الأحد 29 آب (أغسطس) 2021

صيف الانتصارات

الأحد 29 آب (أغسطس) 2021

- العهد الاخباري

المقاومة تحكي “التحرير الثاني” عبر “العهد”.. “أصل الحكاية” / الجزء الأول

ميساء مقدم

في الذكرى الرابعة لمعركة تحرير سلسلة جبال لبنان الشرقية من الإرهابيين، تحكي المقاومة الإسلامية روايتها الكاملة لهذا التحرير بكل تفاصيلها الميدانية والعسكرية، للمرة الأولى عبر موقع “العهد” الاخباري. “أصل الحكاية” يعود الى العام 2012 مرورًا بـ“تل مندو” والقصير وصولًا الى الجرود. الحكاية التي نشرها موقع “العهد” تباعًا قبل عامين مرفقة بمادة مرئية من مشاهد فيديو خاصة وخرائط بالتعاون مع الإعلام الحربي في المقاومة الإسلامية.. ونعيد نشرها لأهميتها:

فيما يلي، الجزء الأول الذي يبدأ بشرح أهمية المعركة والمشروع الأساس الذي مهّد له الإرهابيون، وكيف دمّرت المقاومة الإسلامية مشروع الوصول الى البحر وعزل البقاع عن حمص.. وفق رواية خصت فيها المقاومة الاسلامية موقع “العهد” الاخباري:

المقاومة تحكي “التحرير الثاني” عبر “العهد”.. “أصل الحكاية” / الجزء الأول

* أصل الحكاية.. حمص وأهمية المحافظة

في العنوان الأول، تتصل محافظة حمص من جهة الشرق بمحافظتي دير الزور والرقة، ومن جهة الغرب تتصل بمحافظة طرطوس، وبالتالي، تقع في قلب ست محافظات. حمص هي قلب سوريا. هناك عامل آخر إضافي يرفع من قيمة محافظة حمص، وهو البعد الخارجي، حيث تتصل حمص بصحراء العراق، التي تتصل بايران. كذلك، فإن حمص تتصل بالجانب اللبناني، وهو من أهم مميزاتها المرتبطة بالبعد الخارجي، فعندما تتصل بالحدود اللبنانية فهي تتصل مع الشمال اللبناني.. ومن جهة البادية باتجاه تدمر فالعراق، وكذلك باتجاه الداخل وصولاً إلى الأردن فالسعودية.

في العنوان الثاني، تنبع أهمية حمص من قيمتها الاقتصادية. هي محافظة غنية بالموارد الطبيعية بشكل غير عادي من حقول نفط، مرورًا بحقول غاز، وصولًا الى معامل الفوسفات، الى آخره. اذًا، حمص هي من أهم المحافظات السورية التي تختزن فيها ثروة هائلة.

في ما يرتبط بالشمال اللبناني، العائق بين محافظة حمص وبين البحر من داخل سوريا هو محافظة طرطوس. من لبنان، تتصل محافظة حمص بالشمال بمنطقة وادي خالد. عمليًا، هناك قرابة 20 أو 15 كيلومترًا، ومن يسيطر على محافظة حمص بالكامل يحقق الامتداد الطبيعي له. من الجهة الثانية، محافظة حمص لناحية القصير تشكل منطقة وسطية، وممكن أن تؤمن تواصلًا مع البقاع.

من الناحية العسكرية، تتميز محافظة حمص بكثرة المنشآت، فيها عدة مطارات: مطار تدمر، مطار تي فور (T4)، مطار الشعيرات (من أهم القواعد الجوية بالمحافظة)، إضافة الى مخازن استراتيجية للجيش السوري. وقد كان للجيش السوري في حمص مخزنان استراتيجيان أساسيان، هما مخزن تدمر، ومخزن مهين.

المقاومة تحكي “التحرير الثاني” عبر “العهد”.. “أصل الحكاية” / الجزء الأول

* أهمية القصير .. وعامل الزمن

لفهم أهمية معركة القصير يجب النظر الى الزمن كعامل أساسي. في مرحلة من المراحل، منذ الـ 2012 وحتى الـ 2013، كان عنوان ما يسمى بـ“الثورة السورية”، وقيمة هذه “الثورة” أو المغذي الرئيسي لها، والتشكيل الرئيسي فيها، هو “كتائب الفاروق”، وقد سمي في مواضع أخرى بـ “فرقة الفاروق”، وهو الذي وجّه اليه ضربة أساسية في معركة القصير، حيث انتهى كمشروع أساسي كان يراد للقصير أن تكون منطلقًا له.

لماذا أريد للقصير أن تلعب هذا الدور؟ لمجموعة أسباب، بينها سهولة الوصول الى القصير بالاستفادة من منطقة عرسال وما تمثله من جبال، إضافة الى عمليات التهريب التي كانت تحصل من الشمال. كلنا نتذكر باخرة “لطف الله ـ1” و“لطف الله ـ2”، هذه هي عمليات التهريب التي تم كشفها، لكن لا أحد يعلم كم من باخرة “لطف الله” كانت قد مرّت بالسرّ.

القصير كانت تشكل القاعدة اللوجستية الأولى لـ“الثورة” السورية. كان المسلحون الأجانب يأتون الى سوريا، يمرون على القصير لتكون محطة توزيع للأجانب، وللذخائر والأسلحة. الإمكانات والدعم المادي للجماعات المسلحة كلها كانت تمر من القصير كمحطة، ومن هناك يتم توزيعها.
على الجانب اللبناني، كان في تلك الفترة عامل سياسي أمني يسهل كل هذه الحركة وصولا الى القصير، فبرزت القصير كحالة كانت تنطلق منها الجماعات الارهابية. حتى المشاكل التي حصلت في تلك المرحلة في “باب عمرو”، كانت تتغذى من القصير كأحد أهم خطوط التوزيع حتى القلمون.

إذًا، كانت القصير القاعدة اللوجستية الأساسية لما يسمى “الثورة السورية”. إضافة الى التوجيه القيادي على مستوى ما يسمى “الثورة السورية” بكل أبعادها، والذي كان ينطلق من القصير أيضًا. ورغم أنها تقع في الزاوية الجنوبية ـ الغربية من محافظة حمص، الا أنها كانت “تفتح” على البادية السورية بما يشكل امكانية امتداد باتجاه محافظات الرقة ودير الزور حتى حلب، وكل المنطقة.

المقاومة تحكي “التحرير الثاني” عبر “العهد”.. “أصل الحكاية” / الجزء الأول

* تل مندو .. المفتاح

أحد الأمور اللافتة التي سنتعرض اليها خلال شرح المجريات العسكرية، هو أن المجاهدين أثناء القتال في معركة القصير، وصلت الى المسلحين تعزيزات ودخلت الى قلب القصير، من حلب ومن الرقة ومن دير الزور. هذه القوات الداعمة دخلت القصير وقاتلت أثناء المعركة، وهم معروفون بالأسماء، مثل عبد الجبار العقيدي الذي كان من أبرز قادة “الثورة السورية” في بدايتها، وعبد القادر صالح حاج مارع، القائد رقم واحد لتشكيلات “الثورة السورية”.

من الواضح أن المحور المعادي كان يعوّل على القصير بشكل كبير، واستفاد منها في تغذية كل البؤر القتالية الأخرى. بعدما استكمل العدو السيطرة على القصير وقرى غرب النهر نسبيًا (كانت المقاومة قد جهّزت خطًا دفاعيًا عن القرى) سعى لتحقيق الوصل مع شمال لبنان، ولتحقيق هذا الهدف، قام بالسيطرة على تلة، لها أهمية عالية جدًا هي “تل مندو”. وتل مندو هو عبارة عن “عارض”، أبعاده قرابة الأربعمئة متر من الشمال الى الجنوب، وعرضه من الشرق الى الغرب تقريبًا بحدود الثلاثمائة متر، ويرتفع عن محيطه سبعين مترًا، وعند رأس هذه التلة الهامّة على مستوى كل المنطقة يوجد مقام وخربة.

أحد الأهداف التي سعى إليها الارهابيون الوصول الى البحر وتحقيق الوصل مع الشمال اللبناني، وهو ما يزيل أمامهم العوائق التي تواجههم خلال العمل من الداخل اللبناني. صحيح كان لديهم تسهيلات أمنية وسياسية في لبنان، لكن “مرة بكون في تسهيلات، ومرة تانية بكون انفتح المحور بهيدا الامتداد”.

