عندما نقلت وسائل الإعلام عن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري تحذيره ل“إسرائيل” من أنها قد تتحول إلى “دولة” فصل عنصري إلا في حال حل الدولتين، وحدهم متجاهلو التاريخ صدّقوا هذا الكلام واعتبروه موقفاً أمريكياً جديداً ينم عن كون الإدارة الأمريكية ضاقت ذرعاً بإفشال “إسرائيل” جهود واشنطن الناعمة في عملية التسوية .
كالعادة واستناداً لتجارب عديدة ومنهج راسخ، كان متوقّعاً بعد نقل التصريحات التي قيل إن كيري أدلى بها في اجتماع مغلق، أن يصدر بعد ذلك أحد موقفين عن الإدارة الأمريكية أو خارجيتها أو كيري نفسه، الأول يحمل توضيحاً بأن الأقوال حرّفت أو أخرجت من سياقها أو أن النقل كان مبتوراً، وأن كيري بالمحصّلة لم يصدر عنه ما يفهم منه انتقاد قوي ل“إسرائيل”، والثاني نفي التصريحات من الأساس وإنكار الظرف الذي نسبت إليه .
وفي نفيهم لتصريحات تتضمن انتقاداً ل“إسرائيل” يعمد المسؤولون الامريكيون والغربيون إلى عدم الاكتفاء بالنفي، بل يذهبون بعيداً في محاولة إرضاء حليفتهم المدلّلة والتغزّل بها والغرف من القاموس أعمق المفردات والتعابير التي تؤكد الولاء والتفاني في خدمتها والحرص على “أمنها” وتفوّقها على كل العرب . هذا ما فعله كيري في تصريح النفي الأخير، حيث اعتبر نفسه ذكياً في اختيار التعابير حين يتحدّث عن “إسرائيل” التي طمأنها بصدق ولائه لها قائلاً بالحرف إنه عمل طيلة ثلاثين عاماً لمصلحتها .
لا داعي لمناقشة أقوال نفاها كيري، رغم أن مضمونها المنقول الذي يصف أو يحذّر من “تحوّل” الكيان الصهيوني إلى “دولة” فصل عنصري، قد جاء مفصّلاً ومحشواً بالوقائع الدامغة، في كتاب للرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، وهو من نفس الحزب الذي ينتمي إليه كيري، مع الأخذ بالاعتبار أن كارتر وسياسيين آخرين عادة ما تصحو ضمائرهم بعد النزول من مناصبهم وتحوّلهم إلى مواطنين عاديين بدرجة مسؤولين سابقين .
حين كان كيري ينفي تصريحاته، كان جيش الاحتلال يهدم مسجداً وثمانية منازل في الضفة الفلسطينية المحتلة، وكان المستوطنون يدنّسون مسجداً آخر ويخطّون على جدرانه عبارات عنصرية معادية للعرب تتوعّدهم بالطرد أو القتل . ولم تمض ساعات على تصريحات كيري المتباهية بخدمة “إسرائيل”، حتى اقتحم عشرات المستوطنين باحات المسجد الأقصى، في استمرار لسياسة باتت شبه يومية تجري بحماية ورعاية جيش “إسرائيل” التي يتباهى كيري بأنه يعمل لخدمتها منذ أكثر من ثلاثين عاماً .
ثمّة رسالة ينبغي للفلسطينيين التقاطها من كلام كيري، لأن سنوات الرعاية الأمريكية لما تسمى عملية السلام جزء من السنوات الثلاثين التي أمضاها كيري في العمل لمصلحة “إسرائيل”، أي أن لقاءاته الأربعين مع السلطة الفلسطينية خلال أقل من عام، أجريت في إطار هذه الخدمة، ولا يمكن بالتالي اعتبارها مهمة وساطة أو رعاية لمفاوضات، بل انحياز واصطفاف إلى جانب الاحتلال وجرائمه واستيطانه واعتقالاته وتهويده المقدّسات وانتهاكاته التي لا تعد ولا تحصى بحق الفلسطينيين، وهي تعبير عن الموقف الحقيقي الكامن خلف العبث الأمريكي في بعض الدول العربية التي تستبيحها أمريكا وحلفاؤها الغربيون وأدواتها المحلية . هل بعد ذلك يستمر المراهنون على الوساطة الأمريكية، أم آن أن يروا مهمة كيري على حقيقتها، كجبنة سويسرية مملوءة بالثقوب؟
الخميس 1 أيار (مايو) 2014
كيري وثقوب الوساطة
الخميس 1 أيار (مايو) 2014
par
أمجد عرار
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
33 /
2186944
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
17 من الزوار الآن
2186944 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 17