الخميس 16 نيسان (أبريل) 2015

عن زيارة عباس إلى موسكو

الخميس 16 نيسان (أبريل) 2015 par عوني صادق

زار الرئيس الفلسطيني محمود عباس موسكو رسمياً، واجتمع إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمسؤولين الروس . ورافق عباس في هذه الزيارة “كبير المفاوضين” صائب عريقات، والمتحدث باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة .
وتم أثناء الزيارة التوقيع على ثلاث اتفاقيات في مجالات: الاقتصاد، والاتصالات، ومكافحة غسيل الأموال . لم ترشح تفاصيل ما تم في هذه الزيارة . وبطبيعة الحال، ليس متوقعاً ألا تشمل المحادثات التي أجراها الرئيس الفلسطيني في موسكو الوضع السياسي الفلسطيني والموقف الروسي منه .
وأول ما يتبادر إلى ذهن المتابع، هو أن هذه الزيارة جاءت بعد إعراب الرئيس محمود عباس عن “خيبة أمله” من “الموقف الأمريكي المنحاز ل”إسرائيل“، حتى لو كانت مقررة منذ مدة . ومع أن أحداً لا يتصور أن هذه الزيارة ستقلب”التحالفات“القائمة للطرفين، إلا أن الحديث الذي دار بين عباس وبوتين لا بد أنه تطرق لموضوع كان محور حديث صائب عريقات في مقابلة أجرتها معه وكالة أنباء”شينخوا" الصينية قبل بدء الزيارة بيوم واحد، هو موضوع عقد مؤتمر دولي في موسكو، كان مجلس الأمن الدولي قد دعا إليه أثناء الحرب الثانية على غزة نهاية العام 2008 .
وإذا كان المتابع لتصريحات المسؤولين الكبار في السلطة الفلسطينية، يمكن أن يقع في وهم أنهم يحاربون على جميع الجبهات في وقت واحد، إلا أنه ليس صعباً رؤية الارتباك الشديد الذي يعانونه . فهم من جهة يتحدثون عن تحضير الملفات لمحاكمة “إسرائيل” في الجنائية الدولية، ويصبون على هذه الجبهة ماء بارداً عندما يذكرون الشعب الفلسطيني بأن هذه “المعركة” يمكن أن تأخذ سنوات طويلة (كما جاء في تصريح لوزير الخارجية رياض المالكي)! في الوقت نفسه، تأتي تصريحات الرئيس عباس لتكشف عن استعداده لاستئناف المفاوضات مع بنيامين نتنياهو فوراً ومن دون شروط مسبقة! بينما تأتي دعوة صائب عريقات إلى عقد “المؤتمر الدولي للسلام”!!
ولعل أكثر ما يلفت النظر في إدارة تلك “الحرب”، إلى جانب الارتباك الواضح، هو أن أصحابه عندما يدلون بتصريحاتهم ينسون أنفسهم وينفصلون عن الواقع، فتتحول التصريحات إلى مجرد كلام في الهواء لا تعبر عن مواقف حقيقية أو سياسة ثابتة ومعتمدة، إذ إن بعضها يلغي بعضها الآخر، وكلها لا تستند إلى ما يصنع منها استراتيجية أو شبه استراتيجية ! فمثلاً، يقول صائب عريقات بثقة كبيرة: “إن اقتراح المؤتمر الدولي للسلام سيكون لوضع جدول زمني لإنهاء الاحتلال”الإسرائيلي“”! هكذا ببساطة، وينسى عريقات أن القرار الذي يتحدث عنه مضى عليه أكثر من ست سنوات، ولحقته محاولة فاشلة للسلطة للحصول على قرار مماثل من مجلس الأمن، من دون أن تتغير الظروف، باستثناء الانضمام إلى الجنائية الدولية!
ويستثير العجب، ويؤكد عدم وجود استراتيجية في تحركات السلطة الفلسطينية، ذلك التوضيح الذي قدمه عريقات لأسباب هذه الدعوة، فهو يقول: إن هذه الدعوة هي “رد فعل على تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو التي أثبتت أنه لا يريد لدولة فلسطينية أن ترى النور” في عهده! وإذا تذكرنا أن هناك اليوم محاولات أمريكية وفرنسية، وربما أخرى، لإحياء المفاوضات المباشرة، يصح أن نتوقع أن تعود السلطة عن دعوتها لعقد “المؤتمر الدولي” !!
وفي الوقت الذي تظهر الوقائع أن ما يجري في المنطقة العربية من اضطرابات من جهة، وما تتسبب به سياسات السلطة الفلسطينية من إحباط ويأس وأحياناً عدم مبالاة لدى الجماهير الفلسطينية، جعل القضية الفلسطينية في أدنى درجات سلم الاهتمام الدولي والعربي، نسمع عريقات يقول: “رغم تصاعد الاضطرابات وخاصة في اليمن، إلا أن الوضع الفلسطيني لا يزال مركز القضايا العربية” وأن القضية الفلسطينية “هي الموضوع الأكثر أهمية في قلوب وعقول العرب والمسلمين”!!
أما إن كانت هناك آمال معلقة على روسيا بوتين، خصوصا أن مجلس الأمن في قراره عقد “مؤتمر دولي للسلام” كان قد اختار روسيا مكاناً له، فعلى عريقات ألا يحلم كثيراً، لأن بوتين أقرب إلى تل أبيب منه إلى رام الله، أو أي عاصمة عربية . ومنذ سقوط الاتحاد السوفييتي العام ،1991 عاد الدفء إلى العلاقات الروسية- “الإسرائيلية”، وتوثقت في عهد بوتين . وهناك مؤشرات كثيرة، اقتصادية وسياسية وعسكرية، تظهر عمق هذه العلاقات اليوم . فالتبادل التجاري بين البلدين وصل إلى ثلاثة مليارات دولار، كما تقرر مؤخراً إنشاء هاتف مشفر بين بوتين ونتنياهو، الأمر الذي له مغزاه ودلالته . وتل أبيب اقتصادياً وسياسياً بالنسبة لبوتين، كما يرى نيكولاي سوركوف (الأستاذ المساعد في قسم الاستشراق في معهد موسكو للعلاقات الدولية، التابع للخارجية الروسية)، “أكثر أهمية من كل الدول العربية”! ولقد قويت بينهما أثناء الأزمة الأوكرانية، فلم تنتقد “إسرائيل” الموقف الروسي، ولم يكن لموسكو أي موقف أثناء الحرب “الإسرائيلية” الثالثة على غزة . فضلاً عن ذلك، فإن بوتين يعرف أن محمود عباس لا يستطيع أن يفك ارتباطه بواشنطن، التي قال عنها عباس: “إنه لا يمكن الاستغناء عنها”!!
وعليه، فإن زيارة الرئيس محمود عباس لن تكون من الناحية السياسية أكثر من “زيارة بروتوكولية”!!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2178333

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع عوني صادق   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2178333 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40