في آذار/ مارس الـ 2013، كان الارهابيون يضعون اللمسات الأخيرة على آخر حلقة من حلقات مشروعهم. سيطروا على “تل مندو”، وبقيت أمامهم ثلاث قرى هي الحوز، ومدان، والقرنية. هذا الاتصال مع الحدود اللبنانية ماذا يؤمن للمسلحين؟

* جرس الإنذار

يؤمن لهم الاتصال بالبحر، ثم يحقق قطع التواصل بين البقاع وبين حمص والامتداد. أي أن خط الصنون ـ القرنية سينقطع، وهو الخط الوحيد الذي كان يعمل حينها، لأن الارهابيين كانوا قد سيطروا الى منطقة القصير، وكان العبور يتم من خلال الخطوط الفرعية، على العقربية ثم القرنية وصولاً لصنون ثم اوتوستراد حمص ـ طرطوس. عمليًا، عندما أخذ المسلحون “تل مندو” دق جرس الانذار.

في العام 2013 كانت تشكيلات حزب الله منتشرة على خط تماس عبارة عن مجموعة قرى تبدأ من حوش السيد علي السورية في الجنوب مع الامتداد لمنطقة الصفصافة، الحمان، الفاروقية. هذا كان خطنا الدفاعي عن هذه القرى من هجمات الإرهابيين وصولاً الى السقمانية، كانت هذه حدودنا.

كنا ندافع عن منطقة العقربية أو البويضة الغربية وصولاً لتل مندو. منطقة تل مندو كانت بيد المسلحين من الشرق، ومن الغرب كان يوجد بعض التشكيلات للجيش السوري، مثل مطار الضبعة. كان حينها محاصرّا. المنطقة المتبقية كلها كانت بيد المسلحين مع استثناء ـ بمنطقة شرق النهر ـ هي ضيعة ربلة المسيحية ومتفرقات على بعض الطرق. كان الجيش السوري يؤمن الطريق من ربلة لمنطقة “جسر المشتل”.

بعض النقاط عند أطراف القصير من الجهة الشرقية كان ينتشر فيها الجيش السوري، ويصل إليها من طريق حاجز البرغوت. أمّا عمليًا، فكانت كامل المدينة بأيدي الارهابيين. في تلك المرحلة، كان قرار حزب الله هو الدفاع عن القرى. كان الارهابيون يحاولون شن عمليات هجومية على القرى، وفي هذه العمليات كانت المقاومة بموقف الدفاع. تدافع فقط مع تنفيذ بعض العمليات الخاصة الضرورية في بعض المواقع.

سيطرة المسلحين على “تل مندو” كان جرس الانذار. في هذه المرحلة أُخذ القرار أن وجودنا في سوريا، في حمص أو في حلب أو حتى في السيدة زينب(ع)، كان لا يزال في إطار الدفاع عن المقدسات، وعن بعض القرى من بصرى الشام وصولًا الى نبل والزهراء وكفريا والفوعة.
لكن عام 2013، وبعد سيطرة الارهابيين على “تل مندو” الاستراتيجي، أعدنا قراءة الاتجاه العام للمعركة.

* قرار القيادة: استعادة “تل مندو”

بعد سيطرة الارهابيين على التل، نفّذ الجيش السوري عدة محاولات لاستعادته، وسقط له عدّة شهداء هناك، دون أن يتمكن من استعادة التل، وذلك لصعوبة المعركة، فالتل عبارة عن عارض يحتضنه النهر، أمامه موانع طبيعية، كان يجب أن تقوم القوّة المهاجمة بقطع نهر عرضه 21 مترًا من المياه الجارية، في وقت يتمركز فيه العدو على ارتفاع سبعين مترًا.

عندما أُخِذ القرار من قبل القيادة بأن تقوم المقاومة الاسلامية بمهاجمة التل (بعد 15 يومًا من سيطرة الارهابيين عليه في آذار/ مارس الـ2013)، بدأت عملية الاستطلاع. كان من المستحيل أن تتخلى المقاومة عن التل لصالح المسلحين، فبعد تسعة كيلومترات كانوا سيتمكنون من الوصول الى وادي خالد وتحقيق الوصل مع البحر.

المقاومة تحكي “التحرير الثاني” عبر “العهد”.. “أصل الحكاية” / الجزء الأول

* توجيهات الأمين العام: الهجوم بقدر التل فقط

مع أخد القرار بتنفيذ عملية “تل مندو”، كانت توجيهات القيادة الحاسمة. وجّه الأمين العام سماحة السيد حسن نصر الله بأن يكون الهجوم بقدر التل فقط مع مجموعة من الحدود والقيود. إحدى المشاكل التي واجهتنا بما يتعلق بالقيود المفروضة من قبل الأمين العام، أن التوجه كان ما يزال بعدم الدخول الى العمل الهجومي. النقطة حساسة جدًا. التوجيه كان بأن تبقى العملية تحت عنوان “هجوم باطار الدفاع”، وحدودنا هي التل. كانت لدينا مشكلة بوجود بعض المنازل على جنب التل قرب المطحنة، كانت الأوامر بعدم الوصول إليها، لأنها خارج رأس التل. عند التنفيذ أجرينا محاولات. في المحاولة الأولى، خلال عبورنا للنهر، استشهد أحد الإخوة. كانت إحدى أهم المشاكل هي كيف سنعبر النهر الذي يبعد عن التل (بارتفاع سبعين مترًا)، مع الاشراف بالرؤية والرماية لصالح المسلحين، ما يؤدي الى أزمة اضافية خلال صعودنا الى التل شبه الرملي والحاد للغاية.

عملنا كان يتم ليلًا، وكان الجو باردًا جدًا. كان المجاهدون في الميدان بحالة ثبات وعزيمة. في المحاولة الثانية، عبر الإخوة المجاهدون النهر، وكنا قد وضعنا في حساباتنا أن المسلحين لن يستسلموا وسيحاولون استرداد نقاطهم. تقدّم المجاهدون بتشكيل مشاة فعلي. عسكر بمواجهة دبابات وآليات وامكانات. نقطة عبور النهر هي نقطة واحدة فقط لا غير، عبرنا النهر من نقطة وانفصلت القوات عن بعضها بعضاً، نتحدث عن نهر عرضه 21 مترًا. تولى قسم من المجاهدين التأمين على المجنبة الشرقية، وقسم آخر التأمين على المجنبة الغربية. والتشكيل الرئيسي هو الذي فتح الثغرة وتقدم صعودًا. عمليًا التشكيل كان صغيرًا جدًا، عبارة عن 3 مجموعات مشاة مهمتها الصعود والسيطرة، اضافة الى تشكيلات دعم ناري كانت موزعة. وكان توقيت العملية الساعة السادسة فجرًا. في ذلك التوقيت ظهر ضباب كثيف أعاق الرؤية أمام أسلحة الدعم الناري التي تقوم بالدعم والمساندة قبل أن يبدأ الاخوان هجومهم. لهذا السبب، تأخر توقيت بدء العملية. وكان الاخوان مبللين بالماء بعد عبورهم النهر. وكان البرد شديداً. عند الساعة الثامنة والربع أُخِذَ الإذن بالهجوم. مع الإذن تقدمت تشكيلات المشاة. بدأت الرؤية تتضح. مع دخول المشاة دُمّرت التحصينات والدشم. وقع الاشتباك. قتل الكثير من المسلحين وانسحب الباقون. حافظنا على منطقة التل. هنا تحقق ما كنا نتحسّب له: ردة الفعل.

* طلب الإذن للتوسع بهدف حماية التلّ

عند هذه المرحلة تحديدًا نتذكر القيود التي كانت قد وضعتها القيادة بعدم الوصول الى المنازل قرب التل. هذه الثغرة التي كنا نكتفي بمراقبتها دون التحرك نحوها، حاول المسلحون الاستفادة منها، وحشدوا عندها. هنا، وصلنا الى التكتيك. حشد العدو 400 مقاتل وهجموا علينا على شكل ثمانية أنساق. كل 50 مسلحًا كانوا يصعدون الى التل ضمن نسق. وقعت المواجهات بطريقة شخص لشخص. استمرت المعركة من الساعة الثانية عشرة ظهرًا وحتى الفجر. تكرر الهجوم على مرحلتين اضافيتين. المرحلة الاولى 3 انساق، والمرحلة الثانية 8 انساق. أُخِذ القرار عندها بأنه حتى نتمكن من الحفاظ على تل، لا بد من التوسع قليلًا، فقمنا بتحرير مناطق قريبة من التل، وارتقى في هذا العملية عدد من الشهداء للمقاومة.

