مجاهد هو «ح س» وسرد خمسة دلائل تؤكد ذلك، وهي أولا «بسبب العلامة البارزة (نتوء) بين عيني المطلوب ظهرت في صور سابقة له من دون قناع. وثانيا: ظهر في البرنامج وهو يزيل ساعة بجلد أخضر كان يرتديها في صوره مكشوف الوجه. وثالثا: قطعة السلاح بالتلسكوب وممسك الإطلاق (المميز) ورابعا: ماركة السترة السوداء التي يرتديها. وخامسا: «ستوري» نشره متابع على وسائل التواصل ذكر فيه اسم أبو مجاهد مع صورته من دون قناع».
هنا تحول ما نشره الإعلام الإسرائيلي إلى مادة لتوجيه الاتهام للإعلامي المسحال ولقناة «الجزيرة» وللشركة المنفذة في الضفة الغربية. غير أن إعلاميين معروفين أكدوا في حديث لـ«القدس العربي» أن ما نشره الإعلام العبري من أسماء مقاومين مطلوبين هو أمر معروف لغالبية المواطنين في نابلس ومنذ اليوم الأول الذي نفذت فيه عملية «شافي شامرون» كما أكدوا أن المطلوبين ينشرون بأنفسهم صورهم وفيديوهاتهم على حساباتهم الشخصية على موقع تيك توك وانستغرام.

الانكشاف الطوعي

الخبير والباحث الإعلامي صلاح الدين أبو الحسن يرى أنه على الرغم من الحالة المعنوية التي يضفيها الحضور الإعلامي للمقاومين والأثر المعنوي الذي يتركه هذا الظهور لدى الحواضن الشعبية، إلا أن حالة الانكشاف الذاتي والطوعي لهؤلاء المقاومين تجعلهم مكشوفي الظهر بل عراة أمام أجهزة أمن الاحتلال.
وأضاف أن هذه الأجهزة التي تتلخص مهمتها بالأساس في منع وقوع العمل المقاوم قبل حدوثه، بل منع مقدماته إن أمكن تمتلك أعينا ميدانية بشرية وتقنية ومتقدمة وعقولا مدربة تجعلها متقدمة بخطوة أو خطوات على مقاومين دفعهم حب الوطن ورفض القهر ببراءة معرفية في مجال الأمن ما يجعلهم متبرعين كرماء بالمعلومات التي تدل عليهم.
وتابع أبو الحسن: «هؤلاء وتحديدا مجموعات عرين الأسود الأولى كانوا يعيشون جزءا كبيرا من حياتهم اليومية كما لو كانوا غير مسلحين أو مطلوبين، وخصوصا ما يتعلق بالنشر الدائم على وسائل التواصل الاجتماعي وهو ما لا يتماشى مع طبيعة العمل المسلح الذي أساسه السرية المطلقة».
وشدد على ان العمل المنظم الذي بدأت تتسم به هذه المجموعات ساهم برفع الوعي بهذه الأمور، إلا أن جزءا مهما من الممارسات عبر مواقع التواصل الاجتماعي ما يزال مستمرا، جزء منه يقع على عاتق الجمهور، كأن يتم تعريف المتابعين بمن نشرت لهم صور وهم ملثمون. لكن الطامة الكبرى والتي أدت إلى اغتيالات بعض قادة هذه المجموعات – سواء في نابلس أو جنين- في البث المباشر الذي يظهر هؤلاء المقاومين في لحظة تواجدهم في مكان ما.
وشدد أبو الحسن أنه لا بد من لفت الانتباه إلى أنه كما لاستعراض القوة محاسن فإن له مخاطر أيضا، فكل تفصيلة يتم إظهارها هي بالتأكيد مصدر مهم للمعلومات، لذا فإن مسؤولية هذه النقطة هي بالضرورة لفصائل المقاومة، وبالدرجة الثانية للإعلامي أو المؤسسة الصحافية في حدود ما يعلمون وما تمليه عليه أخلاقيات المهنة.

الصحافي وخطأ الغير

أما دكتور الإعلام في الجامعة العربية الأمريكية محمود خلوف فيرى أنه لا يجوز تحميل صحافي أو وسيلة إعلام مسؤولية أخطاء الغير في حال حدثت.
وأضاف أن الجدل المحتدم داخليا بشأن برنامج «ما خفي أعظم» يسهم الإعلام العبري بتغذيته وتوجيهه، وهو جدل لم يبن على منطق سليم، فالخطأ ليس بالجهد الاستقصائي ومقابلاته التي كانت مع ملثمين، بل العتاب يوجه لمن يخرجون بالسلاح وهم غير مقنعين.
الانتقاد حسب خلوف يفترض أن يوجه لمن يخرجون بلباس أو أحذية أو بساعات مميزة، فينكشفون، لا يجوز أن يتحمل الصحافي أخطاء غيره.
وشدد انه يفترض أن يتسم العمل المقاوم بالسرية المطلقة، ويفترض فيه الوعي الأمني العالي، وفي حال لم يأخذ الناشط، والمناضل بالأسباب بالشكل المأمول فإنه هو من يتحمل مسؤولية عمله وليس أحدا غيره. وأكد خلوف أن صور المسلحين تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي وفي البث المباشر ولم يكن الأمر محصورا في نطاق «ما خفي أعظم» ولهذا كان لا بد من كلمة منصفة.
أما الناشط المجتمعي مصطفى شتا فاتفق مع وجهة النظر السابقة حيث استغرب تحليل البعض حول تورط «الجزيرة» في الكشف عن المقاومين رادا تلك الاتهامات لأسباب سياسية وحزبية.
وأكد شتا أن العمل الصحافي يهدف إلى نشر المعلومات اليقينية والصحيحة حول الأحداث المختلفة، أما ما يظهر في سياق الأحداث الحالية ودور المقاومة فهو يتمثل في أن البعض يغرق في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فيما الجميع في المناطق الساخنة التي تشهد مواجهات يعرفون تفاصيل أكثر مما ظهر في «ما خفي أعظم».
ورأي شتا أنه لا يمكن تبرئة الاحتلال وإجرامه المتواصل، لكن السخف ان يتسبب الموقف السياسي من قناة «الجزيرة» إلى رغبة في الانقضاض عليها وعلى إعلاميها واتهامهم بالعمالة، مع العلم أن «كتيبة جنين» و«عرين الأسود» تغنت بالبرنامج وتفاعلت مع محتواه بشكل إيجابي.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2184512

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع انتقاء الموقف   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2184512 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40