شجر العار ....

واحدة من أقسى أنواع المشاهد في أي بلد في العالم وأكثرها مرارة هي صورة الفساد المتبجح والذي لا يخفي فساده أو حتى يكلّف نفسه عناء التوريه عنه، بل هو يعلن عن نفسه بكل وقاحة وغطرسة، وهذا الوضع لم تشهده إلا مزارع الموز الامبريالية وملحقاتها، وبعضا من الدول التي استوطنتها المافيا وخاصة مافيا المخدرات في بعض مناطق هذا العالم، ومفهوم أن هذه المجتمعات التي عانت من هذه الصورة المخزية والمذلة، لم تكن قادرة على أن تستعيد ما سلب منها إلا بعد أن اجتاحت هذه المرتكزات العصابية التي استغلت ظروفها لتفرض استعبادها عليها، والتي كانت معظمها ظروفا اجتماعية اقتصادية في بلدان مستقلة على الأقل.

في فلسطين، الوضع مختلف لأنه يسجّل صورة الفساد بأنواعه والذي تمارسه فئات تمترست حول تجربة سياسية وظيفية في خدمة المحتل باعتراف أصحابها، فحمت فسادها بالسوط الذي وفره الاحتلال نفسه لها، لتقوم هي بدورها باستغلاله ابشع استغلال على ظهر أبناء الشعب الرازح تحت الاحتلال بحجة قيامها بتمثيله وإدارته، وأي إدارة تلك التي لا تقرأ إلا كل مدخلات الفساد الاداري بأنواعه، ولطالما أنشأت سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني في مناطقها المسماة مناطق (أ) بالضفة المحتلة محاكم شكلية لا علاقة لها هي الأخرى بالنزاهة مثلما لا علاقة لتجربة الادارة ذاتها بأي نوع من أنواع الحكم أو الادارة الرشيدة.

المدهش أن هذه السلطة كان يجب أن تمثّل على الاقل الحد الأدنى في تاريخ طويل تغنّت أدبياته بكثير من الوعود للشعب الذي ستنتصر له بالحرية، فإذا بها تجيد ليس فقط امتصاص دمه وعرقه وتعبه، والمتاجرة كثيرا بأوجاعه وآلامه، بل وأحيانا استخدام ذلك كله في الاستثمارات الشخصية لأباطرة ما يسمى بالأمن في هذه السلطة، حتى وصل الحال بأبناء هذه الشخصيات وربما أحفاذهم إلى تحدي أبناء الشعب كله بماضيه وحاضره رافعين مظاهر كسبهم الحرام في وجه هذا الشعب، وعلى أساس “البلد لمين” و“مصطلح عظام الرقبة” الغازي لفلسطين المحتلة، ترى هل دار بخلد أبطال هذا الشعب المسكين من عبدالقادر الحسيني إلى جيفارا غزة أن في فلسطين شجرة عار ستقدم يوما لتمتد على أساس أنها باسمهم قامت؟