اللبناني الغيور على سمعة بلده واستقراره، تمنى لو أن الأطراف اللبنانيين لم يطرحوا للنقاش، مسألة حق الفلسطينيين في العمل والتملك. قبل فتح الملف، كان بعضهم يعتقد بأن الظروف تغيّرت، وأن لبنان تجاوز مخاوفه القديمة، لكن ما جرى خلال الأيام القليلة الماضية، كشف واقعاً أسوأ بكثير من صورة الماضي.
المواد الست التي طرحها نواب 14 آذار، صيغت بطريقة بالغت في إرضاء كل الأطراف، الى درجة أنها لم تقدم شيئاً للفلسطينيين. كُتِبت بحذر سياسي، وسعت الى إرضاء الحلفاء على حساب البلد. ومنحت حقوقاً متواضعة، مثقلة بهاجس التوطين، والتشديد على الربط بين هوية اللاجئ الفلسطيني والحصول على حقوقه، فضلاً عن انها تجاهلت حق التملّك الذي يعتبر أهم حق له، لكنه نقطة الخلاف الأساسية، خصوصاً مع حزب «الكتائب» الذي يرى ان التملّك يعني التوطين.
الموقف من حق التملّك يثير الاستغراب. فجميع الأطراف يدرك أن هذا حق كان موجوداً حتى منتصف التسعينات من القرن العشرين، ومع ذلك لم يغيّر المعادلة، ناهيك عن ان جميع الفلسطينيين الذين يحملون جوازات سفر عربية يستطيعون التملّك. لماذا التشدد مع اللاجئين في لبنان؟
قضية الفلسطيني في لبنان ليست في حاجة الى قوانين، وحوارات وشعارات، بمقدار حاجتها الى موقف أخلاقي. بعض السياسيين في لبنان اصبح اشد تطرفاً من اليمين «الإسرائيلي» تجاه الفلسطيني. فالأخير اصبح يرفض فصل الإنسان الفلسطيني عن أرضه، ويطالب بضم الضفة الغربية، ومنح سكانها الجنسية «الإسرائيلية»، وهو ما يسمى حل الدولة الواحدة، ضمن إطار الدولة اليهودية. أما في لبنان فما زال الفلسطيني يُعامَل مثل الأجرب، ويُميَّز عن بقية سكان الأرض، على رغم أن تغيير أوضاع الفلسطينيين في لبنان يصب في مصلحة هذا البلد.
الأكيد أن قرار التوطين لن يتأثر بحق التملك والعمل وفرص التعليم. وهذا التشدد تجاه الفلسطيني لن يكسب منه لبنان سوى سوء السمعة. التوطين آتٍ لا محالة. والقضية مسألة وقت. فلماذا لا يقدم لبنان السبت حتى يجد الأحد، عوضاً عن زرع الحقد في نفس المواطن اللبناني الآتي من المخيمات؟ لماذا لا يستغل حزب «الكتائب» فرصة نقاش الحقوق الفلسطينية، ويكفّر عن ذنوبه خلال الحرب الأهلية؟
إنها فرصة للجميع، قبل أن يصبح سكان المخيمات مواطنين لبنانيين وتبدأ حرب من نوع آخر.