عندما يأتي وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى المنطقة وعلى لسانه كما في رأسه موضوع واحد هو أمن “إسرائيل”، فإن شيئاً ما يريد أن يمشي بلا قدمين . كلام كيري عن كون الأمن “الإسرائيلي” هو الأولوية يعني أن الرجل يتحرك تحت المظلة “الإسرائيلية”، ولا يراعي الحد الأدنى لدور الوسيط . هذا الكلام، ولكيلا يكون مجرد تحليق دبلوماسي جاء مدعوماً بتدخل موازٍ من جانب الجنرال الأمريكي المتقاعد جون ألين الذي أطلع بنيامين نتنياهو على التصورات الأمنية العديدة المترتبة على حل موهوم، في حين لم تفت كيري الإشارة إلى أنه يشعر بأن تحليل ألين، المدعوم بنحو مئة وستين مسؤولاً من وزارتي الدفاع والخارجية والبيت الأبيض ووكالات الاستخبارات الأمريكية، يمكن أن يساعد على التوصل إلى قرارات بشأن بعض الخيارات المهمة للتوصل إلى اتفاق .
بمعزل عن انعدام الجدوى لأي تحرك على جبهة التسوية، فإن أسطوانة الأمن باتت مملة ومقيتة ومشروخة ومشبوهة، وعلاوة على ذلك فيها من التضليل ما لا يوازيه سوى كلام قادة الكيان عن السلام، فيما هم يقتلونه كل دقيقة . فمن يطالب بالأمن عادة هو الطرف الذي يتعرض للاحتلال والقتل والاعتقال وسرقة الأرض والتاريخ والمقدسات، وليس الطرف الذي يمارس كل هذا . وهو كلام يشبه الشعار الغربي الذي تبناه بعض العرب والفلسطينيين، عن بلاهة أو خنوع، والقائل ب“الأرض مقابل السلام”، أي أنهم يعرضون على ’’إسرائيل’’ أن تعيد للفلسطينيين بعض أرضهم مقابل أن يعطوها السلام، مع أنها تملك طرفي المعادلة، فهي تحتل وترفض السلام، وهي التي تهدد الوجود الفلسطيني والعربي، وينبغي أن تكون مطالبة بأن تعطي الأرض والسلام، لو لم تكن ما تسمى عملية السلام دائرة مفرّغة من الدجل والنفاق والوهم، ولو لم يكن بعض الفلسطينيين يجرون وراء السراب .
في حقيقة الأمر، لا حدود لمفاهيم التضليل في كل ما يتعلق بالصراع العربي “الإسرائيلي” الذي كان هو نفسه أول ضحايا التضليل عندما استبدلت كلمة “الصراع” أولاً ب“النزاع” وفيما بعد بكلمة “مشكلة”، قبل أن يخرج علينا فيلسوف الحركة الصهيونية وجالب برنامجها النووي، شمعون بيريز، بتوصيف يقول إن “المشكلة” بين العرب و“إسرائيل” ذات طابع نفسي، ووضع “الإسرائيليين” والعرب في كفة واحدة أمام عدو مشترك، وذلك في إطار مخطط الفتنة الطائفية والمذهبية في المنطقة .
الشيء الثابت في عملية السلام المزعومة أن راعيها الأمريكي طرف وليس وسيطاً، البعض يعتبر أمريكا وسيطاً غير نزيه، فيما الحقيقة أنها ليست وسيطاً إذ تتبنى بالكامل كل مواقف “إسرائيل” وأحياناً تزايد عليها . وعندما يجتمع هذا العنصر مع ما يرتبط بالوظيفة الكولونيالية للكيان الصهيوني والطبيعة الوجودية في الصراع معه، فإن من الطبيعي أن تبقى عملية التسوية مجرد طحن للماء وحصد للهواء . هذه العملية التي بدأت قبل ربع قرن لم يتقدم فيها شيء على الأرض سوى دبابات تتقدم لتقصف، وجرافات تتقدم لتجرف أرض الفلسطينيين وتهدم منازلهم، وطفيليات تتقدم باتجاه مصالحها وامتيازاتها . هكذا عملية “سلام” يراد لها أن تدور حول شقها الأول، عملية بلا سلام .
الأحد 8 كانون الأول (ديسمبر) 2013
عملية بلا سلام
الأحد 8 كانون الأول (ديسمبر) 2013
par
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
16 /
2186844
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
21 من الزوار الآن
2186844 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 21