قضينا أعيادا بطعم التضحية من أجل قضية عادلة أو في سبيل الله والوطن، ولكننا لم نقضيها كما هي هذه المرة مع إخوة لنا في فلسطين.. عشنا مع ما عاشه إخواننا في مختلف البلاد العربية في السنوات الماضية وهم يكافحون من أجل الكرامة أو رفع الظلم أو استعادة الحقوق... ولكننا لم نحس ذات الإحساس الذي نحسه اليوم، ولا وصلتنا الرسالة التي تصلنا اليوم من غزة وفلسطين.
في أغلب البلاد العربية الاقتتال أو النزاع أو سفك للدماء هو من صنيع أنفسنا، وإن لعبت فيه اليد الأجنبية دور، هو صراع حول السلطة أو حول النفوذ والمصالح، قد يراودنا شك بأنه في خدمة أجندات أجنبية تم إعدادها بإحكام، وقد ننقسم بشأنه بين رافض أو مؤيد، بين كونه عادلا أو غير عادل، مقبولا أو غير مقبول.. في أغلب البلاد العربية والإسلامية التي تعرف صراعات أو نزاعات أو حروب داخلية قد نقول أنه كان بإمكاننا تجنب ما حدث، أو أنه مازالت أمامنا إمكانية تجاوز ما حدث، إن في الشام أو العراق أو مصر أو اليمن أو غيرها من مناطق النزاع التي تعرفها أمتنا..
أما في فلسطين فالوضع مختلف، طبيعة الصراع مختلفة والغاية من الصراع مختلفة.
في فلسطين الصراع أعمق من نزاع حول السلطة أو تجاذب حول النفوذ أو تضارب في المصالح، أو تدخل لقوى أجنبية، إنه محصلة كل هذه نتيجتها وسببها في آن واحد: إنه صراع حضاري بكل ما تحمل الكلمة من معنى..
ولذلك فالحرب في فلسطين هي من طبيعة أخرى، والتضحية فيها لها غايات أخرى، والدماء التي تسيل لها مبررات أخرى، والأحزان والمآسي التي نراها كل يوم ليست سوى ضريبة السعي لتحرير مركز السيطرة على قلب الأمة نيابة عن كل فرد فيها.
ولذلك فإنه إذا كان علينا أن نحزن اليوم، فليس لأنهم يدافعون بشرف عن الأرض المباركة والقدس الشريف، وليس لأنفهم يدفعون الثمن غاليا لأجل ذلك، وليس لأنهم يُقتَلون وتُدمَّر المنازل على رؤوسهم ويُشرَّدون ويَبيتون في العراء، وليس لأنهم يعيشون المأساة بكل ما يحمل ذلك من معنى.. بل علينا أن نحزن لأننا قد ننسى أنهم لا يدافعون كما نحن، كل على أرضه أو عرضه أو حقه، بل يدافعون عن أرضنا جميعا وعرضنا جميعا ومقدساتنا جميعا وحضارتنا جميعا، ويخشون أن ننسى ذلك ونتعامل مع حزنهم كما لو كان في أرض أخرى هي غير فلسطين رمز وجودنا أو لاوجودنا الحضاري.