الخميس 3 حزيران (يونيو) 2010

المنطقة إلى أين؟!

الخميس 3 حزيران (يونيو) 2010 par د. يوسف مكي

المشهد السياسي في المنطقة العربية، وما حولها، يبدو قلقا ومضطربا وكئيبا. والأيام القادمة تبدو حبلى ببراكين وأعاصير، قابلة لما هو أسوأ من كل الاحتمالات. والتنبؤ هذا، ليس نتاج قراءة فنجان لعابرة طريق غجرية. بمعنى آخر، إنه ليس رجما بالغيب، ولكن جملة من الحقائق والأحداث، والمقاربات التاريخية تؤكد ما توصلنا إليه.

أولى هذه الحقائق، أن ملفات الأزمات المفتوحة، في كثير من بلداننا العربية، أصبحت حلولها بحاجة إلى مخارج غير تقليدية. وقائمة هذه الأزمات المفتوحة طويلة، لسنا بحاجة لتسميتها من جديد. هناك على سبيل المثال لا الحصر، الأوضاع الملتهبة في العراق، وأزمة الملف النووي الإيراني، والأوضاع المتشظية في السودان واليمن، وحصار غزة، وتآكل الحقوق الفلسطينية بالضفة الغربية، ومدينة القدس العربية..

وهناك في المقابل تضارب، فيما يتعلق بالجبهة السورية مع العدو الصهيوني. فمن جهة هناك حديث عن احتمال بدء مفاوضات، برعاية تركية بين السوريين والإسرائيليين، للتوصل إلى تسوية سلمية، تضمن استرداد سوريا لمرتفعات الجولان، مقابل إنهاء حالة الحرب مع الصهاينة. ومن جهة أخرى، هناك اتهامات إسرائيلية لسورية، بتزويد حزب الله اللبناني، بأسلحة مطورة، بعيدة المدة من نوع سكود، قادرة على الوصول إلى أبعد نقطة، من المدن التي تحت سيطرة الكيان الغاصب. إن ذلك، من وجهة النظر الصهيوينة، يمثل تهديدا استراتيجيا لإسرائيل، ينبغي لجمه، والحيلولة دون تحققه، باستخدام مختلف الوسائل، بما في ذلك الحرب.

إن لغة التصعيد هذه تتزامن مع مناورات عسكرية إسرائيلية واسعة، شملت تدريبا للمدنيين على التعامل مع الهجمات الصاروخية، التي يمكن أن تشن عبر حدود لبنان وسوريا وقطاع غزة. وقد دفعت تلك المناورات بإعلان حالة التأهب القصوى في صفوف حزب الله اللبناني، وقيام الحكومة السورية بتحذير الكيان الصهيوني، من مغبة إقدامه على ارتكاب أية مغامرة عسكرية ضدها.

في العراق، رغم أن الانتخابات جرت في ظل الحراب الأمريكية، وتدخلات إقليمية قوية من القوى التي تضمر الشر للأمة، جاءت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، لتؤكد فشل إعادة تشكيل الدولة العراقية، على أسس محاصصات الطوائف والإثنيات. واتضح أن خيار شعب العراق، كما كان أبدا، هو التمسك بعروبته، وبتاريخه، والوقوف بحسم ضد مشاريع التفتيت. وليسقط للأبد زيف أكذوبة المثلث السني، حيث أكد أبناء النجف وكربلاء والعمارة والناصرية، أنهم ليسوا أقل حرصا على عروبة بلادهم من أشقائهم في الأنبار والموصل وبعقوبة. وليتوج فشل مشروع الاحتلال بفشل آخر، للعملية السياسية، التي انبثق عنها دستور المندوب السامي، برايمرز.

