الخميس 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2022

ملف الأخبار: نتنياهو ملكاً... على عرش التطرّف

الخميس 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2022

افتتحت إسرائيل، بانتهاء يومها الانتخابي الحافل والطويل والمثير أوّل من أمس، مرحلة جديدة عنوانها صعود صاروخي لليمين، وعودة مظفّرة لبنيامين نتنياهو، الذي يُرجَّح تكليفه بتشكيل الحكومة، بعد حصول معسكره على 65 مقعداً في «الكنيست» الجديد. ولعلّ أكثر ما يَلفت في خضمّ هذه «العودة» هو أنها تأتي، في جانب منها، على صهوة «الصهيونية الدينية» التي حقّقت، في الانتخابات الخامسة، فوزاً مشهوداً، منتزِعةً المرتبة الثالثة في ترتيب القوائم في البرلمان. وإذ سيكون من شأن ذلك الفوز تصعيب مهمّة نتنياهو في التأليف، بالنظر إلى ما يحمله صاحباه من مطالب متزاحمة، فإن استجابته لهما ستعني حتماً تعميق سياسات التضييق والتنكيل بالفلسطينيين في ساحاتهم كافة، فيما محاولته مراوغتهما ستُعادل استقراراً هشّاً لحكومته العتيدة، التي لا يُستبعد - والحال هذه - أن تُلاقي مصير سابقاتها. وفي الصورة الأعمّ، فإن «الكنيست الـ25» يُعدّ صورة مصغّرة عن إسرائيل الجانحة إلى المزيد من التطرّف والعنصرية، والمنقسِمة - تبعاً لذلك - إلى «قبائل» يهودية تتعاظم الكراهية في ما بينها استحقاقاً بعد استحقاق. أمّا «القبيلة» العربية فتجد نفسها اليوم أمام الواقع العاري: سقوط كذبة «إسرائيل اليهودية الديموقراطية»، لصالح حقيقة «إسرائيل الصهيونية الدينية». و«الصهيونية الدينية»، هنا الآن، ليست إيديولوجيا دينية أو حزباً سياسياً أو تنظيماً جماهيرياً، بل هي فكرة لا تفتأ تنمو وتتعزّز، متساوِقة تماماً مع جوهر «المبادئ» التي قام عليها الكيان، والمتمثّلة ببساطة في القتل والاستيطان والإحلال. وبعدما وجد منصور عباس نفسه في موقف زادَه مهانةً على مهانته، وخسر أيمن عودة وأحمد الطيبي رهانهما على الائتلاف مع «الليبراليين»، لم يبقَ إلّا «التجمّع» الذي يؤمل أن يكون خروجه من «الكنيست» بوّابة لدخوله ساحة نضال أكثر نجاعة، يتّحد فيها مع الحركات الجذرية والأطر الشبابية والشعبية

- إسرائيل تُبايع اليمين: نتنياهو ملكاً على عرش التطرّف

يحيى دبوق

يعود رئيس الحكومة الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، إلى السلطة في تل أبيب، على رأس ائتلاف يميني وديني متطرّف، بعد فوز حاسم في انتخابات جاءت استثنائية في دلالاتها، ليس لناحية غلبة أقصى اليمين فيها فقط، بل أيضاً لتسجيلها هزيمة كبيرة للمعسكر المضادّ، وسقوط الحزب اليساري الوحيد المتبقّي في إسرائيل إثْر فشله في تجاوز العتبة الانتخابية. وحتى ساعة متأخّرة من مساء الأربعاء، لم تكن عمليات عدّ الأصوات قد انتهت، إلّا أن النتيجة باتت شبه مؤكّدة، ومن المستبعد أن يؤثّر أيّ متغيّر فيها، وهي فوز كتلة نتنياهو بنصف عدد المقاعد زائداً أربعة، ما يعني أن تكليفه تشكيل الحكومة بات محتوماً، وأرجحية نجاحه في تأليفها عالية جدّاً.

على أن انتصار معسكر نتنياهو ليس المعطى البارز الوحيد في نتيجة الانتخابات الإسرائيلية، بل إلى جانبه أيضاً نجاح حزبَي التطرّف والعنصرية الرئيسَين، «الصهيونية الدينية» برئاسة بتسلئيل سموتريش و«عوتسماه يهوديت» برئاسة إيتمار بن غفير، وهما خليفتا مؤسِّس حركة «كاخ»، المتطرّف مائير كاهانا، الذي تميّز بعدائه وعنصريّته ضدّ «الأغيار»، ودعوته إلى تهجيرهم كي تبْقى إسرائيل دولة يسكنها اليهود فقط. وبن غفير، الذي كافح في الانتخابات السابقة كي يتجاوز العتبة الانتخابية، حقّق في هذه الانتخابات إنجازاً يُعدّ مقدّمة لمكاسب لاحقة، يرى عدد من المحلّلين الإسرائيليين أنها لن تكون بعيدة من خلافة نتنياهو نفسه على رأس «الليكود»، وخصوصاً أن إيتمار بات هو الرجل المناسب الذي يتساوق مع تطلّعات الجمهور الإسرائيلي وانزياحه نحو اليمينية والتطرّف، وفق ما أظهرته اتّجاهات التصويت في صناديق الاقتراع. واللافت أن حزبَي «الصهيونية الدينية» أضافا إلى مقاعدهما السابقة، عشرة مقاعد جديدة، من دون أن يُحدث ذلك نقصاً في عدد مقاعد الأحزاب اليمينية الأخرى، الأمر الذي يعني أن القاعدة الناخبة للعنصرية المباشرة والواضحة، لا تفتأ تتّسع.

