السبت 3 أيلول (سبتمبر) 2022

العدوان على غزة: رخصة القتل المجاني

السبت 3 أيلول (سبتمبر) 2022

- بيسان عدوان

ما يحدث هذه الأيام في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس جرائم حرب، ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلية، خاصة بعدما بدأت حربها على قطاع غزة. القتل المجاني وإعدامات المواطنين الفلسطينيين والاغتيالات بجانب العقاب الجماعي عبر هدم منازل المناضلين الفلسطينيين، والاعتقالات المستمرة، تجعل كل فلسطين ساحة اشتباك مع قوات الاحتلال. في الواقع الذي تعيشه كل ساحة من الساحات الفلسطينية قواعد اشتباك مختلفة، بسبب الطبيعة الأمنية المفروضة عليها، والقوانين التي تحكمها من قبل دولة الاحتلال.

في قطاع غزة قواعد اشتباك واضحة وصريحة، تعبر عن حرب صريحة وإبادة واضحة للسكان في خضم المعارك والهدن، لذا تنطبق عليه القوانين والاتفاقيات الخاصة بالحروب بكل تأكيد، كاتفاقيات جنيف الأربع واتفاقية لاهاي، بعيداً عن تفسيرات وحجج وتبريرات الكيان الصهيوني، المتعلقة باتفاقيات أوسلو وغيرها.

تعتبر دولة الاحتلال قطاع غزة كياناً معادياً، القدس والضفة الغربية أمر مختلف، لذا تُخضع كل شؤونه المدنية والأمنية لسلطة الجيش المباشرة، بعيداً عن سلطة وزارات الحكومة الإسرائيلية. إن قواعد الاشتباك مع غزة واسعة ومفتوحة واستباقية، ولدى الجيش صلاحيات واسعة وتعليمات ميدانية تخوله التصعيد في أي وقت أياً كانت الأسباب، بل لديهم تعليمات واضحة تنص على جواز استهداف أي منطقة أو مرفق أو عمارة سكنية بأسلحة ذات قدرات تدميرية عالية.

تختلف الرواية الإسرائيلية والغربية معنا في اعتبار كل فلسطين في حالة حرب، وحول شمولها بالاتفاقيات الدولية التي تنظم علاقة المعتدي مع المعتدى عليه. لكن الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة احتلت في العام 1967، أي هي أراض محتلة تنطبق عليها كل الأحكام والأعراف الخاصة بالحرب. رغم السردية الإسرائيلية التي تراوغ بهذا الشأن، مكررةً بعض الحجج والبراهين التي تنص على أهمية فرض سيطرتها الأمنية، من أجل حماية المستوطنين، ونتيجة دواع أمنية.

نظرياً القانون الدولي سار على كل فلسطين، خصوصاً اتفاقية لاهاي واتفاقيات جنيف الأربع، لكون كل فلسطين في حالة حرب، وبسبب الاحتلال ونظامه الاستعماري العنصري. استناداً إلى ذلك على سلطة الاحتلال الخضوع لتلك الاتفاقيات والقواعد الحاكمة لها، في حالات الاشتباك والحرب المباشرة، وفي التعامل مع الساحات الفلسطينية.

في العدوان الأخير على غزة، نفذ الجيش الإسرائيلي أربع عمليات اغتيال، يقول إنها استهدفت قيادات عسكرية من حركة “الجهاد الإسلامي”، في حين تقول حكومة “حماس” في غزة إنها استهدفت المدنيين، وأسفرت عن مقتل 46 فلسطينياً نصفهم من الأطفال، وأصابت 360 آخرين منهم 170 طفلاً، فضلاً عن تدمير 10 منازل بالكامل، وتضرر 600 وحدة سكنية جزئياً.

في الحرب والتهدئة الفلسطينيون ليسوا أرقاماً

في قطاع غزة، يصبح القتل اليومي موتاً سهلاً ومجانياً، فموت الفلسطيني عادة أو روتين، ما دام يحصل دون ضجة أو عقوبة تطاول دولة الاحتلال وجيشها. أحدثت الحرب دماراً جزئياً أو كلياً في مئات المنازل، إلى جانب تضرر البنى التحتية المتهالكة أصلاً، رغم توقفها بعد ثلاثة أيام.