استمرّ هجوم الارهابيين، عندها رفعنا الى القيادة طلباً بالتوسع أكثر. فلا يمكن الدفاع عن تل مندو من التل ومحيطه، كنا بحاجة ان ندافع عن التل من خارج تل مندو. في هذه المرحلة جاء قرار القيادة. أخذنا الاذن بتحرير قرية قادش (قرية صغيرة)، مع أطراف قريتي المنصورية وأسعدية. بالتالي، بدأت هذه العملية الهجومية بعد قرابة الاسبوع من هجومنا على التل.

على قاعدة أن عمق الهجوم سيكون حوالي 300 متر، تم حشد قوة بهذا المقدار. القوة التي كان قد زجها المسلحون في عمليات استعادة التل من قِبلهم كانت نخبة قواتهم، قُتل منهم حوالي 50 قتيلًا من قادة المجموعات الرئيسية، بالمنطقة، مثل عمر رحيّل (كان قائد محور). مع بدء الهجوم عند الفجر، كان لدينا 3 محاور: محور غايته تأمين مجنّبة تل مندو ومجنبة قرية قادش، ومحوران أساسيان آخران.

المقاومة تحكي “التحرير الثاني” عبر “العهد”.. “أصل الحكاية” / الجزء الأول

* تدمير مشروعي الوصل مع الشمال وعزل البقاع عن حمص

مع بدء اليوم الأول، المحور الذي كانت مهمته حماية مجنبة قادش وصل الى هدفه الأساسي وتقدم على اتجاه الرضوانية، فقمنا بتأمين مجنّبته. هنا نتحدث عن موفقية كبيرة جدًا. أصل القوة التي كنا قد حجزناها هي 300 مجاهد. (كان الأمين العام لحزب الله حريصًا على العنصر البشري بشكل كبير). فُتحت المنطقة أمامنا واضطررنا للتقدم، كان العدو قد استنزف قواته، فأكملنا على اتجاهين.

قمنا بتثبيت عديد وراء الاخوان الذين يتقدمون لأننا لا نستطيع أن نترك المنطقة من دون تطهير. في هذه المعركة فُتِح أمامنا محوران. محور كانت غايته الوصول الى السقمانية وتحقق بنفس اليوم، ومحور أكملنا فيه باتجاه الرضوانية. تحررت الرضوانية، فتعرضنا لعملية هجومية من قبل المسلحين. أُخذ القرار بأن نكمل.

في نهاية اليوم الأول، حررنا أربع قرى مع تحقيق وصل خمس قرى هي الرضوانية، برهانية، اسعدية، منصورية وقادش. حققنا الوصل مع منطقة اسمها سقمانية. كان من المقرر أن نحرر في اليوم الأول قرية لكننا حررنا خمس قرى بنفس القوة المهاجمة.

في اليوم الثاني تقدمت قوة للعدو بعملية التفافية عند نقطة عين التنور وحاولت أن تهاجمنا على محور البرهانية. الله سبحانه وتعالى وفّق الاخوة لافشال هذا الهجوم وقمنا بادخال قوة من منطقة السقمانية باتجاه العثمانية وبيت رحيّل.

مع انتهاء اليوم الثاني من المعركة كنا قد سيطرنا على مجموعة من القرى هي: بيت رحيّل، العثمانية، سارجى، الموح، عين السمك، عين القنطرة، الجرّوسية، الخالدية. توقفنا عند خط اسمه عين السمك، خالدية، الجروسية.

كان أصل عمليتنا أن نهاجم من الشرق باتجاه الغرب، لكن وفق مجربات الميدان هاجمنا من الشمال باتجاه الجنوب. “كنا عاملين خطة هجوم من المحور، خطّ الوقف الخط الشرقي باتجاه الغرب وصولا للنهر، كنا قايلين لا بدّ أن نصل الى نهر العاصي، ولا بد هيدي القرية نرجع نحررها”.

مع بدء اليوم الثالت أطلقنا محوراً إضافياً من الجهة الشرقية باتجاه الغرب على منطقة ابو حوري وأكملنا العملية. بإكمال العملية مع انتهاء اليوم الثالت كنا قد حررنا قرابة 22 قرية. وحققنا الوصل من غرب النهر الى شرق النهر وصولًا الى ربلة. أي أن القوات سيطرت على منطقة غرب نهر العاصي، بمساحة تقارب الـ 200 كلم2. من خلال هذه العملية حققنا الغاية القصوى من المعركة (طبعا تدخلت القيادة باعطائها التوجيهات بأن نكمل ونتوسع في العملية، فأكملنا وكانت الموفقيّة).

من الأسباب الرئيسية لحصول هذا الانهيار الكامل لدى المسلحين: السرعة لدى المجاهدين. الرعب في قلوب المسلحين. خسارة العدو لنخبة قواته منذ المحاولة الأولى لاستعادتهم التل حيث خسروا مفاتيح معركتهم. وأهم عامل هو النصر الالهي والرعاية الالهية.

* الإنجاز: عند هذه المرحلة، أنهت المقاومة الاسلامية معركة غرب النهر بتدمير مشروع الوصل مع الشمال والقضاء على مشروع عزل البقاع عن حمص.

المقاومة تحكي “التحرير الثاني” عبر “العهد”.. “أصل الحكاية” / الجزء الثاني

ميساء مقدم

في الذكرى الرابعة لمعركة تحرير سلسلة جبال لبنان الشرقية من الإرهابيين، تحكي المقاومة الإسلامية روايتها الكاملة لهذا التحرير بكل تفاصيلها الميدانية والعسكرية، للمرة الأولى عبر موقع “العهد” الاخباري. “أصل الحكاية” يعود الى العام 2012 مرورًا بـ“تل مندو” والقصير وصولًا الى الجرود. الحكاية التي نشرها موقع “العهد” تباعًا قبل عامين مرفقة بمادة مرئية من مشاهد فيديو خاصة وخرائط بالتعاون مع الإعلام الحربي في المقاومة الإسلامية.. ونعيد نشرها لأهميتها:

في الجزء الثاني ننشر التفاصيل العسكرية الدقيقة لسيطرة المقاومة على القصير.. وكيف تدخل سماحة الأمين العام لحزب الله في تحديد اتجاه الهجوم على المدينة.. وفق رواية خصت فيها المقاومة الاسلامية موقع “العهد” الاخباري:

أنهت المقاومة الاسلامية معركة غرب النهر بتدمير مشروع الوصل مع الشمال والقضاء على مشروع عزل البقاع عن حمص. لكن القصير بقيت القاعدة اللوجستية الرئيسية للمجموعات الارهابية.

قبل معركتي “تل مندو” والقصير، وقبل معارك غرب النهر، كان الإرهابيون يشنون حرب معابر. كانوا قد بدأوا بهجمات للسيطرة على المنافذ الموصلة الى سوريا. فبدؤوا حركتهم باتجاه معبر جوسيه، وأخذوا منطقة الـ 14 . وكان لا بد من استعادة هذا المعبر. قام مجاهدو المقاومة الاسلامية بتنفيذ عملية هجومية على منطقة تُسمى “خربة جوسيه”، ونجحوا في استعادتها. ولكي يتمكن المجاهدون من الدفاع عن المعبر، وفي أوّل موقف هجومي، أخذ الأخوان القرار بالمواصلة الى منطقة جوسيه “لا بد من تطهير منطقة شرق النهر للاطباق على القصير من عدة اتجاهات”. حينها هاجمت المقاومة المنطقة “كانت عملية هجومية ليلية، عملية خاصة على غرار عمليات المقاومة، وهنا بدأ دور قوات التعبئة بالمشاركة في العمليات”.