في المقابل، سُجّل سقوط حزب «ميرتس» اليساري، ليخلو «الكنيست» من أيّ تمثيل لليسار، وإنْ بعدد محدود كما كانت عليه الحال في الندوات البرلمانية في السنوات الأخيرة. وهي نتيجة كانت مُقدَّرة سابقاً، بعدما تحوّلت اليسارية إلى وصمة عار، في ما أدّى عملياً إلى تهشيم هذا التوجّه بالكامل. كذلك، مُني معسكر رئيس الحكومة الحالي، يائير لابيد، بهزيمة قاسية، تَعدّدت التفسيرات التي سيقت لها، لكن أبرزها، والذي تتعذّر المجادلة فيه، هو ما ورد على لسان قادة المعسكر اليميني، من أن الأغلبية اليهودية لا تتسامح مع حكومة تعتمد على العرب، في إشارة إلى ضمّ لابيد في ائتلافه، «القائمة العربية الموحدة» برئاسة منصور عباس. على المقلب الفلسطيني، ثبت فشل استراتيجية عباس في الاندماج في الحياة السياسية في إسرائيل عبر الائتلاف مع الأحزاب الصهيونية، لتحقيق «ما أمكن» من حقوق فلسطينيّي الداخل، بحسب ما يدافع به. وإذ كان يأمل بأن تدفع خُطاه بقيّة الأحزاب العربية إلى الحذو حذوها، فهي تسبّبت عملياً بانشقاقات إضافية في اللوائح الفلسطينية التي تشرذمت إلى ثلاث، وصولاً إلى سقوط حزب «التجمع» وخروجه من «الكنيست»، نتيجة فشله في تجاوز العتبة الانتخابية، بعدما رفض مجاراة الأسرلة. أيضاً، أثبتت نتيجة الانتخابات واتّجاهات التصويت اليهودي فيها، أن مسألة اندماج فلسطينيّي الداخل ليست قراراً يتّخذه هؤلاء بأنفسهم، بل إن الطرف الآخر، اليهودي، لا يريد ولا يسعى إلى اندماج كهذا، وهو وإنْ تبنّى «المواطَنة»، فإنّما يريدها من الدرجة الثانية أو الثالثة، بحيث تجعل أصحابها بعيدين عن المساواة الحقيقية.

ستكون إسرائيل أمام استحقاق التكليف بعد الإعلان عن نتيجة الانتخابات رسمياً خلال أيام

في النتائج، ستكون إسرائيل أمام استحقاق التكليف بعد الإعلان عن نتيجة الانتخابات رسمياً خلال أيام، فيما من المرجّح أن يجري تكليف نتنياهو تشكيل الحكومة. وإذ يُتوقّع أن يخوض الأخير مساراً صعباً من المفاوضات مع الشركاء اليمينيين والمتديّنين واليمينيين المتطرّفين، فإن هذا المسار لن يخلو من مفاجآت ونكوص عن الوعود و«خيانة» للشركاء، وخصوصاً أنه بالنسبة إلى زعيم «الليكود»، كلّ شيء مباح لتحصيل السلطة والحفاظ على ديمومتها أطول فترة ممكنة. ومن المنتظَر أن يواجه نتنياهو مطالب كبيرة من الأحزاب الدينية، التي وعدها قبل الانتخابات بالحصول على معونات مالية ضخمة وبلا شروط، لمصلحة معاهدها الدينية ومؤسّساتها التربوية، فيما هي ستسعى إلى كسْب المزيد، كونها استحصلت على عدد مقاعد كبير نسبياً، مقارنةً بالانتخابات السابقة، فضلاً عن وضعها المزري اقتصادياً، بعد قطْع المعونة عنها من قِبل الحكومة السابقة ووزير ماليّتها، أفيغدور ليبرمان، عدوّ «الحريديم» الأول. أمّا حزبا «الصهيونية الدينية»، فهما يريدان وزارتَي الأمن والأمن الداخلي، ومؤسّسات الاستيطان وما يرتبط بها، إضافة إلى حقائب العدل والمواصلات والتربية والشتات، وكلّ ما يمكّنهما ممّا يسمّيانه فرْض «الطابع اليهودي» على الدولة ومؤسّساتها، وهي التسمية غير المباشرة للعنصرية والتطرّف ضدّ كلّ مَن هو وما هو غير يهودي. وفي إزاء ذلك، سيكون نتنياهو معنيّاً بالعمل على تليين المطالب، مع إدراكه تقلُّص هامش المناورة لديه في مواجهة «الصهيونية الدينية»، الأمر الذي سيدفعه من جديد إلى طرْق أبواب بني غانتس والتفاوض معه، كي يضغط على بن غفير من خلاله، ما يثير علامة استفهام كبيرة حول ما إنْ كان غانتس هذه المرة سيجاريه، بعدما لُدغ من جحره مرّتَين في السابق.