لكن ذلك لا يعني أن ليس أمام العراق، طريق طويلة، ومهام شاقة، حتى يتحقق أمنه واستقراره. فالذين استغلوا محنة العراق، والفوضى التي صاحبت إسقاط الدولة الوطنية، معتقدين أن ساعة الانتقام من التاريخ قد حانت. لن يسلموا بسهولة بعودة العراق إلى عمقه العربي والإسلامي. وسيجيشون الجيوش، ويزجوا بكل إمكانياتهم وطاقاتهم، ليبقى البلد ضعيفا ومفتتا. وسيعملون على حرف الصراع في أرض السواد، من صراع يهدف إلى إعادة الاعتبار للهوية العراقية، التي استمدت حضورها من ارتباطها بالعمق العربي، إلى صراع طائفي، بين العراقيين أنفسهم.
والأوضاع في اليمن والسودان ولبنان، وعدد آخر من البلدان العربية، محملة هي الأخرى، بما لا يبعث على الأمن والطمأنينة. فهناك قلق من تحفيز الصراعات الطائفية والإثنية، وهناك احتمالات السطو على مياه الأنهار الكبرى، التي شاءت حقائق الجغرافيا، أن تكون معظم منابعها من خارج الوطن العربي.

المنطقة إلى أين؟ سؤال ملح ومقلق، ليس علينا أن نتجاوزه، أو أن نمر عليه مرور الكرام. فالقراءة الدقيقة وحدها هي التي تجعلنا نعي ما يترتب علينا من إعداد للمخاطر، ولمستلزمات المواجهة.

ولعلي أتجرأ في هذا السياق، فأقصر التركيز على قضيتين ساخنتين، سيتم تناولهما بالمناقشة والتحليل، في هذا الحديث، وفي حديث قادم بإذن الله، لتأثيرهما الكبير على مستقبل الأوضاع السياسية في منطقتنا العربية. أولاهما، منحى الصراع في الأيام القادمة بين العرب والكيان الغاصب. والآخر، قضية انسحاب المحتل الأمريكي، من العراق، المقرر أن يكون عام 2011، وعلاقة التطورات المقبلة بالملف الإيراني. وبالسياسات الأمريكية في المنطقة.

فيما يتعلق بالصراع العربي- الصهيوني، يجدر التنبه إلى نقطتين مهمتين، لا يمكن إغفالهما، لوعي مسار الأحداث، التي يمكن أن تأخذ شكلا دراماتيكيا في أية لحظة، بحيث تتحول إلى حرب شاملة، يشنها الكيان الغاصب ضد سوريا ولبنان.
النقطة الأولى: أن آخر اصطدام عسكري مباشر، بين الجيش الإسرائيلي والقوات السورية، يعود إلى صيف عام 1982، أثناء الغزو الإسرائيلي لمدينة بيروت. وكانت مواجهة محدودة، لم ترغب إسرائيل ولا القيادة السورية، في تحويلها إلى حرب شاملة. وتعلل القيادة السورية، ذلك بأنها لن تدع للكيان الصهيوني فسحة تحديد زمان ومكان المعركة، وأن ما تعمل سوريا من أجله، في هذا الصدد، هو تحقيق التوازن الاستراتيجي مع العدو، كمقدمة لازمة لأية مواجهة مستقبلية. معنى ذلك، أنه مضى ما يقرب من ثلاثة عقود على آخر مواجهة عسكرية مباشرة، بين سوريا والكيان الغاصب.

إن هدوء الجبهة السورية - الإسرائيلية لفترة اقتربت من ثلاثة عقود، هو أمر غير مألوف، وخارج سياق سياسة الصهاينة، التي هدفت لعدم ترك فسحة لأي قطر عربي، لبناء قوته العسكرية. الأمر الذي كان من شأنه استمرار العدوان، بصيغة الحرب الشاملة على بلدان المواجهة، في دورة لا تتجاوز العقد من الزمن.

هذه السياسة، جرى تبنيها منذ وقت مبكر، من قبل أول حكومة إسرائيلية، بعد نكبة فلسطين مباشرة. إن موسى شاريت رئيس أول حكومة إسرائيلية، يشير إلى ذلك صراحة في مذكراته. حيث يؤكد أن الصهاينة اتخذوا قرارا استراتيجيا بعد العدوان الثلاثي عام1956، بعدم ترك المجال لأي قطر عربي، ضمن بلدان المواجهة من استكمال بناء قوته العسكرية. وأن التخطيط لحرب يونيو/ حزيران، بما في ذلك تحديد الزمن التقريبي لشن الحرب قد اتخذ في نفس العام الذي تمت فيه صياغة الاستراتيجية الصهيونية.

لماذا إذن بقيت جبهة الصراع على الحدود السورية - الفلسطينية هادئة طيلة هذه الفترة؟ بمعنى آخر، لماذا خرج الصهاينة على سياقاتهم المعروفة تجاه استنزافهم لسوريا؟.