في عملية جوسيه، كان انتشار الجيش السوري متفرّقًا. كل نقطة انتشار للجيش السوري كانت المقاومة تعتبرها موطىء قدم يمكن أن تنطلق منها العملية. قام المجاهدون بعملية هجومية ثانية، هي عبارة عن هجوم شرق نهر العاصي، استهدف منطقة مساحتها قرابة الـ 120 كلم مربع، تضم مجموعة من القرى هي جوسيه، العاطفية، سعيدية، زرّاعة، دوثريّة، العاطفية (مع بداية الأحداث في سوريا دخل المسلحون الى العاطفية وارتكبوا مجزرة راح ضحيتها قرابة الـ 17 شهيدًا مدنيًا). استفادت المقاومة من نقاط انتشار الجيش العربي السوري الموجود، وقامت بعملية شارك فيها قرابة الـ 800 مجاهد بينهم قوات من التعبئة. وبدأت العملية من عدة اتجاهات (من ميزة العملية أنها معقّدة): من الشرق باتجاه الغرب، ومن الجنوب باتجاه الشمال، واتجاه التفافي بهدف إحكام الحصار والطوق.

المقاومة تحكي “التحرير الثاني” عبر “العهد”.. “أصل الحكاية” / الجزء الثاني

منشأة المياه قبل القصير هي منشأة ضخمة عبارة عن مبانٍ ضخمة عند بداية القصير

فعليًا، بدأت المعركة عند الساعة الواحدة ظهرًا.، قدّمت المقاومة شهيدًا، وقبل غروب الشمس كانت العملية الهجومية قد حققت تقريبًا أهدافها الحاسمة. في اليوم الثاني جرى وصل القوات إضافة الى اتمام التطهير والعملية الالتفافية. واستعادت المقاومة دبابة للجيش السوري كان المسلحون قد استولوا عليها. الملفت أن القذيفة كانت ما تزال في مدفع الدبابة التي استعادها المجاهدون، أي أن الارهابي كان قد وضع القذيفة لكنه لم يستطع أن يرميها بسبب سرعة وصول المجاهدين اليه.

من أهم مميزات هذه العملية “المناورة الالتفافية”. كانت المقاومة تسيطر على مجموعات من العوارض، وبدأ الارهابيون بالهروب “في منطقة اسمها”تل حنش“ترك الارهابيون عشرات الآليات وهربوا، كان المقاومون يستهدفونهم، وكان المشهد هناك غريبًا، مع وجود برق قوي، وكأن الله سبحانه وتعالى عم يرميهم، عم يرميهم، البرق من السما وقت يصطدم بالارض على المسلك اللي هني طالعين فيه شي غريب، كان البرق أصعب عليهم من رمايات المقاومين”.

بقي لدى المقاومة منطقة للوصول الى التّماس مع القصير، وهي منطقة “دوثرية” وصولًا الى “منشأة المياه” قبل القصير. في هذه المنطقة قاتل مجاهدو المقاومة لمدة يومين وارتقى خلالها 4 شهداء، حتى وصل المقاومون الى خط تماس ما قبل القصير.

في منطقة منشأة المياه ومحيطها دارت اشتباكات اليوم الأخير، حيث حشد العدو كل قوته لأن المقاومة كانت قد باتت على تماس مع القصير. منشأة تصفية كان فيها كلور. وطُلِب من أحد أفراد القوة المعادية تفخيخ الكلور وتفجير نفسه هناك لقتل أكبر عدد من أفراد المقاومة. لكن المجاهدين قاموا بقتله قبل الوصول الى المنشأة بعد وقوع اشتباك بينه وبين الاخوة على مسافة قريبة جدًا.

الاشتباكات القريبة بين المقاومين والمسلحين استمرّت في هذه المنطقة لحين بدء الهجوم على القصير.

* عدد الاشتباكات التي خاضتها المقاومة خلال عملية شرق النهر هي على الشكل التالي:

- اليوم الأول: 46 اشتباكًا عاديًا واشتباك واحد صلب.

- اليوم الثاني: 6 اشتباكات عادية و5 اشتباكات صلبة.

- اليوم الاخير: 18 اشتباكًا صلبًا.

* مميزات هذه العملية:

- سرعة العمل للتشكيلات.

- تعدد المناورات: نحنا هاجمنا في هذه العملية على سبعة محاور قتالية.

- القتال القريب والاستفادة القصوى من النيران.

- الاستفادة من مناورات التفافية أمّنت قطع طرقاتهم وعزلهم مما اضطرّهم للهروب قبل أن يكتمل الطوق، “لو اكتمل الطوق كانوا اختنقوا جوّا هيدي منكون خلصنا عملية شرق النهر”.

المقاومة تحكي “التحرير الثاني” عبر “العهد”.. “أصل الحكاية” / الجزء الثاني

* القصير : الأمين العام يحسم اتجاه الهجوم

عند هذه المرحلة بدأ النقاش: هل نهاجم القصير ومن أي جهة؟

يختلف الاشتباك العادي عن الاشتباك الصلب وفقًا للفترة الزمنية وكثافة النيران وكيفية حسم الاشتباك.

بعد حسم القيادة لقرار الهجوم على القصير، كان النقاش يدور حول سؤال “هل نهاجم من الاتجاه الشمالي أي من تل مندو باتجاه عرجون ومن عرجون نلتف على مطار الضبعة ونتقدم نحو القصير، أو نبدأ الهجوم من الاتجاه الجنوبي أي من المكان الذي وصلنا فيه الى تماس مع القصير ونبدأ عمليتنا الهجومية من جسر المشتل باتجاه القصير؟”.

هنا جاء دور القيادة. حسم سماحة الأمين العام القرار. أعطى السيد حسن نصر الله الأمر بأن يكون الهجوم من الاتجاه الجنوبي وليس من الاتجاه الشمالي، من نقاط التماس التي وصل اليها المجاهدون مع القصير.

في معركة القصير كانت المقاومة تواجه أبرز التشكيلات القتالية التي كانت فاعلة في ميدان ما يسمى بـ“الثورة السورية”. تضاربت الأقوال حول أعداد المسلحين هناك، لكن الرقم الأقل الذي قيل هو 6 آلاف مقاتل للعدو داخل القصير مع أسلحتهم وعتادهم ودباباتهم ورشاشاتهم الثقيلة ومدافعهم.

قيمة هذه المعركة كانت من خلال القضاء على القاعدة اللوجستية التي تغذّي الثورة السورية، وإلزام العدو بتغيير اتجاه عمله. في تلك المرحلة، لم يكن تنظيم “داعش” قد ظهر بعد، بل كان لا يزال جزءًا من الإطار العام لما يسمى “الثورة السورية”. كان لجبهة “النصرة” حضورها في القصير، لكن التشكيل الأقوى كان “كتائب الفاروق”، المنتشر على كامل الأراضي السورية. فكتائب الفاروق كانت حينها في إدلب وحلب ودرعا.. لكن بنيتها الأساسية كانت في منطقة حمص والقصير بشكل أساسي (القصير مقر القيادة لكتائب الفاروق).

الغطاء والدعم الدوليان اللذان حاز عليهما الارهابيون في القصير كانا كبيرين. كل الشخصيات الرئيسية في ذلك الوقت تحدثت عن المعركة، ولاقى المسلحون الدعم والترويج الاعلامي من قبل عدد كبير من القنوات الفضائية و الأجنبية.

* علائم القوة لدى العدو

كان لدى العدو الكثير من علائم القوة: “الاستقطاب الكبير للمقاتلين اضافة الى أعدادهم الكبيرة وتشكيلاتهم، وسيطرتهم على الكثير من أسلحة الجيش السوري، فضلًا عن الأسلحة التي كانت تصلهم”. هناك، كان لدى المسلحين أهمّ الأسلحة الفردية في العالم، والمزودة بمناظير، ودبابات و“مدافع هاون” غربي وشرقي، إضافة الى أن “الكورنيت كان بإيدهم، وشفنا السهم الأحمر اللي هوي عبارة عن سلاح ضد الدروع متطور وحديث”.

في الشكل العام، كان هناك توازن في القدرة القتالية بين المقاومة من جهة والارهابيين من جهة أخرى، على مستوى نوعية الأسلحة. أما على مستوى الأعداد البشرية، كان المسلحون يتفوقون في العدد. كان عدد المسلحين على أقل تقدير 6 آلاف، وعلى التقدير الأعلى 10 آلاف. أما تشكيل المقاومة لدى مهاجمة القصير فكان: 14 محورًا، 14 سرية. قوة القتال الفعلية الأساسية كانت قرابة الـ 1800 شاب فقط.