في المحصّلة، يعود نتنياهو إلى سدّة الحُكم زعيماً لمعسكر يميني متطرّف، فرضتْه صناديق الاقتراع كانعكاس لتوجّهات معظم الجمهور اليهودي، الذي بات يَعدّ التطرّف والعنصرية مفخرة، والاعتدال (وإنْ نسبياً) شتيمة وعاراً. والراجح أن مهمّة نتنياهو في تشكيل الحكومة لن تكون سهلة، وإن كان المتوقّع أن يستطيع في نهاية المطاف تأليفها، لكنها ستكون عُرضة للابتزاز والمزايدات بشكل متواصل، وخاصة في ما يتعلّق بالقرارات الصعبة التي أُطلقت وعود بشأنها للجمهور الإسرائيلي من قِبل المتطرّفين. أمّا في ما يتعلّق بالقضية الفلسطينية، وما يسمّى بـ«العملية السياسية»، فستبقى مجمَّدة بلا حراك، كما هي الآن، لكن مع تشدّد أكبر في عمليات التجميد، هذا إن لم يُقدِم الائتلاف العتيد على تجاوُز خطوط حمرٍ وضعتْها إسرائيل لنفسها في وجه السلطة الفلسطينية، ليتسبّب والحال هذه بإضعافها أكثر. وبخصوص القضايا الأمنية والتهديدات والتحدّيات على اختلافها، ستكون مهمّة المؤسسة الأمنية مزدوجة: العمل وفقاً للقدرة والظرف والتداعيات وإمكان تحمّل الكلفة؛ في موازاة «تعليم» الوافدين الجدد حدود القوة واستخدامها، مع لجم تطلّعاتهم ومنعهم من المزايدات الكلامية والعملية التي تضرّ بمصالح إسرائيل الأمنية.

الانقسام باقٍ... والأصوات الضائعة بمئات الآلاف

لا يعني الانتصار المدوّي الذي حقّقه معسكر بنيامين نتنياهو، وكذلك الانكسار المدوّي الذي مُني به المعسكر المقابل، أن الانقسام الحادّ في إسرائيل، بات من الماضي. إذ تشير نتائج صناديق الاقتراع، مع فرز أكثر 87% من الأصوات، إلى وجود فارق بسيط جداً بين المعسكرَين، وهو 0.01% فقط، ما يعني تعادلاً في الأصوات، مع فوز كبير لنتنياهو. وبحسب الأرقام، فقد صوّت 2.066.061 لمصلحة كتلة لابيد وللأحزاب العربية في الداخل، مقابل 2.069.961 لمصلحة الكتلة المنافِسة. والظاهر أن هذه الفروق تعود إلى سوء إدارة المعركة الانتخابية، و«اللاتجانس» في ما بين أعضاء معسكر لابيد، مقابل الإتقان والحنكة في إدارة المعركة الانتخابية لدى اليمين والأحزاب الدينية. وقد أدّى هذا الإخفاق في الحالة الأولى إلى فشل عدد من أحزاب معسكر الائتلاف الحكومي في تجاوز العتبة الانتخابية، كما هي حال حزبَي «ميرتس» و«التجمع»، اللذين كانا قريبَين نسبياً من العتبة، ما أدّى إلى خسارة 8 مقاعد، ذهبت بمجملها إلى معسكر نتنياهو. وكان أخفق «ميرتس» في الاتحاد مع «العمل» في لائحة واحدة، الأمر الذي كان يعني نجاحهما في تحصيل 7 مقاعد في حدّ أدنى. والأمر نفسه ينسحب على لائحة «بلد» لحزب «التجمع»، الذي فشل أو أُفشل في الانضمام إلى «القائمة المشتركة» برئاسة أيمن عودة. يُضاف إلى ما تَقدّم، أن الخلافات بين اللوائح المؤيدة للابيد، منعت عنها الاتفاق على تبادل الأصوات الفائضة، وهي كسور المقاعد، ما أفقد المعسكر عدداً من النواب. وفي المحصّلة، ضاع في الانتخابات الحالية ما يقرب من ثلاثمئة ألف صوت، بينما كسبت كتلة نتنياهو 10 مقاعد إضافية عن استحقاقها الفعلي.

- العرب أمام الحقيقة العارية: أيّ «اندماج» مع القتَلة؟

بيروت حمود

قد لا يكون «التجمع الوطني الديموقراطي» هو الخاسر الأكبر بين القوائم العربية الثلاث، على الرغم من أنه وجد نفسه، لأوّل مرّة منذ التسعينيات، خارج «الكنيست». على الأقلّ، لم يحصل «التجمع» على دعم مادّي خارجي من اللوبيات الصهيو ــ أميركية الهادفة من وراء ذلك إلى الحفاظ على كذبة «إسرائيل اليهودية الديموقراطية»، وعلى «ائتلاف التغيير» بقيادة رئيس الوزراء، يائير لابيد، الذي ستلتصق باسمه بدءاً من الساعات القريبة كلمة «رئيس الوزراء السابق»، حين يعود بنيامين نتنياهو ليتربّع على عرش السلطة بسيْف «الصهيونية الدينية». أثبت «التجمع»، من خلال خريطة توزّع المقترعين، أنه كان بمقدوره، لو حصّل بضعة آلاف إضافية من الأصوات، سحْب البساط من تحت قدمَي الحكومة اليمينية الصهيونية، ما كان سيقود الكيان إلى انتخابات سادسة. إلّا أن هذا اللاعب، الذي أظهرت العيّنات الأوّلية أنه لا يزال «رقماً صعباً»، لم يكن لديه بالفعل شيء ليقدّمه بمقاعده الأربعة المأمولة لفلسطينيّي الـ48، سوى تمثيل الصوت الوطني الرافض للاندماج في المنظومة الصهيونية، فيما هو، للمفارقة، يتطلّع إلى مواجهة هذه المنظومة من قَلْبها.

تجهّز «التجمع» للخسارة مسبقاً، إذ تَوقّع قصوره عن عبور عتبة الحسم، ولكن السؤال المهمّ الآن هو ما إنْ كان جاهزاً للانتقال إلى مكان آخر، في الشارع وبين الناس، حيث مكانه الحقيقي والطبيعي. هناك، سيكون مضطرّاً للتفكير في آلية للعمل والنضال من خارج البرلمان، بعدما ساهم هو نفسه، وخصومه السياسيون من الأحزاب العربية في القائمة «المشتركة» سابقاً، في حصْر النضال الفلسطيني داخل هذه الهيئة. ومن هنا، يبدو «التجمع»، الذي حصل على 130 ألف صوت لم تخوّله دخول «الكنيست»، أمام مهمّة صعبة و«سيزيفية»، وتحدٍّ غير مسبوق بالنسبة إلى حزب سياسي في أراضي عام الـ48، خصوصاً أنه وصّف نفسه حاملاً للمشروع الوطني، وناطقاً بصوته، ولاقى تأييداً لافتاً بين الفلسطينيين، حتى بين أولئك المقاطعين الجذريين للانتخابات.