الجواب يكمن في المتغيرات التي حدثت في المنطقة طيلة الثلاثة عقود المنصرمة. فقد انشغلت الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف الاستراتيجي للكيان الصهيوني، بحرب الخليج الثانية، في الفترة الزمنية التقريبية التي كان يمكن أن تحدث فيها مواجهة عسكرية مع سوريا. ثم تبع ذلك انعقاد مؤتمر مدريد، والمباحثات المكوكية في واشنطون بين مختلف الغرماء من أجل التوصل إلى تسوية سلمية لما هو معروف بأزمة الشرق الأوسط. وتمكن الإسرائيليون خلال فترة التسعينيات، بتبني سياسة التهدئة، مع الجبهات العربية، من إنجاز هدفين تاريخيين: توقيع اتفاقية وادي عربة، وتوقيع اتفاقية أوسلو.
والانجازان باهران، بكل المقاييس، حيث لم يقدم الصهاينة، أي ثمن مقابل تحقيقهما. بل العكس من ذلك هو الذي حدث، حيث انهالت المساعدات والدعم، بمختلف أشكاله، على الكيان الغاصب من الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية، بشكل لم يحدث مطلقا طيلة تاريخ هذا الكيان.

على الجبهة اللبنانية، شن الكيان الغاصب عدوان على الجنوب اللبناني في يوليو عام 2006، اعتبرته وزيرة الخارجية الأمريكية في حينه، كونداليزا رايس جزءا من مخاض الولادة الجديدة للشرق الأوسط, وقد أشارت حكومة إيهود أولمرت الإسرائيلية، أن العدوان على لبنان، يمثل جزءا من استراتيجية اسرائيلية، لصياغة خارطة تشمل الحدود النهائية لدولة إسرائيل، ضمن حدود آمنة وضمانات دولية. وأيضا تنفيذ القرار رقم 1559 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي ببسط سيادة الدولة اللبنانية على جميع الأراضي وتفكيك الميليشيات اللبنانية ونزع أسلحتها.

وقد جاءت تصريحات أولمورت متماهية مع تصريحات أخرى، لوزيرة الخارجية الأمريكية، التي اعتبرت تصفية حزب الله اللبناني، مدخلا صحيحا لقيام شرق أوسط جديد، وأن وقف إطلاق النار لن يصمد مالم تتم معالجة ما تعتبره واشنطون جذور النزاع، وهو تهديد إسرائيل من قبل جيرانها العرب، والدعم الذي تقدمه سوريا وإيران لدعم الإرهاب في لبنان.
واقع الحال، أن حرب يوليو 2006 على لبنان، لم تكن نزهة سهلة، كما توقعها« الإسرائيليون،» بل دفعوا أكلافها دما وعتادا وهزيمة، ولذلك فإنها من وجهة نظرهم حرب لم تكتمل بعد.

الحديث عن عودة للمفاوضات، برعاية تركية بين سوريا «وإسرائيل»، أمر لا يبدو منطقيا، من وجهة النظر الصهيونية، طالما لا تزال سوريا تحتفظ بقوتها وترسانتها العسكرية. فالسلام من وجهة النظر الصهيونية، وكما يعبر عنه مايكل روبين، الخبير في مؤسسة أمريكا انتربرايز لا يتحقق بين أطراف متكافئة، بل بين طرف قوي وطرف ضعيف.
والدبلوماسية ليس لها موقعا في صياغة السياسة، لأنها تكون ناجحة فقط عندما يتمكن الكيان الصهيوني من استئصال أعدائه.
قرع طبول الحرب لا تأتي من فراغ، واتهامات سوريا بتزويد حزب الله بأسلحة سكود ليست سوى الخطوة الأولى على طريق العد التنازلي، وما نراه من وميض النار، سيفصح عن ضرامه، أما ما سوف يتمخض عن ذلك من نتائج، فهو رهن للإرادة، والقدرة على إدارة المواجهة. ولن يكون علينا سوى الإنتظار.

ويبقى السؤال قائما إلى حديث آخر: المنطقة إلى أين؟!

editor@arabrenewal.com



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 38 / 2182828

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2182828 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40