العملية التي تمت في أيار/ مايو من العام 2013 نفذت على أربع مراحل. كل مرحلة هي عبارة عن يوم أو أكثر.

المرحلة الأولى أنجزت في اليوم الاول، حيث هاجمت المقاومة الاسلامية المدينة من عدة اتجاهات، كل اتجاه كانت فيه عدة محاور. وكان لدى المقاومة محور التفافي واحد من الجهة الغربية، وأكثر من محور على الجهة الجنوبية. على الاتجاه الشرقي كان هناك محور تأميني من الجنوب باتجاه شمال شرق، و 5 محاور من الغرب باتجاه الشرق، وذلك بالاستفادة من نقاط الجيش السوري.

استهدفت العملية الوصول الى نقاط محددة، وحققت تقريبًا 70 بالمئة من أهدافها. ففي اليوم الأول سيطرت المقاومة على 40 بالمئة من مساحة القصير (من العمران)، وحققت الوصل بين تشكيلات الجيش السوري المبعثرة في قلب القصير. وصلت قوات المقاومة من المشتل حتى القصير وسيطرت على الحارة الجنوبية ـ الشرقية. وصل المجاهدون الى مقربة من الكنيسة والبلدية في اليوم الاول لكنهم لم يقوموا بالتثبيت لمجموعة ظروف. كما ارتقى عدد من الشهداء.

في اليوم السادس للمعركة، حصل قتال عنيف جدًا بين المقاومة والعدو. كان الأعداء قد جهزوا اجراءاتهم الدفاعية بعرض وبعمق المنطقة: “نحنا ما في نقطة ما هاجمناها بالقصير، ما في غرفة دخلنا فيها بالقصير الا ما واجهنا فيها اشتباك، في بعض الأماكن التي كنا ندخل اليها كنا نجد البيض الساخن والشاي الدافئ.. يعني كانوا عمبيقلوا البيض وعاملين الشاي و مأمّنين”.

بعد اليوم السادس، دخلت قوات المقاومة في عمليات قضم مع تحضير وتهيئة الاخوة المجاهدين لتنفيذ الهجوم الرئيسي الأخير. من المميزات التي كان يستفيد منها العدو حجم التشريكات والعبوات والاستفادة من الأعمال الهندسية على عمق وعرض المنطقة، فضلًا عن حجم التحصينات “كانوا مستفيدين استفادة قصوى من الأرض وحجم التحصينات”.

مع اقتراب اليوم العاشر للمعركة، حاول المسلحون من خارج القصير الوصول الى المدينة للدعم والتعزيز، وذلك من سلسلة القلمون، أي من منطقة العبّودية، كانوا يقطعون منطقة دحيرج ويدخلون القصير من الخلف. لكن المقاومين اشتبكوا مع الارهابيين في منطقة العبّودية فتراجعوا، ثم التفوا من طريق حسية على الاوتوستراد، ودخلوا من جهة الضبعة ثم القصير. من خلال هذا التعزيز، انضم الى المسلحين داخل القصير عبد القادر صالح وعبد الجبار العقيدي. كما وصل تشكيل من دير الزور من أسود الشرقية ووصلت تشكيلات من حلب (حوالي 300 مسلح من حلب). مع مرور الأيام كان أداء الاخوة يتطور وكذلك التكتيكات، فمثلًا انتقل المقاومون من “الهجوم من الشارع” الى “خرق المنازل”.

تم تحديد هدف حاسم هو الوصول الى منطقة البلدية التي تضم (الكنيسة، البلدية، ساحة القصير الرئيسية) لأنها قلب القصير.

استمرت مرحلة القضم (المرحلة الثالثة) فترة زمنية طويلة. من اليوم العاشر أعطت قيادة المقاومة الأوامر بتنفيذ مناورات على اتجاهات أخرى.

تقدم المقاومون باتجاه منطقة دحيرج، والتفوا على أي معبر ممكن أن يوصل الى القصير وقاموا باغلاق كامل هذه المنطقة لمنع أي عملية تسلّل ممكنة باتجاه القصير. إضافة الى ذلك، قام الدفاع الوطني بالتعاون مع تشكيلات من المقاومة بالبدء بعملية هجومية تمت من خلالها السيطرة على مجموعة نقاط أهمها مطار الضبعة، اضافة لمنطقة الجوادية.

مع التحضير للهجوم الرئيسي النهائي، كانت المعركة تقريبًا في يومها الرابع عشر، وكان الهدف الرئيسي هو البلدية. بدأ الهجوم تقريبًا عند الساعة السابعة صباحًا، ومع انتهاء النهار، عند الغروب، كانت البلدية بأيدي المجاهدين. احد التقديرات أشار الى سقوط 2000 قتيل للمسلحين.. انتهت المعركة عند سقوط البلدية، ومع سقوطها كان المسلحون في مرحلة “النهاية” (قبيل الوصول الى البلدية، طلب المسلحون التفاوض من أجل الخروج، وضعت المقاومة مجموعة من الشروط لكن لم يتم الوصول الى اتفاق).

بعد البلدية كان التحضير لليوم التالي باتجاه الحارة الشمالية. عند الساعة الثانية عشرة ليلًا بدأت تظهر مؤشرات هروب المسلحين من قلب القصير . كان الأمر منطقيًا، فأعداد قتلاهم مرتفعة، وأعداد الجرحى كذلك. مع فجر اليوم السادس عشر كانت قد بدأت عملية خروج المسلحين من القصير باتجاه الضبعة فالبويضة الشرقية..

انتهت المعركة، ولم يتبقَّ سوى بعض عمليات المطاردة. “جماعة حلب راحوا عحلب، والشريحة الأكبر من مسلحي القصير، ومسلحي حمص، انكفأت باتجاه القلمون”. هذا الانسحاب من قبل الارهابيين لم يكن منظمًا، وتركوا خلفهم أعدادًا كبيرة من الآليات والرشاشات والأسلحة.

في مرحلة من المراحل “كانوا صايرين خالصين، ولديهم عشرات الجرحى، فتواصلوا مع مختار دحيرج، الذي بدوره تواصل مع المقاومة، فأعطى سماحة الأمين العام الأمر بمساعدة جرحى المسلحين في الوصول الى المستشفيات”.

انتهت معركة القصير، وعادت المقاومة الى الموقف الدفاعي، وباتت التهديد في السلسلة. في أواخر عام 2013 وبداية الـ 2014 جمع الارهابيون كل عسكر القصير والقلمون، وحاولوا أن يناوروا على المقاومين بعملية هجومية. بدأ الهجوم على 3 نقاط: تل الحنش والـ 14 والعبودية. استمر الهجوم قرابة الـ20 يومًا. كانوا يحاولون تحقيق اختراق للوصول الى جوسيه ثم التغلغل نحو القصير. بعد 25 يومًا نفذت المقاومة عملية التفافية من جهة اللواء 67 الدبحسية ثم جمراح ثم الحمرا، ثم جب جراح، وسيطرت على كامل هذه المنطقة.

التحرير الثاني: الدور العسكري للامين العام.. “أصل الحكاية” / الجزء الثالث

ميساء مقدم

في الذكرى الرابعة لمعركة تحرير سلسلة جبال لبنان الشرقية من الإرهابيين، تحكي المقاومة الإسلامية روايتها الكاملة لهذا التحرير بكل تفاصيلها الميدانية والعسكرية، للمرة الأولى عبر موقع “العهد” الاخباري. “أصل الحكاية” يعود الى العام 2012 مرورًا بـ“تل مندو” والقصير وصولًا الى الجرود. الحكاية التي نشرها موقع “العهد” تباعًا مرفقة بمادة مرئية من مشاهد فيديو خاصة وخرائط بالتعاون مع الإعلام الحربي في المقاومة الإسلامية.

في الجزء الثالث نتحدث عن سير المعارك ضد التكفيريين في السلسلة الشرقية من حزيران/ يونيو 2014 وحتى التحرير الثاني في 28 آب/ أغسطس 2017 ، وكيف تدخّل سماحة الأمين العام لحزب الله في رسم مسار العمليات العسكرية قبيل التحرير الثاني، وكيف تم التنسيق التام بين المقاومة والجيش اللبناني للقضاء على “داعش” وفق رواية خصت بها المقاومة الاسلامية موقع “العهد” الاخباري.