بقي أن يُدرك الفلسطينيون أن الاجتماع حول الخيار المقاوم بكلّ اتّجاهاته وأشكاله هو ضرورة ملحّة

خلال السنوات السابقة، لمس الفلسطينيون حجم اتّساع الهوّة بينهم وبين «نُخبتهم»، فيما عبّرت هَبّة أيار من العام الماضي عن ذلك بوضوح، حين قادت الأطر واللجان الشبابية والشعبية الشارع، متسلّمةً زمام المبادرة، ومتولّيةً الدفاع عن «الغيتوهات» الفلسطينية القائمة في صُلب «المدن المختلطة» بوجه المستوطنين. ومن هنا، يأمل فلسطينيون كثر في أن يبادر «التجمع»، مع بقيّة الحركات الجذرية مِن مِثل «أبناء البلد» و«كفاح» وأطر شبابية وشعبية أخرى، إلى خلْق حالة سياسية نضالية في الميدان، تبْقى المصاعب الماثلة أمامها كثيرة، خصوصاً أن التيّار الصهيوني الديني قد استقرّ في مكانة مرموقة بين «أعمدة الهيكل». أمّا خصما «التجمع» وشريكاه بالأمس، المتمثّلان في «الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة» بقيادة أيمن عودة، و«الحركة العربية للتغيير» بقيادة أحمد الطيبي، فتنتظرهما، بمقاعدهما العشرة، مهمّة ميسّرة في «الكنيست»، ستقتصر على التراشق الكلامي، والصراخ والزعيق، وتمزيق مبادرات القوانين، وتأدية الآذان في الهيئة العامة، وربّما الاشتباك بالأيدي... ليس لأنهم متقاعسون، بل لأن الحكومة العتيدة ستعبّر عن التوجّه الصهيوني الحقيقي بلا مواربة أو خجل، وستمارس فاشيّتها استناداً إلى شعورها بـ«الحق» في قتل العرب دفاعاً عن الوجود الصهيوني اليهودي ومكانته. وفي المقابل، يفضّل الليبراليون الإسرائيليون ممارسة القتل اعتماداً على نظريات عسكرية مستمَدّة من الفلسفة ما بعد الحداثية، لتكون جرائمهم متناسبةً ومقاييس الغرب الأبيض ومعاييره، كما في تطبيقهم «عقيدة الضاحية» في لبنان، و«المترو» في غزة أو «كاسر الأمواج» في الضفة.

وعلى رغم أن نتائج الانتخابات ستكون لها تداعيات على الفلسطينيين عموماً وفلسطينيّي الـ48 خصوصاً، لا سيما إذا ما عُيّن زعماء «الصهيونية الدينية» في الوزارات الأكثر حساسية مِن مِثل الأمن والأمن الداخلي، إلّا أن انعكاساتها على يسار إسرائيل وليبراليّيها ربّما تكون أقسى وأوضح، لارتباطها بالصراع القائم حول هوية الكيان ومكانة «التوراة» فيه، والذي يبدو أنه يُحسم لصالح «إسرائيل الصهيونية الدينية»، في مقابل سقوط كذبة «إسرائيل اليهودية الديموقراطية». وهكذا، يَظهر الفلسطينيون على عتبة مرحلة سيكون فعل القتل فيها منطلِقاً أوّلاً من كوْنهم «أغياراً» مرفوضين ومنبوذين، فيما ستنتهي أيضاً خرافة «بيضة القبّان» التي صدّقها منصور عباس حتى آخر نَفَس، مُظهراً كعادته مهانةً لا قعر لها، بتأسّفه عقب صدور النتائج لأن «نتنياهو لن يكون بحاجة إليّ».
في المحصّلة، تبدو مرحلة «الصهيونية الدينية» نتيجة طبيعية للتغيّرات الحاصلة في المجتمع الإسرائيلي وتبدّلاته، فيما بقي أن يُدرك الفلسطينيون أن الاجتماع حول الخيار المقاوم بكلّ اتّجاهاته وأشكاله هو ضرورة ملحّة لمواجهة بُنية إسرائيل وطبيعتها الكولونيالية الإقصائية، والتي ثبت أنها لا تتغيّر بتغيُّر الحكومات، سواءً كانت يساراً أو يميناً أو وسطاً.

