السبت 14 شباط (فبراير) 2015

من حديث “الجنائية” إلى استئناف المفاوضات

السبت 14 شباط (فبراير) 2015 par عوني صادق

عندما توقفت المفاوضات المباشرة بين الحكومة “الإسرائيلية” والسلطة الفلسطينية في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، بدأ الحديث عن نية السلطة بالتوجه إلى مجلس الأمن و“المنظمات الدولية”، أولاً بهدف استصدار قرار بإنهاء الاحتلال الفلسطيني للأراضي الفلسطينية المحتلة العام ،1967 وثانياً لمحاسبة “إسرائيل” على الجرائم التي اقترفتها في حربها الثالثة على غزة . وكان معروفاً للجميع أن الفشل ينتظر الذاهبين إلى مجلس الأمن، وقد تحقق هذا الفشل فعلاً، ما استدعى رفع الصوت من جديد تحت راية “الانضمام للمنظمات الدولية والجنائية الدولية” . والحقيقة أن الفشل الذي لحق بالسلطة الفلسطينية في مجلس الأمن، كان حرياً بأن يطوي الحديث حول هذا المسرب، لكن المثير للاستغراب أنه بدأ من جديد يعلو ثم ليهدأ، مفسحاً الساحة لمتابعة الحديث عن الانضمام للجنائية الدولية والتحضيرات اللازمة لمواجهة “إسرائيل” فيها، حتى غطى هذا الحديث على كل ما عداه، ولا يزال .
لكن في الآونة الآخيرة، بدا وكأن “انعطافة” على وشك أن تحدث، وتتمثل في محاولة جديدة لاستئناف المفاوضات المباشرة المتوقفة، والتي يفترض أن السلطة الفلسطينية قد تركتها واستقرت على الاستعداد للمواجهة في “الجنائية الدولية” . وبالرغم من أن الرئيس محمود عباس وسط محاولاته لاستصدار قرار من مجلس الأمن ينهي الاحتلال، ووسط حديثه عن “معركة” الجنائية الدولية، وتشكيله مؤخراً “لجنة وطنية عليا” لمتابعة التحضيرات لها، إلا أنه لم يقل يوماً بأنه غير مستعد للعودة إلى المفاوضات، بل العكس هو ما عبر عنه مشترطاً لذلك “وقف الاستيطان”! والمتابع للأمور يلفت نظره ما صدر عن بعض الأصوات القريبة من السلطتين، الفلسطينية و“الإسرائيلية”، فضلاً عن تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة، واللجنة الرباعية الدولية، وخصوصاً مواقف الخارجية الأمريكية الثابتة، وكلها تشير إلى اتجاه واحد واضح يفيد أنه صار من المحبذ، وربما من المناسب، أن تستأنف المفاوضات المباشرة بأسرع وقت ممكن .
فبالنسبة للسلطة الفلسطينية، تحركت بعض الأقلام لتنفض الغبار المتراكم على شعار “الكفاح المسلح”، ليس لوضعه مجدداً موضع التطبيق، بل لإثبات أنه لم يعد يصلح للمرحلة، ولا فائدة من الاستمرار في ترديده . وهذا يثير التساؤل عن السبب الذي أعاد هذا الحديث في الموضوع، حيث إنه دفن نهائياً بالنسبة للسلطة الفلسطينية مع الرئيس الراحل ياسر عرفات، وكان بالنسبة للأخير ورقة لعب احتياطية منذ التوقيع على اتفاق أوسلو . فالرئيس محمود عباس لم يترك مناسبة منذ رحيل عرفات، إلا وأكد فيها أنه “لن يسمح بالعودة إلى الكفاح المسلح” أو العودة إلى الانتفاضة، أو إلى أي شكل من أشكال “العنف” ضد “إسرائيل”، مكتفياً بما يسميه “المقاومة الشعبية” . فلماذا إذاً هذا الحديث الآن؟ من الصعب أن يجد المرء تفسيراً لهذه العودة، إلا أن يقصد بها القول: صحيح أننا نستعد للمواجهة القانونية والمعركة القادمة في “الجنائية الدولية”، والمواجهات الأخرى في المنظمات الدولية الأخرى، إلا أنه علينا أن نعرف أن هذه لن تكون سهلة أو مضمونة، ولذلك إن أمكن استئناف المفاوضات “بشروط مرضية”، فإن ذلك هو الأصلح والأكثر فائدة لنا .
ترافق ذلك مع اجتماع للجنة الرباعية الدولية في ميونيخ على هامش مؤتمر الأمن الذي انعقد هناك . وفي بيان صادر عن اللجنة يوم 8-2-،2015 دعت اللجنة إلى استئناف المفاوضات “في أقرب فرصة، للوصول إلى حل عادل ودائم وشامل على أساس قرارات مجلس الأمن 242 و338 ومبادئ مؤتمر مدريد بما في ذلك مبدأ الأرض مقابل السلام، والاتفاقات الموقعة بين الطرفين”!
ومع أن هذه “الدعوة” تبدو كنكتة قديمة لم تعد تقدر على استثارة حتى الابتسام، إلا أن الجوهري فيها يظل الحديث عن ضرورة استئناف المفاوضات . وقد أشارت اللجنة في بيانها إلى أهمية “مبادرة السلام العربية”، وإلى أنه “في انتظار استئناف المفاوضات” دعت اللجنة إلى “الامتناع عن الأعمال التي تقوض الثقة أو تؤثر مسبقاً في قضايا الوضع النهائي”!! والمقصود بتلك “الأعمال”، دون شك، هو ذهاب السلطة الفلسطينية إلى “الجنائية الدولية”، و“الاستيطان”!! وفي هذا الإطار، قالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فيدريكا موغيريني، إن اللجنة “تحضر لاستئناف المفاوضات في أقرب فرصة”! وأضافت: “الآن وبعد أن أصبحت المنطقة مضطربة أكثر من أي وقت مضى، أصبح من الضروري إيجاد طرق لإعادة عملية السلام في الشرق الأوسط إلى مسارها الصحيح”، مشيرة إلى أهمية “مبادرة السلام العربية” ودورها في تحقيق هذا الهدف!!
في الوقت نفسه، ووسط انشغال الكيان الصهيوني بانتخابات الكنيست العشرين، والتحذير من انفجار الوضع في غزة، وتدهور الوضع الأمني في الضفة، كتب رئيس جهاز “الموساد” السابق، داني ياتوم، مقالاً في صحيفة (“يديعوت أحرونوت” - 9-2-2015) يتناغم مع بيان اللجنة الرباعية ودعوتها لاستئناف المفاوضات، ويزيد عليها بمطالبة حكومة كيانه ومقترحاً التقدم ب“مبادرة سلام” وضع تفاصيلها، وقال مبرراً ومحذراً: “. . . في ظل غياب مبادرة سلام، فإن وضعنا سيواصل التدهور، والحرب والعنف سيستمران، وسيتعاظم الضغط الدولي علينا لإقامة دولة ثنائية القومية، وسيعمق عزلتنا”! واقتراح ياتوم يضعه في “إطار المسيرة السلمية” ويتداخل مع “مبادرة السلام العربية”، مؤكداً أن “إسرائيل” ملزمة بالمبادرة إلى استئناف المفاوضات السياسية!!
إزاء ذلك، هل من السذاجة أن يتوقع المراقب “انعطافة” جديدة من جانب السلطة الفلسطينية نحو استئناف المفاوضات من جديد، خصوصاً أنها هي التي حشرت نفسها، ولا تزال، في هذا المسرب الضيق؟!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2177679

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع عوني صادق   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2177679 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40