الجمعة 22 آذار (مارس) 2019

«مسيرات العودة» وقمع جماهيرها

الجمعة 22 آذار (مارس) 2019 par عوني صادق

أيام قليلة تفصلنا عن «يوم الأرض» و«مسيرة العودة» المليونية التي دعت إليها الهيئة المنظمة للمسيرات. وتتزامن هذه مع اكتمال عام كامل على بدء هذه المسيرات التي قدم فيها «الغزيون» مئات الشهداء وآلاف الجرحى. كل ذلك ومليونان من الفلسطينيين المحاصرين يعانون أشد حالات الفقر والبطالة وظروف الشقاء، فاقمتها إجراءات السلطة في رام الله من قطع للرواتب وعقوبات وحصار «إسرائيلي» خانق، وكرسها انقسام لا معنى له وتراشق حمساوي- فتحاوي بالاتهامات، يظللها تنسيق أمني بين السلطة والأجهزة الأمنية «الإسرائيلية» ومفاوضات للتهدئة بين (حماس) وسلطات الاحتلال برعاية مصرية، والذي يدفع ثمن ذلك كله «الغزيون».
وأخيراً اكتملت الصورة عندما طفح الكيل وخرجت الجماهير ضد الغلاء تحت شعار «بدنا نعيش» فواجهها أمن (حماس) بالهراوات وأشكال القمع، واعتقل العشرات من المواطنين، مع حديث عن «مؤامرة» و«أجندات خارجية»، حتى لم يعد المرء يفرق بين أمن السلطة وأمن حماس وجنود وشرطة الاحتلال!
ولم تنفع التهديدات «الإسرائيلية» لغزة، ولا الاعتداءات المتواصلة واقتحاماتها لمدن وقرى الضفة الغربية، وعمليات القتل «الإسرائيلي» فيهما، لإقناع القيادتين في رام الله وغزة بأن عدوهما المشترك أولى بالاهتمام، وأهم من العبث الذي تمارسانه ضد بعضهما وضد الجماهير. ففي رام الله بدا الأمر وكأنه لا يخص السلطة فيها، وكل ما تفعله قوات الاحتلال لا يغير شيئاً من مواقفها أو سياساتها، وجاءت استقالة أو إقالة حكومة الحمدالله وتكليف عضو اللجنة المركزية لحركة (فتح) محمد اشتية تأكيداً على توجهاتها الانفصالية التي تتهم بها حركة (حماس)، ولإشغال الساحة في أمر ثبت بعد تشكيل (18) حكومة أنه لا يسمن ولا يغني من جوع! بينما لم تجد حركة (حماس) ما تشغل به الناس في غزة، سوى إطلاق صاروخين مجهولي الهوية، نفت (حماس) علاقتها بهما، اعتبرهما البعض وسيلة للتخلص من الجماهير التي تملأ شوارع غزة احتجاجاً على ظروفها المعيشية! ولما لم يكن في نية أحد الدخول في حرب واسعة، اكتفت حكومة نتنياهو بإرسال طائراتها للقيام بمئة غارة على غزة في أربع وعشرين ساعة، ثم لتوقف غاراتها بعد تدخل الوساطة المصرية للعودة إلى محادثات التهدئة!
وسط هذه «الفوضى الخلاقة» التي تسود «حكماء» أو حكام الساحة الفلسطينية، جاءت «عملية أريئيل» البطولية التي أوقعت ثمانية جنود «إسرائيليين» بين قتيل وجريح، والتي نفذها فدائي أراد، ربما قبل أي شيء، أن يلفت نظر «القيادات» في الجانبين إلى أن هناك ما يجب فعله غير التصرفات غير المسؤولة التي تدمر كل أمل في الخروج من المأزق، وأن هناك عدواً هو الأولى بالعداوة والمواجهة والصراع معه ولا تشفع معه بيانات الرفض أو الإشادة! هذه العملية بالذات وفي هذا الوقت بالذات طرحت جملة من الأسئلة وذكرت (حماس) قبل غيرها بالسؤال الراهن: كيف يمكن للجماهير التي يطلب منها أن تحتشد ل«مسيرة مليونية» بعد أيام أن تستجيب لمن تفنن في قمعها، لأنها خرجت تمارس حقها في التعبير عن رأيها وتطالب بحقها في الكرامة والحياة الكريمة؟
على (حماس) أن تتذكر أنه وإن كانت جماهير غزة قد داومت على الخروج في (51) مسيرة، وقدمت التضحيات دون تردد لإنجاح تلك المسيرات، فإنها لم تخرج تلبية لها أو لغيرها من التنظيمات بل لأنها تريد أن تكسر الحصار عنها وتفتح أبواب الحياة المسدودة في وجهها. وإذا كانت (حماس) أو غيرها تجير هذا الخروج لحسابها، فهي لن تجد من يخرج معها عندما تتساوى في قمع الجماهير مع نظيرتها في رام الله، أو مع سلطات الاحتلال. وليس هناك من يجب أن يفاجئه عدم تجاوبها مع دعوات من لا يحترمون مصالحها ولا يحترمون حقها في التعبير عن رأيها، ومطالبها المحقة والمستحقة. وعليها أن تفهم أن القمع ليس حلاً، وأن جماهير غزة هي عدة المقاومة لمن يريد أن يقاوم، وهي عدة التحرير لمن يريد أن يحرر!!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 84 / 2183342

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع عوني صادق   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

27 من الزوار الآن

2183342 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 24


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40