المناخ القاسي في منطقة سلسلة جبال لبنان الشرقية كان يدفع كلا الطرفين الى تجنب التواجد فيها بدايةً. مع انتهاء عمليات القلمون، وفي شهر حزيران/ يونيو 2014، بدأ يبرز حضور للمجموعات المسلحة في السلسلة على السفوح المشرفة على المناطق اللبنانية، خاصة تلك المشرفة على بريتال، وتحديدًا في منطقة حرف الهوا (ارتفاعها 2400 مترًا ومشرفة على كامل سهل البقاع وعلى معسكرات المقاومة، تابعة لجرد بريتال ومتصلة بجرد طفيل، تاريخيًا كانت هذه المنطقة سورية لناحية تردد الرعاة، وملكية الارض وغيرها من العناوين).

التحرير الثاني: الدور العسكري للامين العام.. “أصل الحكاية” / الجزء الثالث

* قائم 1 وقائم 2

في حزيران/ يونيو 2014 كان امتداد المسلحين من الزبداني وجرود الزبداني وجرود بلودان حتى وادي بردى، بمعنى أن خط الاتصال موجود من عرسال الى الغوطة الى وادي بردى، ووادي بردى متصلة بالغوطة الشرقية وبالتالي على سلسلة جبال القلمون الغربية الشرقية الممتدة حتى البادية والتنف والناصرية. كان لا بد من خطوة محاولة فصل هذه الجرود. تم اختيار اصبع طفيل. كان فارق الارتفاع بين نقاط الارهابيين واحد مراكز المقاومة حوالي 1000 متر. أُخذ القرار من قبل الاخوان في القيادة بالامساك بـ“خط الرؤوس” ونفذت عملية تسلل ليلي من قبل وحدات التعبئة، الذين انتشروا عند “خط الرؤوس”، في وقت كان فيه الاخوة في القلمون قد وصلوا الى حدود طفيل.

أخذ قرار بأن ينفذ الاخوة من جهة القلمون مناورة هجومية على منطقة الطفيل ومحيطها والسيطرة على هذه المنطقة. استمرت المعركة قرابة 4 أيام حتى باتت وضعية المقاومة الدفاعية متصلة. العمل الهجومي نفذ على محورين، تم احتلال مجموعة من العوارض أبرزها قلعة النمرود، محترقة الصفرا وقبع الختم، ومن الجهة الثانية منطقة الصفرا. من أبرز نتائج هذه العملية أنها فصلت بين الانتشار المسلح الذي كان موجودًا بمنطقة وادي بردى المتصل مع الغوطة الشرقية، وبين الانتشار المسلح المنتشر في كامل جرود عرسال.

بعد قرابة الشهر في تموز/ يوليو 2014، كان القرار أن يهاجم الاخوة من جهة القلمون باتجاه طلعة موسى، وتهاجم قوات أخرى من الاتجاه اللبناني باتجاه منطقة عقبة البيضة، عقبة الزيتونة، الخشعات، رأس وادي الهوا وأرض الكشك، على أن تلتقي القوات بمكان من الاماكن. في هذه المناطق بدأت الارتفاعات تصل الى 2000 و2500 مترًا (عقبة الزيتونة 2500 متر، عقبة البيضة 2450 متر). هذه الارتفاعات كانت تؤدي الى صعوبة بالتنفس بسبب تراجع نسبة الاوكسجين في الهواء، من هنا كان للعامل المناخي دور بارز.

لظروف معينة لم تهاجم القوة من القلمون كما كان مقررًا، لكن القوة الأخرى من الاتجاه اللبناني هاجمت وحققت انجازًا (فالمنطقة على مشارف منطقة بعلبك). هاجم المقاومون 32 نقطة للمسلحين وسيطروا على 28 منها، وقد ارتقى عدد من الشهداء في هذه العملية (عملية قائم واحد وقائم 2).

هنا بات لدى المقاومة محور محاذٍ لجرد بريتال، وآخر محاذٍ لجرد بعلبك ـ نحلة، الاّ أن المنطقة بين المحورين غير متصلة.

التحرير الثاني: الدور العسكري للامين العام.. “أصل الحكاية” / الجزء الثالث

* “أمير1”: ابعاد الخطر الأمني عن لبنان

في آب/ أغسطس عام ٢٠١٤، اعتقل الجيش اللبناني أحد الضباط الأساسيين في المجموعات الارهابية ومن أخطر التشكيلات القتالية (عماد جمعة “أبو أحمد” قائد “لواء فجر الإسلام”. في تلك المرحلة كان انتشار الجيش يشكل شبه طوق حول عرسال وبعض الأودية. (قرابة المئتي ألف بين مسلحين وعائلاتهم كانوا موجودين في منطقة عرسال ومحيط المخيمات).

كان لدى المقاومة جدول استعداد يسبق عملية أمير1. في شتاء 2014 ـ 2015 كانت العاصفة “زينة” فوصل ارتفاع الثلج في بعض الأماكن الى العشرة أمتار. بعض الاخوة أصيبوا وكادوا يستشهدون بسبب الثلج والحروق الناتجة عنه. بعض الاخوة فقدوا نظرهم، وبعضهم أصيب بحروق الجليد. في مرحلة من المراحل وصلت درجة الحرارة في احد المحاور الى 20 درجة تحت الصفر. عبوات المياه كانت تتجمد، ولكي يحافظ المقاومون على مياه الشرب كانوا يضطرون الى وضع العبوات في اناء كبير من المياه على نار هادئة. هناك استفاد المقاومون من وسائل جديدة مثل “السكي دو”. كان مستوى الصعوبات عاليًا، وكانت تلك من أهم التجارب التي خاضتها المقاومة. هي مرحلة مهمة تستحق الفخر. الثبات في هذه المواقع والدفاع عن المرتفعات كان انجازًا.

في تلك الفترة استمرت المناوشات بين المقاومين والمجموعات الارهابية حتى صيف 2015. تزامنًا، كان “جيش الفتح” قد تشكل في إدلب، وعقد “أبو مالك التلي” لقاءً لكل التشكيلات المقاتلة وبدأ بالتحضير لما أسماه “فتح دمشق”.

أخذ قرار من قبل القيادة بضرورة تطهير كل الجرود من جرد طفيل حتى جرد بعلبك. على هذا الأساس تحددت مناطق مسؤولية ومناطق عمليات بالاتجاه اللبناني والاتجاه السوري. في الاتجاه السوري واللبناني كانت تشكيلات من مختلف وحدات حزب الله، فالجبهة التي فتحت يبلغ عرضها 28 كلم.

العملية كانت باتجاهين (274 كلم على الاتجاه اللبناني و 500 كلم على الاتجاه السوري). تنوعت الأساليب وأنواع الأعمال، منها نوع هو على غرار عمليات المقاومة ( تسلل من قبل تشكيلات مشاة، مهاجمة بعض العوارض الحساسة).

وكانت هناك مرحلتان، المرحلة الصاخبة، والمرحلة الصامتة. والمرحلة الصامتة تكون بالاستفادة من أساليب المقاومة بحيث تتسلل قوات وتشتبك مع تشكيلات صغيرة موجودة وتحتل هذه النقاط والعوارض (العوارض الجغرافية أنواع: مفتاحي، أساسي، حاسم) إضافة الى معسكراتهم.

أعداد المقاتلين من المسلحين في عملية أمير1 كانت 3000 ارهابي محصنين في المغاور. هذا العدد كان قابلًا للزيادة أو النقصان بحسب الظروف. المسلحون كان لديهم زخم بشري من حوالي 200 ألف في مخيمات عرسال.

هذه المنطقة كانت تشكل تهديدًا كبيرًا للمناطق اللبنانية، حيث كانت تمر منها السيارات المفخخة ليتم تفجيرها بين المدنيين. وبعد تحريرها وجد فيها عدد من مصانع المتفجرات التي تضم سيارات مفخخة بلوحات (نمر) لبنانية.
قبل الخلاف بين التنظيمات الارهابية في المنطقة، كان هناك مجموعات من “النصرة” و“داعش” و“سرايا أهل الشام” و“الجيش الحر”.

