مهما بلغت القلاع من التحصّن، فإن اقتحامها ممكن من الداخل . هذا درس التاريخ، ومَن يريد أن يتعلّم يمكنه وضع آينشتاين جانباً ويتتلمذ على “يدي” حصان طروادة . أعرف زجالاً شعبياً فلسطينياً اسمه أبو بسام العراني، لم يدخل في حياته أية مدرسة، يقول “وشهادةٌ من علمْ حبرِ عْلى ورق . . وشهادةُ الأبطالِ منْ أفعالها” .
السودان بلد عربي مشهود له بالثقافة والممارسة السياسية والحزبية العريقة، وهو في حقل الاقتصاد يوصف بسلّة غذاء العالم العربي، وفقاً للمجاز وعلى “اعتبار ما يمكن أن يكون” . حين يكون كذلك، لا يمكن لصنّاع سايكس - بيكو أن يتركوه يعبّر عن ماهيته الحقيقية، أو أن يكون جزءاً من كل، جزءاً من مكوّن قومي عربي لا يمكنه النهوض سنتيمتراً واحداً إلى فوق طالما أثخنته جراح التمزّق الداخلي، وامتدت من الجسد لتكون جراحاً في الأطراف .
هذا السودان لم يكن ليتحوّل إلى سودانين، لو لم تفتح النوافذ للأصابع العابثة طمعاً في ترطيب المصالح من مياه النيل، ولم يكن لأبنائه أن يتحالفوا مع الفقر وهو “سلّة غذاء”، لو لم يبتل بعدد لا يحصى من المشكلات الداخلية . حين تنشغل بنفسك ينتابك التشتت ولا تعود قادراً على إعارة اهتمام بما يحيط . وهكذا بعدما أصبح السودان سودانين، أشعلت الأصابع العابثة نار الانشغال في كل منهما . إذن لا نظر للأمام ما دام المستهدف مضطراً لتركيز النظر تحت قدميه .
هكذا أمكن ل“رجل أعمال” أمريكي أن يدخل السودان بثوب سيناتور مزيف، ويلتقي عدداً من المسؤولين السودانيين بهذا الثوب وتحت عنوان الاستثمار في السودان، بعدما ادعى المساهمة في رفع العقوبات الأمريكية التي كانت مفروضة على البلاد . مَن هو بالضبط؟ وكيف دخل؟ وما هي أهدافه الحقيقية؟ لم يحسم بعد الجدل وتبادل المسؤوليات بين البرلمان والحكومة . الأول يحمّل الخارجية التي ردّت الاتهام باتهام مثله، باعتبارها أن هذا المتطفل جاء بدعوة من البرلمان وليس منها .
عندما يحصل هذا الاختراق الكاريكاتوري، يكون منطقياً أن يدخل الاتحاد الأوروبي في البيت السوداني من بوابة “الوفاق الوطني” ليدعو إلى عقد لقاء جامع للقوى السياسية السودانية في مدينة هيدلبرغ الألمانية قريباً، فهل نهتف “إن هبّت رياحك الأوروبية فاغتنمها؟”، أم أن الهتاف أوروبي والصدى عربي؟ .
لو لم يكن الأمر على هذا النحو المبكي، لما تجرأت أوغندا على عرض الوساطة بين الخرطوم ومتمردي “الجبهة الثورية” الذين يتمترسون ويجدون ملجأ لهم على أرض “الوسيط” الأوغندي وتحت حمايته ورعايته الكاملة لقادة الحركات المتمردة وتقديم التسهيلات الدبلوماسية لقادتها، ومنحهم جوازات سفر دبلوماسية بجانب السلاح والمال .
تلك حلقة مفرّغة، تماماً مثل أوطان مفرّغة من استقلالها وسيادتها والهواء النظيف . إذا وجد الوئام أو الهدوء النسبي طريقه إلى شمال السودان، يُخرج “الآخرون” من جواريرهم مخزون الصراع القبلي في الجنوب، ويطفو على السطح على شكل صراع عسكري بين “رفاق السلاح” الذين سبق أن وحدهم الدعم الخارجي للانفصال وتقديس “حجّته” في القدس تحت الاحتلال، وسرد معلّقات الغزل ب “إسرائيل” الداعم الأول لسفارة “سايكس - بيكو” في الجنوب . وقد نحتاج للعودة إلى “إذا هبّت رياحك فاغتنمها”، وها هي الرياح تحمل فيروسات عدوى الانفصال والفدرلة، فأبشري يا يمن، يا سوريا، يا عراق، ويا جمهورتي غزة والضفة العظميين .
الخميس 13 شباط (فبراير) 2014
درس من السودان
الخميس 13 شباط (فبراير) 2014
par
أمجد عرار
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
10 /
2189807
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
13 من الزوار الآن
2189807 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 13