- صعود «الصهيونية الدينية»: الفاشية تزدهر

يحيى دبوق

لعلّ واحدة من أهمّ نتائج الانتخابات الإسرائيلية، هي فوز لائحة «الصهيونية الدينية» برئاسة بتسلئيل سموتريش وإيتمار بن غفير، بعدد كبير نسبياً من مقاعد «الكنيست»، قد تصل في نهاية فرز صناديق الاقتراع إلى 15 مقعداً، الأمر الذي من شأنه أن يرفع هذه اللائحة إلى المرتبة الثالثة بعد حزب «الليكود» وحزب «يش عتيد»، لتسبق بذلك أيضاً حزب «معسكر الدولة» برئاسة وزير الأمن بني غانتس، الذي استقطب إلى صفوفه عدداً من القادة السابقين في المؤسّستَين العسكرية والأمنية. المفارقة أن زعيمَي «الصهيونية الدينية» قاتلا في الانتخابات السابقة كي يجتازا العتبة الانتخابية، فيما هما الآن صاحبا الكلمة الفصل في أيّ ائتلاف يشكّله رئيس «الليكود»، بنيامين نتنياهو، مع اشتراطات ومطالب لا تُحصر من قِبَلهما، إنْ جرى تكليفه تشكيل الحكومة المقبلة. فما هي المتغيّرات التي أسهمت في هذا التحوّل؟ وكيف يمكن تفسير سقوط حزب «البيت اليهودي»، برئاسة الوزيرة في الائتلاف الحالي أيلت شاكيد، والذي يعبّر بدوره عن قطاع «الصهيونية الدينية»؟ وماذا عن تداعيات فوز بن غفير وسموتريش على اليمين بقيادة نتنياهو؟ وهل ستكون لائحتهما معنيّة أو قادرة على تنفيذ وعودها الانتخابية المتطرّفة؟ إزاء تلك التساؤلات المتزاحمة، يمكن تسجيل الآتي:

أوّلاً: تتكوّن اللائحة من حزبَين صهيونيَين دينيَين، «الصهيونية الدينية» برئاسة سموتريش و«عوتسماه يهوديت» برئاسة بن غفير، وهما حزبان يعتنقان الأيديولوجيا ذاتها، ويتعارضان فيما بينهما في كيفية ترجمتها، ما يدفع إلى تباينات ومزايدات وخلافات شخصية، عنوانها التسابق في إظهار التطرّف ضدّ الفلسطينيين، من أجل كسْب الأفضلية لدى الشارع الصهيوني الديني. أمّا سبب اتّحاد الحزبَين فهو الخشية من إمكانية تسرُّب أصوات من بيئتهما، من دون أن ينفي ذلك احتمال افتراقهما في المستقبل، وهو السيناريو المرجّح.

ثانياً: يمثّل الحزبان أيديولوجيا «الصهيونية الدينية» التي يمكن تعريفها بأنها الاتجاه الذي انفصل عن اليهود المتديّنين الأرثوذكس (الحريديم) الذين رفضوا الحركة الصهيونية وإقامة دولة يهودية في فلسطين، وعمِل على جسْر الهوة بين الدين والصهيونية. اقتصر جلّ نشاط هذا الاتجاه سابقاً على تعزيز الاستيطان في أراضي عام 1967، وهو لا يزال كذلك، مع تمدّد حضوره في أوساط يهود أراضي عام 1948. وتختلف هذه الفئة المتديّنة، عن «الحريديم»، في أنها تنظر إلى إسرائيل باعتبارها لا تخالف الشريعة، ولا تغتصب «حق المسيح» في إقامة الدولة. ولذا فهي اكتسبت اسمها من كون أتباعها متديّنين وفقاً للشريعة اليهودية، وفي الوقت نفسه يؤمنون بالفكر الصهيوني، وضرورة تأسيس دولة من دون انتظار ظهور المسيح. ودائماً ما كانت «الصهيونية الدينية» ظهيراً للعلمانيين، ومصدراً لشرعية مفقودة بالنسبة إليهم لدى «الحرديم»، وهي ترى في نفسها «أمّ الصبي» في عملية تأسيس الدولة وبقائها، وتطالب بضرورة إبقاء كلّ أرض يصل إليها اليهود تحت احتلالهم، بما يشمل بطبيعة الحال أراضي الضفة وقطاع غزة، وترفض بالمطلق أيّ تنازلات للفلسطينيين. كما لا تتردّد في الإقدام على أيّ أفعال «غير سويّة»، حتى ضدّ اليهود المعارضين لها والذين تَصِفهم بـ«الخونة» و«كارهي ذواتهم»، لأنها في الأصل تَنظر إلى ذاتها نظرة القيمومة على الدولة، وأنها أعلى من القوانين الإسرائيلية، وبإمكانها تجاوزها لمصلحة الصهيونية والاستيطان.

لا ترتبط «الصهيونية الدينية» في ما بينها برابط تنظيمي خاص أو مرجعية دينية أو علمانية

ثالثاً: يمثّل حزبا بن غفير وسموتريش، أحدث نسخة وصلت إليها الصهيونية الدينية، وفيها من التشدّد القديم الكثير، ومن الجديد ما لا يُحصر: المطالبة بترحيل الفلسطينيّين من الأراضي المحتلّة؛ الدعوة إلى منْع لمّ شمل العائلات الفلسطينية وإنْ حازت على الجنسية الإسرائيلية؛ رفْض «حلّ الدولتين» وأيّ تنازل عن أيّ شبر محتلّ؛ الحضّ على فرْط عقْد السلطة الفلسطينية وإنهاء وجودها؛ رفْض التعامل مع حاملي الجنسية الإسرائيلية من فلسطينيّي عام 48 كمواطنين؛ الحثّ على إبعاد مَن يُشكّ في أمرهم أمنياً من الفلسطينيين وعائلاتهم إلى قطاع غزة؛ الاعتقاد بأهمية الحدّ من المعونات الاقتصادية لفلسطينيّي الداخل والاستيلاء الكامل على الحرم القدسي وجواره وإباحة ساحاته لليهود للتعبّد والصلاة والزيارة؛ الدعوة إلى تشديد الحصار على غزة وتفضيل الحلول العسكرية؛ الإيمان بضرورة العودة إلى سياسات القتل والتهجير والاغتيالات وتوسيع الاستيطان في الضفة والقدس؛ المطالبة بمنع إجازات البناء وتصاريح التوظيف والعمل للفلسطينيين؛ وإلغاء «اتفاقيات أوسلو» وما تبعها بالمطلق واعتماد حُكم ذاتي غير موحّد في الضفة الغربية للأماكن المدينية الفلسطينية؛ الحضّ على الامتناع عن الاستماع إلى مطالب الأميركيين والخارج في ما يتعلّق بالاستيطان و«استرداد الأرض»، وكذلك البحث عن قضايا أو إيجادها لتكون موضوعاً للمزايدة في التطرّف.

