الأحد 2 أيلول (سبتمبر) 2018

“أمم متحدة” عاجزة ومنحازة !

الأحد 2 أيلول (سبتمبر) 2018 par عوني صادق

مع نهاية الحرب العالمية الثانية، استبدلت الدول المنتصرة «عصبة الأمم» ب«هيئة الأمم المتحدة»، بزعم أن مهمتها «حفظ الأمن والسلام الدوليين»، لكنها لم تكن يوماً «متحدة» إلا بمعنى التفاهم على تقاسم مناطق النفوذ، ولم تحفظ لا الأمن ولا السلام الدولي يوماً، بل إن الحروب بعد تأسيسها لم تتوقف وإن أخذت شكل «حروب بالوكالة» حيناً و«بالأصالة» حيناً، ولصالح هذه الدول نفسها. أما الشعوب ومصالحها، فلم تكن تخطر لها على بال إلا كما تخطر الفريسة على بال الصياد!

لقد كانت الأمم المتحدة، ولا تزال، مسؤولة عن أفدح ظلم عرفه التاريخ الحديث، ذلك الذي وقع على الشعب الفلسطيني. فبعد تقسيم وطنه بجهودها وتحت رايتها، كانت هي المسؤولة عن عدم تنفيذ ما اتخذته من قرارات اعتبرت لصالح هذا الشعب ولو جزئياً، وحتى أصبحت كل حقوقه اليوم توشك على الضياع التام بفضل عجزها إن لم نقل انحيازها للغاصب والمحتل، وفي ظل تغول وغطرسة العدو «الإسرائيلي» الذي اغتصب الأرض وشرد الشعب، ويؤكد يومياً بما يسنّ من تشريعات وقوانين أنه مصر على اقتراف الجريمة الكاملة!

وبالرغم من قبول منظمة التحرير الفلسطينية كل القرارات التي صدرت عن منظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها، والتي تعيد إلى الشعب الفلسطيني نظرياً بعض حقوقه، واحترام كل المؤسسات التابعة للمنظمة الدولية، إلا أن دويلة «إسرائيل» التي وجدت بقرار مشروط من الأمم المتحدة، رفضت وترفض أن تنفذ أياً من تلك القرارات، بل وأبدت دائماً عدم احترامها لها بل وعدم اعترافها بالمنظمة نفسها إلا إذا صدر عنها ما يتفق ومخططاتها التوسعية والعدوانية. وما يجري في «مجلس حقوق الإنسان» يصلح نموذجا!

ففي الثلاثين من آذار/ مارس الماضي، بدأت «مسيرات العودة» في غزة تحت شعار حق العودة، مسيرات سلمية لم يتجاوز المشاركون فيها السياج الشائك المحيط، فما كان من الجيش «الإسرائيلي» إلا أن يرد بالنار وبهدف القتل ليرتقي حوالي (200) شهيد حتى الآن، وآلاف الجرحى والمصابين الذين يستشهد منهم العشرات في أوقات لاحقة للإصابة. ونتيجة لهذا السلوك الإجرامي، صوّت «مجلس حقوق الإنسان» في مايو/ أيار الماضي لصالح فتح تحقيق في وقائع القتل، وهو ما أثار حفيظة سلطات الاحتلال «الإسرائيلي»، التي تملك تاريخاً طويلاً من عدم التعاون مع التحقيقات التي تجريها المنظمة الدولية في انتهاكات حقوق الإنسان في غزة.

وبتاريخ 25-7-2018 أعلنت الأمم المتحدة، أن ديفيد كرين، المسؤول القانوني السابق في الولايات المتحدة، سيقود تحقيقاً للمنظمة في أحداث العنف التي تعرض لها قطاع غزة خلال الأشهر الماضية، والتي ادعت «تل أبيب» أنها تهدف إلى حماية الحدود، كما زعمت أنها تعرضت لتشويه السمعة، وأن التحقيق يهدف لتقويض حقها في الدفاع عن نفسها.

ومن المفارقات اللافتة أنه في اليوم الذي أوصى فيه «مجلس حقوق الإنسان» بتشكيل لجنة التحقيق في الجرائم «الإسرائيلية»، تم انتخاب المرشح «الإسرائيلي»، يوفال شاني، رئيساً للمجلس، وجاء ذلك قبل ساعات من إقرار «قانون القومية» العنصري في «الكنيست»، ليحمل ذلك تضميناً واضحاً لما يمكن أن تخرج به لجنة التحقيق، أو لما يمكن أن تلاقيه قراراتها بهذا الخصوص من أهمية! وكان منطقياً وطبيعياً أن يعلن في الأمم المتحدة عن تقديم رئيس لجنة التحقيق الدولية المكلفة من مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة بالتحقيق في انتهاكات السلطات «الإسرائيلية» ضد الفلسطينيين خلال مسيرة يوم الأرض للعام الحالي، ديفيد كرين، الذي تم تعيينه قبل شهر واحد استقالته كرئيس وعضو باللجنة إلى رئيس المجلس السفير فويسلاف سوك، لأسباب وصفها بال«شخصية»! يحدث ذلك بينما يفترض أن تقدم اللجنة تحديثاً عن سير عملها لمجلس حقوق الإنسان يوم 24 سبتمبر/أيلول!

لقد اكتفى ديفيد كرين بتعليل استقالته لأسباب «شخصية»، لكن حتى الأبله يستطيع أن يخمن طبيعة هذه «الأسباب الشخصية»، فالرجل في فترة لم تتجاوز الشهر، اكتشف حجم الضغوط التي تمارسها عليه الولايات المتحدة واللوبيات الصهيونية، وعرف أنه لا توجد أية فرصة للخروج بقرارات ترضي ضميره دون أن يتعرض لأذى كبير فآثر السلامة! ومن المهم القول: إن «مجلس حقوق الإنسان» لا يختلف عن أي من المؤسسات التابعة للأمم المتحدة وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي، فكلها عاجزة أو في خدمة الأقوياء. وتثير مواقف السلطة الفلسطينية الحيرة والريبة أكثر من أي شيء آخر، عندما ترفع عقيرتها كلما أقدمت الولايات المتحدة أو سلطات الاحتلال مهددة باللجوء إلى الأمم المتحدة لتنصفها، وهي التي تعرف تاريخ هذه المنظمة إزاء الشعب الفلسطيني وقضيته، وحيث تتأكد كل يوم أكثر وأكثر مقولة «ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة"!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 56 / 2183429

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع عوني صادق   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2183429 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40