منذ عام 2006، تواصل دولة الاحتلال القتل الممنهج عبر الحروب التي مارستها على سكان غزة، إذ خلفت الحروب التي مر بها القطاع أكثر من 4100 شهيدٍ ونحو 20 ألف جريحٍ، ودمرت عشرات الآلاف من الوحدات السكنية، واستهدفت الآلاف من الأبنية المدنية، مثل المستشفيات والمدارس والمؤسسات المدنية والأراضي الزراعية. أضف إلى ذلك العديد من الجولات العسكرية الخاطفة، كالاغتيالات والحصار الأمني، وإغلاق معابر قطاع غزة البرية والبحرية، والحصار الاقتصادي والسياسي، كل ذلك يؤدي إلى قتل ممنهج بكل الطرق والوسائل.

عادةً تنتهي جولات التصعيد العسكرية عبر الإعلان عن وقف إطلاق نار، مقابل بعض التسهيلات الحياتية، وتخفيف الحصار على فترات مؤقتة ومتقطعة، هذا الحصار الذي أدى إلى انعدام الحياة الاقتصادية والاجتماعية وارتفاع معدل الفقر إلى قرابة 80%. يعتمد غالبية سكان القطاع على المساعدات الإغاثية، وتصل نسبة البطالة في صفوف الشباب إلى أكثر من 60% من إجمالي البطالة العامة البالغة 54%.

في الحرب الأخيرة على قطاع غزة، التي سميت إعلاميا من الجانب الإسرائيلي “بزوغ الفجر”، بلغت قيمة الخسائر الزراعية الأولية في غزة أكثر من مليون دولار، بحسب تصريح وزارة الزراعة القائل “الأضرار التي أصابت القطاع الزراعي بلغت 600 ألف دولار، فيما خسائر الإنتاج النباتي 300 ألف دولار، وخسائر الإنتاج الحيواني 150 ألف دولار، وقطاع المياه والأراضي 150 ألف دولار”.

وأضافت الوزارة “كما تقدر قيمة الخسائر غير المباشرة في القطاع الزراعي بـ 400 ألف دولار، والتي تأثرت منها جميع القطاعات الزراعية، مثل عدم قدرة المزارعين على الذهاب إلى منشآتهم وتسويق منتجاتهم”.

دمرت قوات الاحتلال في حربها الأخيرة 18 وحدة سكنية تدميراً كاملاً، و71 وحدة سكنية تدميراً بليغاً؛ أي أصبحت غير صالحة للسكن، بالإضافة إلى 1675 وحدة سكنية تضررت جزئياً، وفق تصريح وزارة الأشغال العامة والإسكان في غزة.

رخصة قتل الفلسطينيين

نشر موقع واي“نت العبري” تقريراً إسرائيلياً ترجمه ونشره موقع عربي 21. يكشف التقرير عن تعمد قادة جيش الاحتلال إعطاء أوامر بشن ضربات تطاول المدنيين في غزة، بينهم أطفال ونساء، يُقتلون بذريعة إصابة هدف ما. وتقول إحدى الشهادات المذكورة في التقرير“هناك تصريح بقتل الفلسطينيين، بغض النظر عن كونهم مقاتلين أو مدنيين، فكل قطاع غزة بسكانه وممتلكاته أهداف للموت”.

بعد كل حرب يحاول جنود الاحتلال التكفير عن ذنوبهم أو إراحة ضمائرهم، عبر إدلائهم بشهاداتهم الحية، وبغرض تصحيح مسار دولة الاحتلال، في المحصلة تقر الشهادات بقتل مدنيين من الأطفال والنساء. تدحض تلك الشهادات رواية الاحتلال الرسمية، التي تدعي أن قتل المدنيين في قطاع غزة مجرد أخطاء غير مقصودة، فهي تنص على سماح الجيش لهم بقتل عدد معين من “غير المقاتلين” بشرط عدم تجاوز الحد.

بحسب التقرير، اعترفت دولة الاحتلال بقتلها ما لا يقل عن 11 شخصاً لا علاقة لهم بأنشطة المسلحين، بمن في ذلك طفلة تبلغ من العمر خمس سنوات في العدوان الأخير.

وتضمن كتيب بعنوان (Military Rule)، صدر عن مؤسسة إسرائيلية “كسر الصمت”، التي تُعنى بالجنود المسرحين من الجيش، شهادات جنود الاحتلال الذين خدموا في الجبهة الجنوبية. تكشف شهاداتهم عن حالات قتل مدنيين عزل، بينهم أطفال ونساء، بدم بارد.