في 2 / 5 / 2015، هاجم الارهابيون على اتجاه الجبة وارتقى شهيدان للمقاومة. في هذا الوقت كان الاخوة في المقاومة قد نفذوا عملية تسلل على قرنة النحلة (معسكر حرف الدار). في طريق العودة من التسلل انكشفت القوة ووقع اشتباك. في هذه المرحلة الصامتة وقعت العديد من عمليات التسلل التي تبعتها اشتباكات على امتداد 28 كلم. لكن من أهم النقاط التي تم التسلل اليها هي قرنة النحلة المشرفة على مرتفع مشرف، ما أدى الى انهيار لدى المسلحين واندفاع لدى المقاومين الذين انطلقوا بعمليات هجومية في الموادين ومشروع الأخضر وحرف الدّشارة ومشروع الخضار. في حرف الدّشارة وقع قتال شرس، وسقط 4 جرحى للمقاومين في منزلة، وارتقى شهيد في منطقة شماس عين الورد. أكملت القوة المهاجمة باتجاه حرف جوار العنب وباتت مشرفة على معسكر “العمدة” التابع لـ “سرايا أهل الشام”.

تزامنًا مع هذه العمليات، كان المقاومون في وحدات أخرى ينفذون عمليات تسلل باتجاه قرنة عبد الحق، وكان الإخوان في القلمون قد سيطروا على طلعة موسى.

من أهم مميزات عملية “أمير1” أنها حررت قرابة 500 كلم وأضاعت أمل “جيش الفتح” وأبعدت التهديد عن منطقة بريتال وبعلبك وأقفلت الكثير من المعابر وبالتالي تراجع التهديد الأمني على لبنان.

* أمير2: وضع المسلح بمرحلة النهاية

بعدها بأيام، قررت قيادة المقاومة اكمال العمل الهجومي باتجاه منطقة جرد عرسال وصولًا لعرسال وحصر الارهابيين وتطويقهم الى أقصى مستوى ممكن. فجرى تنفيذ عملية اسمها عملية “أمير 2”. أبرز مناطق وقع فيها قتال شرس من قبل الارهابيين في هذه العملية هي منطقة حرف الدبول وقرنة الرصيف.

من نتائج هذه العملية الوصول الى جرد عرسال والاشراف على سهل الرهوة بشكل كامل وقطع مثلث وادي الخيل ـ الرهوة الذي كان يهدد القلمون. تم تأمين جرد نحلة ويونين بشكل كامل مع الامتداد وتحقيق الوصل مع الجيش اللبناني.

من مميزات “أمير2” تنوع أساليب العمل من الصامت الى الصاخب، وتعدد أنواع المناورات (مناورات التفافية، جبهوية، احاطة، اختراقية).

مشكلة المسلح انّه لم يستطع أن يقرأ المنطقة تكتيكياً وما يؤمنه كل عارض من العوارض من مميزات، فلم يستطع أن يواكب مناورة المقاومة. مناورة المقاومة كانت أنجح لأنها استطاعت تحليل المنطقة على المستوى التكتي أو العملياتي بشكل مهم واستفادت من أساليب عمل وأنواع مناورات العدو. أساليب العمل والذكاء في المناورة أعطت المقاومة ميزة بسرعة تنفيذ العملية مع وجود الكثير من التحصينات.

التحرير الثاني: الدور العسكري للامين العام.. “أصل الحكاية” / الجزء الثالث

* 2017.. البدء من “داعش” أم “النصرة”؟

عام 2016 كانت المقاومة تتحضر لعملية “صادق آل محمد”. وكان الخيار بالقتال في الزبداني. وعام 2017 ، أُخذ القرار من قبل الاخوان بالعمل الهجومي على المنطقة الشرقية لإنهاء الوجود التكفيري لعدة أسباب واعتبارات منها ازالة هذا التهديد الأمني.

كانت الخيارات عديدة منها البدء بالعملية من جهة تنظيم “داعش” ومن ثم الاستمرار باتجاه “النصرة”، أو البدء من “النصرة” ومن ثم الاستمرار باتجاه “داعش”. في شهر رمضان عام 2017 ، بدأ التخطيط للمباشرة بالقتال من جهة “داعش”، وواجهنا مجموعة من الصعوبات في الميدان.

عملت المقاومة على تثبيت الخط الدفاعي للجيش اللبناني تحت عرسال خوفًا من اندفاع الارهابيين باتجاه اللبوة. كان الجيش قد ثبت حواجز عند المعابر (معبر وادي حميد، وادي رعيان، وادي حميد).

* السيد نصر الله يتدخل في التفاصيل العسكرية للعملية

في عمليات السلسلة الشرقية تدخل سماحة الأمين العام لحزب الله تكتيكيًا. استدعانا الى جلسة وطلب شرح كل المناورة، كل الفكرة بالتفصيل.
في العمليات السابقة كان الأمين العام يتدخل بالمشهد على المستوى العملياتي، من خلال الاطلاع على الاتجاهات العامة، لكن في هذه العملية طلب الأمين العام منّا أن نشرح له كل العملية. استمع الى كل التفاصيل المرتبطة بالعملية: تدخل سماحة الأمين العام في كيفية وأنواع المناورات وفصيل المشاة وكيفية الالتفاف، وتحليل المنطقة...

في هذه الجلسة مع قادة المقاومة المسؤولين عن عمليات السلسلة الشرقية، وضع سماحة السيّد مجموعة من القيود والحدود، أوّلها أن لا يتم التعرض للمدنيين “خاصة موضوع المخيمات، حتى لو طلع علينا نار، نحاول انه ما نرمي”. ثاني هذه القيود هي أنه اذا اضطرّ المقاومون الى الرد على مصدر نيران من اتجاه المدنيين، كان يجب أن تكون الرماية بأسلحة دقيقة ومركّزة، بحيث يُرد على مصدر النار بشكل دقيق مع عدم احتمال الخطأ، وحتى هذا الرد كان يحتاج الى اذن خاص. بقي السيّد معنا في كل العمليات، كان يتابع معنا كل شيء. الأمين العام خلال الجلسة مع ضباطه يتحدث بلغة عسكرية، ويتصرف كقائد عسكري يحاكم المشهد الميداني والعسكري أمامه. كان يضع الحدود والقيود، وكان يعطي أوامره للضباط. السيد حينها ترك لنا المساحة الزمنية التي نحتاجها وأكثر، قال لنا لستم “مضغوطين” في الوقت والمهلة الزمنية.

تدخل السيد أيضًا في تحديد خط الوقف للمقاومة لجهة المسافة التي يبعد فيها عن المخيمات. حينها سجّلنا هذه النقاط، واضطررنا للسير والالتفافق بمسافة 6 كلم في الليل (العسكري لا يرى أمامه، يحمل تجهيزاته ووحداته النارية ..).

التحرير الثاني: الدور العسكري للامين العام.. “أصل الحكاية” / الجزء الثالث

* القضاء على “النصرة”

كان الهدف الرئيسي لهذه العملية القضاء التام على جبهة “النصرة” وانهاء وجودها، وتحرير كامل الحدود اللبنانية، ليكون لبنان الدولة الأولى التي يتمّ إعلان تحريرها من الوجود الارهابي. احد الأهداف المضمرة للعملية كان السعي لضغط جبهة “النصرة” بمكان من الأماكن بشخص ابو مالك التلي، فنسعى من خلال ذلك لكشف مصير العسكريين اللبنانيين المختطفين آنذاك، واخواننا الأسرى من إدلب. هذا الهدف كان موجودًا ضمنيًا لكنه لم يكن معلنًا.

في مقابل قوات المقاومة، كانت قوات العدو تتشكل بشكل رئيسي من جبهة “النصرة” وسرايا “أهل الشام” وتشكيلات أخرى. كان مجموع العديد حوالي 700 مقاتل من التشكيلين. لكن هذا العديد كان من الممكن في أي لحظة أن يرتفع الى 3000 مسلح (السبب هو الدعم البشري من المخيمات، علمًا أن هذه المخيمات تبعد عن نقاط انطلاق المقاومة حوالي 6 الى 7 كلم ، ومع عدم قدرة المقاومين على القصف على المخيمات بسبب حدود وقيود القيادة وبسبب الحدود والقيود الدينية، فكانت هذه المخيمات بؤر تعزيز للمسلحين).