رابعاً: لا ترتبط «الصهيونية الدينية» في ما بينها برابط تنظيمي خاص أو مرجعية دينية أو علمانية تقود وتقرّر وتطلب من مُريديها التنفيذ، وهو ما يجعلها أقرب إلى فكرة منها إلى كيان سياسي أو ديني. وعلى مدى السنوات الماضية، كانت هذه الفكرة تتعزّز وتحظى بمزيد من «المعتنقين» وتُرسي قواعد للتنافس عنوانها: كلّما كنتَ متطرّفاً وعنصرياً وكارهاً ضدّ الفلسطينيين، كلّما كنتَ صهيونياً دينياً بامتياز. على أن التطرّف لم يقتصر على الفلسطينيين فحسب، بل انسحب كذلك على كلّ مَن يرفض العنصرية والكراهية مِن بين اليهود أنفسهم، إلى الحدّ الذي باتت معه سِمة اليسارية تُعادل الخيانة العظمى. ومن بين التحوّلات التي تُسجَّل أيضاً في العقد الأخير، هو انفكاك الصلة القيادية بين الأعلى والأدنى في معسكر «الصهيونية الدينية»، بفارق كبير نسبياً عن غيرها من الكيانات السياسية والأيديولوجيات في إسرائيل، وهو ما جعل موالاة هذا القائد أو ذاك، مرهونةً بمدى تطرّفه وعنصريّته. وعلى هذه الخلفيّة، يضحي مفهوماً سعي القيادات الصهيونية الدينية إلى تظهير أعلى مستوى من التطرّف بهدف كسْب تأييد جمهورها، فيما تهمّشت العناوين الأخرى التي تميّز الجماعة مِن مِثل الامتثال للأحكام الدينية والتعاليم اليهودية وغيرها، وهو ما يفسّر وجود عدد كبير من غير المتديّنين، أو من المتديّنين التقليديين، في أوساطها.
خامساً: نشطت قيادتا الحزبَين الفائزَين، في العامَين الماضيَين، على أكثر من صعيد واتجاه، لتظهير تطرّفها، وتخوين الطبقة الحاكمة التي كانت قد انتقلت من اليمين برئاسة نتنياهو، إلى خلطة اتّجاهات يمينية ووسطية ويسارية وأيضاً فلسطينية، برئاسة صهيوني ديني، هو رئيس حزب «البيت اليهودي»، نفتالي بينت. ونُظر إلى تعاون بينت مع أطراف تلك الخلطة لتشكيل حكومة، وإنْ برئاسته، بوصفه شذوذاً عن أعراف العنصرية وقواعدها، فكان الرفض له ولحكومته ولكلّ يهودي يشارك فيها ويدعمها. ومن هنا، يُفهَم سقوط شاكيد، التي خلَفت بينت في رئاسة الحزب، في صناديق الاقتراع، وعجزها عن تجاوز نسبة الحسم (العتبة الانتخابية)، لكونها ارتضت الجلوس في ائتلاف واحد إلى جانب منصور عباس.

في ما يرتبط بالمرحلة المقبلة، يُتوقّع أن تكون مرحلة مساومات وابتزاز ومطالب تعجيزية توضَع على طاولة التفاوض على الحكومة الآتية برئاسة نتنياهو، في حال جرى تكليف الأخير تأليفها. إذ إن حزبَي بن غفير وسموتريش سيكونان معنيَّين باستغلال موقعهما ومكانتهما في «الكنيست» لتحصيل ما أمكنهما من مواقع وزارية، وقرارات تعزّز من صورتهما لدى جمهورهما، وهو ما يصعّب المهمّة أمام نتنياهو - خصوصاً أن وزن «الصهيونية الدينية» سيكون حاسماً في أيّ ائتلاف يريد تشكيله -، ويجعل استقرار حكومته العتيدة على حدّ السيف، مع بروز احتمال انفراط عقْدها مستقبلاً، كما باتت العادة متّبعةً في إسرائيل. في المقابل، إن تولّى الحزبان وزارات وازنة ذات تأثير في القضايا المتعلّقة بالفلسطينيين، سواءً في الضفة أو القدس أو الداخل، فسيعملان على تغيير الأنظمة بما يتوافق مع نظرتها المتطرّفة وعنصريّتهما، الأمر الذي يعني فترة قد تطول أو تَقصر، من المضايقات القانونية والعملية والمؤسّساتية ضدّ الفلسطينيين في كلّ ساحاتهم.

- إيتمار بن غفير... كاهانا يُبعث من قبره

بيروت حمود

يبدو كأنه يعمل في مهن «الياقات البيضاء»؛ إذ لا يتخلّى عادةً عن وضع ربطة العنق، كما «الكيباه» (القلنسوة) فوق رأسه وشعره غير المسرّح. أمّا المسدس فحاضر على خاصرته بينما يسير في الشوارع بين الفلسطينيين، وخصوصاً عندما «لمع نجمه» في الشيخ جراح. هذا ما أصبح عليه إيتمار بن غفير، الذي كان ابن 16 عاماً عندما انضمّ إلى حركة «كاخ» المحظورة في الكيان والولايات المتحدة، والتي قادها الحاخام مائير كاهانا.

