العملية البطولية التي نفذها الشهيد نمر الجمل في مستوطنة (هار آدار) القريبة من القدس، وقُتل فيها جنديان في الجيش «الإسرائيلي» وثالث في (حرس الحدود)، وأصيب رابع بجراح خطيرة، كل ذلك بمسدس صدئ مسروق من الجيش، هزت (نظريات) الجيش والأمن «الإسرائيليين» حول «تقليص الهجمات» وأربكت السياسيين وأصحاب الرأي في دولة الاحتلال.
في الوقت الذي يتسابق فيه «اليمين» و«اليسار» الصهيونيان، كل في نسبة الفضل الأكبر إليه في المشروع الاستيطاني الصهيوني، ويعبِّران عن عدم دهشتهما لردود الفعل الفلسطينية على الإجراءات والممارسات القمعية ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، بل ويتحدث بعضهم عن ضرورة «إنهاء الاحتلال» والتوصل إلى «حل سياسي» ينهي المواجهة المستمرة بين المغتصبين وأصحاب الأرض، وهو ما يكشف عن حجم الارتباك الذي يعم المستويات العسكرية والسياسية لديهم. وفي مقال نشرته (هآرتس- 2017/9/27)، احتج رئيس حزب العمل الأسبق، رئيس الوزراء السابق، إيهود باراك، لأن اليمين، في احتفالات مرور خمسين عاماً على حرب يونيو/حزيران، لم يُرجع الفضل في الاستيطان في (يهودا والسامرة) إلى اليسار وآباء «العودة إلى أرض إسرائيل»، ويرى في ذلك «محاولة سياسية رخيصة لنسب إنجازات حرب الأيام الستة إلى اليمين»، في وقت كان يجب الاعتراف بأن «مَنْ بلور وقاد الاستيطان خلال عقد من الزمن كان المعراخ»!
ووسط المنافسة الحامية بين اليمين واليسار، غطت عملية الشهيد نمر الجمل على الاحتفالات بالمناسبة، وأظهرت حجم الارتباك الذي تسببت به في أوساط العسكريين والسياسيين في الكيان على حد سواء. فمثلاً، قال عضو الكنيست، رئيس المخابرات السابق، عضو حزب (يوجد مستقبل) يعقوب بيري متعجباً: «العجب أن ينجح مخرب فرد في أن يفاجئ ويقتل أفراداً من الشرطة والجيش، بحيث يجب أن يسأل ويفحص السؤال: كيف فوجئوا، ولماذا لم يردوا ويحيدوا المخرب؟!»، في الوقت نفسه، طرحت العملية ومنفذها مجدداً تساؤلات حول القصور في العمل الاستخباري «الإسرائيلي»، وحول علاقة تصاريح العمل والعقوبات الجماعية بالهجمات، ما إذا زادتها أو قلصتها. وبالنسبة للقصور في العمل الاستخباري، ذكرت المصادر الأمنية «الإسرائيلية» أن منفذ العملية «لا يوجد له ماضٍ أمني»، وهو حاصل على تصريح عمل، أي أن سجله كان قد فُحص جيداً قبل منحه.
باختصار، جددت العملية الخلاف القائم بين المستويين السياسي والأمني «الإسرائيليين»، وكما يقول عاموس هرئيل، المراسل العسكري لصحيفة (هآرتس- 2017/9/28): «الهجوم الخطير أيقظ من جديد خلافاً يشغل المستويين السياسي والأمني منذ عامين، منذ أن نشبت موجة الإرهاب الأخيرة في أكتوبر/تشرين الأول 2015»، وكأنه يريد أن يقول إن «هبة الأقصى» مستمرة، وإن «عملية النمر» تمت في إطارها. ويضيف: «ويتعلق النقاش بمسألة ما هي الخطوات التي يجب اتخاذها بهدف تقليص الهجمات». وفي ما يشبه تقييماً للعملية الفدائية عسكرياً، يقول هرئيل: «نتائج الهجوم في (هار آدار) ليست مأساوية فحسب، بل هي غير محتملة من الزاوية العسكرية».
وفي السياق نفسه، وفي موضوع جدوى العقوبات الجماعية وتأثيرها في المقاومين، قالت صحيفة (معاريف- 2017/9/28): «فضلاً عن الثمن الدموي القاسي للعملية، هناك أيضاً مسألة استراتيجية كامنة. فحقيقة أن منفذ العملية كان يحمل تصريح عمل تتحدى نهج جهاز الأمن الذي رأى في استمرار دخول عشرات آلاف العمال الفلسطينيين أمراً حيوياً لغرض احتواء موجة العنف الحالية والقضاء عليها». وواضح من وجهات النظر المتعارضة في الأوساط «الإسرائيلية» حول هذا الموضوع أن البعض يطالب بوقف إعطاء الفلسطينيين تصاريح عمل، لأن ذلك يسمح بتسرب «المخربين» الذين لا يهمهم ما ينفذ العدو من عقوبات، بينما يرفض البعض الآخر وقف التصاريح لأنها «لن تكون ناجعة، وقد تضر أكثر مما تساعد»، كما أشار إلى ذلك يعقوب بيري في مقاله المشار إليه سابقاً. والحقيقة أن هذا التخبط يكشف سقوط «نظريات الأمن» والعجز عن مواجهة المقاومة التي تأتي كرد فعل طبيعي على ممارسات الاحتلال وقواته وتغول الاستيطان على الأرض.
لقد اعتبر نتنياهو العملية في (هار آدار) «نمطاً جديداً يجب الاستعداد له». والحقيقة أن عدداً من العمليات في الأشهر الأخيرة أظهرت ميلاً إلى التركيز على العمل المسلح وتراجع عمليات الطعن والدهس، ما جعل النتائج مختلفة تماماً لصالح المقاومين، وبحيث كانت الخسائر في صفوف العدو أكبر بكثير. مع ذلك، فإن نتنياهو مضطر دائماً عندما تنفذ عملية بنجاح أن يتذرع بقوله إنها تمثل «نمطاً جديداً» تبريراً لما تقع فيه أجهزته وقوات جيشه من قصور. أما المؤكد فهو أن أبناء الشعب الفلسطيني لن يتوقفوا عن مقاومة الاحتلال ولن يعجزوا عن ابتكار الجديد من الوسائل، ولن تتوقف خسائر المحتلين حتى يقتنعوا بأن تمسكهم بالاحتلال له ثمن مكلف!
الخميس 5 تشرين الأول (أكتوبر) 2017
«عملية النمر» تربك الجنرالات والسياسيين
الخميس 5 تشرين الأول (أكتوبر) 2017
par
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
35 /
2190936
ar أقسام منوعات الكلمة الحرة وفاء الموقف عوني صادق ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
7 من الزوار الآن
2190936 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 7