بناءً على ذلك، ثبتت المقاومة قاعدة نار في وادي حميد. سعى المقاومون للعبور من منطقة عقبة المبيضة أو من ضهر العربة. هذه المناورة كانت عبارة عن أربعة أنواع من المناورات:
- مناورة جبهوية من الجنوب للشمال أي تعدد بالمحاور.
- مناورات التفافية، بالعنوان التفصيلي على منطقة ضهر الهوة الهدف المفتاحي للمنطقة.
- مناورة إحاطة، هي عبارة عن المناورة التي تمر في وادي دقيق وتصل الى ضهر الصفا ـ اللزابة. مع بدء الاشتباك كان هناك عارضان رئيسيان مفتاحيّان على خط التماس، هما عارض الأنزح وعارض ضهر الهوة، اضافة الى مجموعة من العوارض الفرعية الالتفافية.

بدأت العملية في 20 تموز/ يوليو 2017. استفاد المقاومون من وادي دقيق وتقدموا باتجاهه، ونفذوا مناورة التفافية. تقريبًا من نهار الجمعة وحتى الأحد كانت الأمور شبه منتهية عسكريًا.

في 21 تموز كنا نحاول أن نطوق أكثر من جهة. في 22 تموز وصلنا الى تلال الأنزح وحقاب التبّة. في 23 تموز سيطرنا على منطقة حقاب الخيل والمنطقة المحاذية لها. في 25 تموز نفذنا عملية هجومية وواجهنا قتالاً شرسًا وسيطرنا على سرج الخربة وطلعة النصّاب. في هذا اليوم طُلب وقف اطلاق النار على أساس أن المفاوضات قد وصلت الى نتائج. ليل 26 تموز ضلّ 3 من المقاومين طريقهم ووصلوا الى نقاط المسلحين فتم أسرهم.

في 31 تموز وصلت الى نقاطنا ليلًا لجنة تفاوض مؤلفة من رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله الحاج وفيق صفا ومدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم. قالوا لنا “نبضهم عالي الجماعة معش بدهم يفاوضوا”. فقلنا “أوقفوا التفاوض ونحنا منكفّي عمليتنا الهجومية”. ليلًا قمنا بتحضير قواعد الانطلاق لتنفيذ العمل الهجومي بهدف انهاء الملف وفقًا لتوجيهات القيادة.

قمنا باجراءات على صعيد تهيئة المنطقة وتحضير قواعد النار وزجَجنا بالقوة وحضّرنا العمل الهجومي. في هذه المرحلة كان أبو مالك التلي متمركزًا في منطقة وادي الدم. وكان الاخوة في القلمون قد وصلوا الى نهاية معركتهم (عندما سيطر المقاومون على ضهر الهوة أشرفوا على خطوط امدادها، وبالتالي سقطت عسكريًاً، ونزل الاخوة المقاومون في القلمون بكل أريحية على كامل النقاط التي احتاجوا النزول اليها). عمليًا المعارك الشرسة التي واجهت المقاومين من جهة القلمون كانت في منطقة الكرّة بشكل رئيسي وفي تلة البركان قبلها، أما باقي النقاط فتمت السيطرة عليها تقريبًا بدون قتال مثل حرف وادي الدب، قلعة الخيل، قلعة الحصن.

من الجهة اللبنانية القتال الرئيسي والمُركّز وقع في ضهر الهوة، ضهر الصفا ـ اللزابة، أما الأنزح فلم يقع فيه قتال. في 1 آب/ أغسطس 2017 كان المسلحون قد بدأوا بالانسحاب لكن المقاومة لم تتقدم الى قلب الوادي بناء الى طلب القيادة لأنه كان ما زال فيه مدنيون من منطقة المخيمات.

عمليًا، بعد سيطرة المقاومة على ضهر الهوة أعلنت سرايا “أهل الشام” استسلامها، وكنا قد أسرنا لهم مقاتلين وعشر جثث أعدناها اليهم مع اعلان نيتهم الانسحاب من المعركة. كذلك احد الشروط التي وضعتها المقاومة لخروج “النصرة” كان أن يعلمونا عن أماكن جثامين الشهداء، واطلاق الأسرى، فانتهى وجود “النصرة” والجيش الحر في كامل هذه المنطقة.

التحرير الثاني: الدور العسكري للامين العام.. “أصل الحكاية” / الجزء الثالث

* تنسيق تام بين المقاومة والجيش اللبناني للقضاء على “داعش”

أما لجهة “داعش”، ففي 3 آب/ أغسطس، أعلن الجيش اللبناني نيته تسلم المنطقة. تسلم الجيش من المقاومة النقاط والمناطق المحررة وفق تنسيق تام. العملية كانت شبه مشتركة بين المقاومة والجيش في مواجهة “داعش”. ناقش ضباط المقاومة والجيش اللبناني الخطة المرسومة، وكان الاتفاق على أن أهم عارض هو عارض تلة الخنازير. وكانت الخطة تقضي أنه بسقوط تلة الخنازير يمكن للجيش السيطرة على كل منطقة “داعش”. كانت “داعش” قد فقدت قدرتها على التعزيز على الخنازير، وبالتالي عند وصول الجيش اللبناني لم يقع أي اشتباك على الاتجاه الشمالي أي من جهة جرود عرسال.

في عملية “وإن عدتم عدنا” تمت الاستفادة من مجموعة من التكتيكات هي عبارة عن تسلّل بسبب وعورة المنطقة، ومجموعة من المناورات، وتعدّد اتجاهات العمل.

عملية “وإن عدتم عدنا” بدأت بعد عملية “صادق آل محمد” بأسبوع تقريبًا. خلال العملية الهجومية قاتل “الدواعش” واستسلم جزء منهم عند معبر الزمراني.

في الاتجاه اللبناني استخدم الجيش اللبناني تشكيلات كبيرة جدًا (ألوية وأفواج، خمسين مدفع 155، فضلًا عن الراجمات). وفي الاتجاه السوري كانت المقاومة تهاجم من عدة محاور واتجاهات. وقد أربك تعدد المحاور والاتجاهات المجموعات المسلحة.

من فوائد هذه العمليات: تحرير كامل الأرض واستعادة الأسرى (لأول مرة في التاريخ داعش تعيد أسيراً). “الدواعش” كان معهم عائلات ومدنيون، وهنا برز دور القيادة في طريقة انهاء المعركة (أين ستذهب العوائل؟). فكان لا يمكن لهذه المعركة أن تنتهي عسكريًا خاصة أن “الدواعش” لم يكن لديهم مكان ليذهبوا اليه (تدمر ومهين كانتا محررتين وكانت لديهم مشاكل مع من يسمونهما “والي” حمص و“والي” دمشق). هنا كان دور الادارة الاستراتيجية للمعركة، وإدارة عملية التفاوض، وتم رسم استراتيجية خروج وكان هناك عبقرية بإنهاء المعركة بالطريقة التي انتهت بها.

من الصعوبات التي واجهت المقاومين طبيعة المنطقة وظروفها الجغرافية (تلال وجبال ورؤوس قمم بارتفاعات تصل الى 2500 م) اضافة الى صعوبة الطرقات.

* خلاصة

هذه المعركة بالتدرج ابتدأت من وصول المسلح في القصير عام 2013 الى الحضيض الى فشل تداعيات هذا المشروع عام 2017 ، وهو عبارة عن 4 اعوام من القتال تنوعت فيها أساليب العمل بين الدفاع والهجوم، والعمليات الخاصة (كمائن، زرع عبوات، رماية بالقبضات الموجهة، استهداف بعض الشخصيات الاساسية للمسلحين).

من مميزات المعركة أن المقاومة قاتلت في مختلف أنواع البيئات (بيئة العمران، بيئة المناطق القريبة من مناطق الغابات، بيئة الجبال) مع قدرة على التأقلم مع المناخ ومع هذه الظروف البيئية. من المميزات أيضًا أن أحجام المحاور كانت باستعداد يفوق في بعض الاحيان استعداد الفرق. كذلك من المميزات الدمج بين مجموعة من الأسلحة خاصة في منطقة القصير وغرب النهر وشرق النهر، والدمج بين المدرعات والمشاة، وبين تكتيكات الجيوش وتكتيكات المقاومة، وبين أنواع المناورات.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2184490

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع انتقاء الموقف   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2184490 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40