لا يقتصر الكابوس الفلسطيني داخل القطاع على الموت أثناء الحرب، بل تعمل دولة الاحتلال على قتل الناجين من الحرب عبر الحصار. وتعمل دولة الاحتلال على مقايضة الهدوء مقابل بعض التسهيلات الاقتصادية غير الأمنية وغير المستمرة لسكان غزة، كما يتجلى في تصريحات رئيس وزراء إسرائيل المؤقت يئير لبيد الموجه إلى سكان القطاع أثناء العدوان “نستطيع منح فرص عمل ومصادر رزق وحياة كريمة لكل من هو معني بالعيش بسلام إلى جانبنا، وهناك طريقة أخرى للعيش ألا وهي طريقة اتفاقيات أبراهام، وقمة النقب، والابتكار والاقتصاد، والتطوير الإقليمي والمشاريع المشتركة. إن الخيار بين أيديكم، ومستقبلكم مرهون بكم”.

تؤكد جميع شهادات جنود الاحتلال الثقافة الصهيونية المستوطنة في العقل الجمعي الإسرائيلي، بمختلف أطيافه وفئاته وطبقاته وتنوعاته، التي تعكسها عقيدة الاحتلال“الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت”. الاعتداءات والاغتيالات والاعتقالات وقتل الفلسطينيين المباشر جرائم حرب يجب معاقبة الكيان الصهيوني وقياداته عليها، لكن هناك أيضاً جريمة العقاب الجماعي لسكان غزة عبر الحصار الاقتصادي.

ذكرت شهادات جنود الاحتلال نماذج من عقاب سكان غزة الجماعي، وفق التقرير الصادر عن “كسر الصمت”، مثل إلغاء تصاريح السفر للعائلة بأكملها، وإغلاق المعابر، وإلغاء تصاريح العمل في الداخل المحتل، وعدم السماح بمرور البضائع والأدوية والمستلزمات الحياتية إلى قطاع غزة.

قوات أممية لحماية الفلسطينيين

في جلسة مجلس الأمن الأخيرة، التي عقدت من أجل نقاش تداعيات خطورة العملية العسكرية على غزة، رد مندوب فلسطين رياض منصور على تصريحات مندوب الاحتلال قائلا “تزعم إسرائيل أنها تدافع عن نفسها دائماً حتى عندما تهاجم الفلسطينيين، لكن إذا كنتم تناهضون العنف، فلا تبرروه لتل أبيب، التي باتت تستخدم مصطلح الحق في الأمن رخصة للقتل، وهذا يتطلب منكم موقفاً واضحاً في حماية المدنيين وفق ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي”.

أثار العدوان على قطاع غزة في أغسطس/آب الماضي غضب المجتمع الدولي وحفيظته، مشيراً إلى ضرورة مراعاة التوازن في استخدام القوة العسكرية، والحاجة إلى الالتزام بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وضرورة عودة مراقبي تطبيق القانون الدولي والإنساني ومقرري الأمم المتحدة المعنيين بحالة حقوق الإنسان إلى قطاع غزة.

عقبت مقررة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية فرانشيسكا ألبانيز على عملية “بزوغ الفجر”، التي استهدفت مباني سكنية لا أهمية عسكرية لها، قائلة: “ما قامت به إسرائيل يعد عملا غير قانوني”. كذلك صنفت الاغتيالات التي نفذها جيش الاحتلال بأنها سلوك غير مسؤول وعدواني“إسرائيل تنتهك قوانين الأمم المتحدة بسبب غياب المحاسبة والإفلات من العقاب، وتعمل خارج ما هو مسموح بموجب القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”. ثم ناشدت فرانشيسكا المجتمع الدولي بقولها: “أفضل ضمان لتطبيق القانون الدولي يتمثل في وجود قوة وقائية من الأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية، لأن قتل الفلسطينيين المتعمد مستمر ووصل إلى مرحلة مخزية”.

الفلسطينيون ليسوا مجرد أرقام، علينا أن نطالب بقوات حماية دولية، في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس أيضاً، من أجل وقف القتل والإبادة الجماعية، التي ينتهجها الكيان الصهيوني عبر عقيدته الراسخة “الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت”.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2184593

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع انتقاء الموقف   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2184593 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40