السبت 16 نيسان (أبريل) 2016

المفاوضات السرية والمعارك العلنية

السبت 16 نيسان (أبريل) 2016 par عوني صادق

في لقائه التلفزيوني مع القناة «الإسرائيلية» الثانية، أجمل وجدّد الرئيس محمود عباس، كل مواقفه المعروفة، من رفضه لما يسميه العنف، إلى تمسكه بما يسميه «المقاومة السلمية»، إلى عدم تخليه عن «التنسيق الأمني»، إلى بذل كل ما يستطيع لإنهاء الهبّة الشعبية، بما في ذلك اعتقال الشباب، وتفتيش حقائب طلاب المدارس، واستعداده للقاء بنيامين نتنياهو، والعودة إلى المفاوضات، متجاهلاً إعلاناته السابقة عن عدم العودة إليها إلّا بعد موافقة الحكومة «الإسرائيلية» على «شروطه» الثلاثة (وقف الاستيطان، الإفراج عن معتقلين، الإعلان عن قبول حل الدولتين)، متجاهلاً أيضاً قرارات المجلس المركزي واللجنة التنفيذية، والمجلس الثوري لحركة (فتح) ومجلسه المركزي!
في الوقت نفسه، لم يتوقف الرئيس عباس عن سعيه وإصراره على استصدار قرارات دولية، آخرها عن مجلس الأمن الدولي، للتنديد باستمرار عمليات الاستيطان، وأيضاً بمحاكمة قادة الكيان الصهيوني، أمام «الجنائية الدولية» على الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال والمستوطنين ضد أبناء الشعب الفلسطيني. وفي نظرة سريعة، تبدو هذه معارك وهمية للتغطية على السياسات والرسائل التي تتبعها وتوجهها سلطة رام الله للحكومة «الإسرائيلية»، بحيث تنتهي هذه المعارك في اللحظة التي تنجح فيها رسالة، فتفتح الطريق مجدداً إلى المفاوضات!
لكن المتابع يشك في جدية أي موقف تعلنه السلطة، بما في ذلك الذي يوافق هوى سلطات الاحتلال، لتبدو الأمور ليس أكثر من سد للفراغ، وتغطية على مفاوضات سرية تُجرى بين ممثلي السلطة والاحتلال، لا يعرف عنها الشعب، ولا بعض الناطقين زوراً باسمه شيئاً! وعلى سبيل المثال، جاء في رسائل الرئيس الموجهة عبر اللقاء التلفزيوني مع القناة الثانية ««الإسرائيلية»» أنه «في حال توجيه دعوة إليه من رئيس الحكومة «الإسرائيلية»، سيقوم بتلبيتها». وبعد ذلك بيوم واحد، أعلن بنيامين نتنياهو أنه «يوجه دعوة إلى عباس لزيارة القدس، وأنه سيكون جاهزاً لعقد اللقاء»! في الوقت نفسه، أعلن رئيس الكيان رؤوبين ريفلين، استعداده أيضاً للقاء عباس «إن كان جاداً»! لكن ذلك لم يحدث! وبعد تصريحات عباس ونتنياهو بيومين، نشبت «معركة» جديدة بين الرجلين. فمن جهة، وزعت البعثة الفلسطينية مسودة قرار على ممثلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن «للتنديد باستمرار عمليات الاستيطان»، ومن جهة ثانية رد نتنياهو باستنكار «خطة السلطة الفلسطينية الرامية إلى طرح مشروع قرار على جدول أعمال مجلس الأمن الدولي، ينص على إدانة «إسرائيل»، مؤكداً أن «هذه الخطوة تبعد مفاوضات السلام»، وأن تحقيق السلام ليس له من طريق إلّا «المفاوضات المباشرة»، ومتهماً الرئيس عباس بالتهرب من المفاوضات، والفلسطينيين بأنهم غير راغبين بالتوصل إلى السلام!
الطريف أن هذه «المطارحات» تتم في وقت تُجرى فيه مفاوضات سرية، كشفت عنها صحيفة (هآرتس) يوم 13/3/206، أي قبل حوالي شهر، ولا تزال مستمرة حول «إعادة انتشار قوات الاحتلال في الضفة»، بهدف إخراج مدينتي رام الله وأريحا من مناطق تواجد الجيش «الإسرائيلي» «إلّا في حالات الطوارئ»!! وبعد انكشاف الأمر، لم يعد ممكناً إنكار هذه المفاوضات من جانب السلطة الفلسطينية ورموزها، فصاروا يتحدثون عن «مفاوضات أمنية لمنع الاجتياحات «الإسرائيلية»! وبينما تكشف الصحف «الإسرائيلية»، ومراسلوها العسكريون عن «إحراز تقدم في المفاوضات»، ينفي مسؤولو السلطة حصول هذا التقدم!
الأطرف أنه سبق للرئيس عباس، ولصائب عريقات، أن أعلنا رفض «المفاوضات الجزئية» و«الحلول الجزئية والمؤقتة»! وبطبيعة الحال، فقول السلطة إنها «مفاوضات أمنية» لا يغير من دلالاتها أو نتائجها السياسية. ويرى بعض المراقبين أن الهدف الحقيقي لسلطات الاحتلال من دخول هذه المفاوضات، يأتي في إطار «التنسيق الأمني»، لإنهاء الهبّة الشعبية، ومنح السلطة ما يمكن أن تسوقه كإنجاز لها، يساعد في تحقيق هذا الهدف! ومع ذلك، هناك من يرى أن هذه المفاوضات عادت بالوضع إلى العام 1994 ومفاوضات الحكم الذاتي، والتي قسمت الضفة إلى مناطق (أ وب وج)! دليل ذلك ما صرح به، نتنياهو معلقاً على هذه «المفاوضات الأمنية» بالقول: إن«حرية عمل الجيش «الإسرائيلي» في مناطق السلطة الفلسطينية، هو أمر مقدس، وأنه لن يسمح بالعودة إلى ما كان عليه الوضع قبل العام 2000»! في عبارة أخرى، نتنياهو لا يعترف أصلاً بوجود مناطق تخضع للسلطة الفلسطينية!
في ضوء ذلك، لا تبقى حاجة للتساؤل عن حقيقة وقيمة تلك «المعارك الوهمية»، والغبار الذي تثيره السلطة الفلسطينية في مجلس الأمن ومؤسسات الأمم المتحدة المختلفة، لأن أصحابها أنفسهم لا يقصدون منها الوصول إلى قرارات أو نتائج، بدليل تراجعهم عنها، أكثر من مرة، بل يقصدون مجرد الإلهاء وتمضية الوقت، والتغطية على ما يرتكبون من خطايا على الأرض!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2182406

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع عوني صادق   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2182406 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40