بالرغم من أنه يدّعي أنه ليس واحداً من أتباع الحركة، لا ينكر بن غفير أنه «تعلّم من كاهانا أموراً وصفات حميدة. كاهانا صادق وأيقونة». الأخير الذي تعود جذور بن غفير إلى شجرته الأيديولوجية، وصل في عام 1984 إلى «الكنيست»، وقدّم مجموعة من مشاريع القوانين العنصرية؛ أبرزها قانون «المواطنة الإسرائيلي وتبادل السكان يهوداً وعرباً»، وقانون «لمنع اختلاط اليهود بالأغيار للمحافظة على النقاء اليهودي لشعب إسرائيل». قوانين تُوازيها في عهد النازية «مواطنة الرايخ»، و«حماية الدم والشرف الألمانيَّين» اللذان سُنّا في 15/09/1935 خلال مؤتمر خاص للرايخستاغ، عُقد بمناسبة سنوية الحزب النازي في مدينة نيرنبرغ.

بادر كاهانا إلى طرح مشاريع لا تقلّ عنصرية، بينها «مكانة غير اليهود» الذي دعا إلى تجريد المواطنين الفلسطينيين في أراضي الـ 48 من الحقوق المدنية، ومن حق المشاركة في المسار السياسي في دولة إسرائيل، ومن حقهم في التصويت لأيّ جسم وطني أو حزب أو انتخابات، ومن حقهم في السكن في القدس... وهو قانون موازٍ لآخر في العهد النازي يدعى «مكانة اليهود». للمفارقة، فإن مَن اعترض على مبادراته تلك، كان ميخائيل إيتان، أحد أعضاء «الكنيست» من حزب «الليكود»، بينما الأخير اليوم لم يَعُد إلى الحُكم إلّا بالاتّكاء على أبناء كاهانا، ليتابع هؤلاء معاً ما اقترفه الأوّلون في مجزرة الحرم الإبراهمي وغيرها من المجازر ضدّ الفلسطينيين.
إيتمار، حليف نتنياهو، ادّعى سابقاً أنه لا يتابع مسيرة كاهانا، ولكن معظم أعضاء قائمته «عظَمة يهودية»، ينحدرون من الحركة المحظورة، كما أن كوادرها الأساسية وصنّاع القرار فيها هم من أمثال بينتسي غوبنشطاين، زعيم تنظيم «لهافا» الذي يدرّب المستوطنين على قتْل الفلسطينيين وترويعهم، ويناضل لمنع اختلاط الفتيات اليهوديات بالأغيار؛ وعضو «الكنيست» السابق، ميخائيل بن آري، الذي يجاهر مع غوبنشطاين بانتمائه إلى «كاخ»، وبمتابعة مسيرة كاهانا. هذان وغيرهما، مثلهم مثل بن غفير الذي دعا سابقاً إلى «طرد الأعداء وتهجيرهم. كلّ من ليس موالياً لإسرائيل فلنُعطه بطاقة باتجاه واحد».
بن غفير، المولود عام 1976 في القدس، لأبوَين ينحدران من أصول عراقية، يقود اليوم «عظمة يهودية»، ويمثّلها في الكنيست ضمن «الصهيونية الدينية» التي تعبّر عن «صفوة» اليمين الراديكالي الإسرائيلي. قبل وصوله إلى «الكنيست» منذ الانتخابات السابقة، عمل مستشاراً إعلامياً لدى زميله السابق، ميخائيل بن آري، والمتحدّث باسم «الجبهة اليهودية الوطنية». في خلال حياته السياسية، قُدّمت ضدّه، كما يقول، أكثر من 35 لائحة اتهام حُوكم في ثمانٍ منها على خلفية العنصرية، والتشويش على عمل الشرطة، والمشاركة في احتجاجات؛ فيما ربح بعض الدعاوى ضدّ الشرطة الإسرائيلية.

ينام بن غفير أربع ساعات فحسب يومياً، فهذا كافٍ بالنسبة إليه، كما يعرّف عنه موقع «كيباه» العبري ضمن مجموعة من المعلومات الشخصية حوله. «حزار بتشوفاه» في سنّ الرابعة عشرة (أي أنه تاب، أو بمعنى عاد بإجابة إلى الرب، وهي عملية يعمّق فيها اليهودي إيمانه الديني)، على خلفية توقيع «اتفاق أوسلو»، علماً أنه نشأ في أسرة غير ملتزمة دينياً، و«لكنها تقبّلت قراره وشجّعته». نجح في دعوى رفعها ضدّ شرطي إسرائيلي أشهر مسدّسه بوجه كلبه «تشومبي»؛ إذ دانت المحكمة الشرطي، وحكمت لمصلحة كلب بن غفير بتعويض قيمته حوالي 5 آلاف دولار. كما نجح في دعوى أخرى ضدّ الشرطة التي اتّهمها بانتهاك حقوقه، وتلقّى تعويضاً مقابل ذلك بحوالي ربع مليون شيكل.
إحدى مهمّاته الأساسية في البيت هي تولّي المسؤولية عن اللحم؛ حيث «يَمنع أن يهتمّ أحدهم بطبخ اللحوم غيره». والدته، شوشانا، كانت عضواً في منظمة «الإتسيل» التي قتلت وهجّرت الفلسطينيين إبان النكبة. تَعرّف إلى زوجته عندما مثّلها أمام المحكمة لأنها رفضت قرار إخلاء بيتها في إحدى البؤر الاستيطانية في الخليل. ابنه لاعب كرة قدم في نادي «يرمياهو» لكرة القدم في حولون. من بين تصريحاته العنصرية أن «زوجتي أنجبت وهي تريد أن ترتاح وتنام، لا أن تجلس في المستشفى بجانب العرب الذين ينظّمون حفلة للمولود ويزعجونها، وبعد عشرين عاماً يأتون لقتل مولودنا الجديد. إن العرب هم أعدائي، ولذلك لا أشعر بالعادة بقربهم».

- بتسلئيل سموترتش... برغوث «الصهيونية الدينية»

بيروت حمود

في العام 1980، سيولد للحاخام الراحل حاييم يروحام سموترتش، ابن باسم بتسلئيل، وسيكون مسقط رأسه هو مستوطنة «حيسوبين» في هضبة الجولان السوري المحتل. لكن الطفل لن يبقى هناك؛ إذ سينتقل إلى بيت إيل ليقضي طفولته وشبابه، قبل أن يصبح واحداً من أشدّ المنادين بـ«بناء الهيكل» في الحرم القدسي، إلى جانب قيادته إحدى أشهر المنظّمات الاستيطانية، «رغيفيم»، التي تسلب بيوت الفلسطينيين وأراضيهم، ويسكن غالبية أعضائها في بيوت غير مرخّصة في المستوطنات، كما كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، سابقاً.

استقرّ الحال أخيراً بسموترتش في مستوطنة «كيدوميم»، حيث يقيم في بيت غير مرخَّص كبقية رفاقه، وفق ما أفادت به قبل سنوات صحيفة «هآرتس». وبالرغم من أنه في العام 2005 ألقت الشرطة الإسرائيلية و«الشاباك» القبض عليه، وحكمتْه المحكمة بالسجن ثلاثة أسابيع في معتقل «شيكما»، ومثلها في الإقامة الجبرية، على خلفية حيازته مئات الليترات من المحروقات التي كان يستغلّها في إغلاق الشوارع الرئيسة احتجاجاً على الانسحاب الإسرائيلي من غزة وإخلاء المستوطنات، شقّ سموترتش طريقه إلى «الكنيست»، وإلى سُدّة الحُكم أخيراً إلى جانب نتنياهو. ليس الأمر غريباً، إذا عُرف عنه أنه متسلّق على ظهر أصدقائه عبر إقصائهم.

طبقاً لموقع «ماكور ريشون»، ليس من الصعب تفسير سلوك سموترتش السياسي «خصوصاً عندما كشف عن طموحه إلى قيادة التيار الصهيوني الديني، من طريق السيطرة عليه بأيديولوجية الطبقة الأرثوذكسية التي يمثّلها». وفي طريقه إلى ذلك، طالما اعتمد مبدأ تحييد القوائم؛ حيث كان ينضمّ إلى إحداها ليحيّد الأخرى، وهلمّ جرّاً. وهو منذ انتهاء فترة ولايته الأولى في «الكنيست»، فاجأ زعيمه أوري آرييل عندما تحدّى قيادته وخاض الانتخابات ضدّ الأخير لرئاسة «الاتحاد الوطني». ولهذا، «منذ ذلك الحين التزم آرييل الصمت»، بحسب الموقع.
سلوكه في التنكّر لأصدقائه من الصهاينة الدينيين، انعكس أيضاً في إعلانه قائمة «الصهيونية الدينية»، والانفصال عن نفتالي بينت وأيليت شاكيد، في الانتخابات الـ24، ولاحقاً في مهاجمتهما طوال الوقت إلى أن أجهز عليهما أخيراً. فلتحقيق طموحه السياسي، مثّل تحالف يائير لابيد - بينت فرصه له لانتقاد الطرفَين، طبعاً ليس من أجل الانتقاد البنّاء، بل لكي يقصي بينت تحديداً، ويغتاله سياسياً بالضغط على الحلقات الضعيفة، من مِثل عيديت سليمان ونير أورباخ، عضوَي «الكنيست» اللذين مثّلا القشّة التي قصمت ظهر حكومة بينت.
في المقلب الآخر، هو محامٍ وحاصل على درجة الماجستير في القانون الدولي، قبل انضمامه إلى جيش الاحتلال وهو في سنّ الـ28؛ حيث شغل منصب مساعد منسّق العمليات الرئيسة في قسم العمليات في هيئة الأركان العامة. لا يتحدّث سوى اللغة العبرية، وطبقاً لسيرته في موقع «الكنيست» الرسمي، عُيّن في عام 2013 «زائراً رسمياً إلى منشآت الاعتقال من قِبل نقابة المحامين»، وفي عام 2014 عُيّن ممثلاً للجمهور في الهيئة العامة لمجلس الصحافة.

سموترتش «متعدّد المهام»، هو واحد من مؤسِّسي حركة «ريغافيم» الاستيطانية وكان مديرها. كما أدار المدرسة الدينية في «كدوميم»، وكان من بين مؤسِّسي رابطة المدارس الدينية العليا الصهيونية وأحد أعضاء إدارة هذه الرابطة. كذلك، شغل عضوية إدارة حركة «النهضة» (الكومميوت)، وعضوية إدارة الخلية التعليمية في نتانيا. انتُخب عضواً في «الكنيست» العشرين كممثّل عن قائمة «البيت اليهودي»، بعد خوض حزبه (هئيحود هلئومي-تكوما) المعركة الانتخابية ضمن القائمة التي كان يرأسها بينت.
إلى جانب هذا كلّه، هو رئيس «اللوبي لتعزيز وتطوير (تهويد) الجليل»، و«اللوبي لتعزيز استقرار نظام الحكم»، و«اللوبي لتشجيع التجمعات السكانية الاستيطانية»، و«اللوبي لفرض السيادة على يهودا والسامرة»، و«لوبي أرض إسرائيل في الكنيست



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 313 / 2184573

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ملفات  متابعة نشاط الموقع «ملف في الأخبار»   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2184573 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40