التكالب “الإسرائيلي” الذي تصاعد أكثر مع توالي عمليتي قتل اثنين من جنود الاحتلال في قلقيلية والخليل، والتنديد الأمريكي غير المسبوق بما سمته واشنطن “إرهاباً” فلسطينياً، على خلفية الأمر ذاته، وما قد نشهده خلال الأيام المقبلة من تصعيد غير مسبوق للاحتلال وآلته التدميرية، كل ذلك سيتم ربطه بطريقة خبيثة بالأمر، ومحاولة تسويقه عالمياً، لإحلال هذه الدعاية، مكان حقيقة واضحة مفادها أن الكيان لا يحتاج إلى ذريعة، وأنه يشن الحروب ويغرق في الدم الفلسطيني من دون حجة تذكر .
مقتل جندي في قلقيلية وآخر في الخليل، يومي الجمعة والأحد الماضيين، تصدر عناوين الدعاية “الإسرائيلية” التي لا تعترف بمبدأ أو قاعدة، خلاف الغاية التي تبرر الوسيلة مهما كانت قذرة أو مشبوهة، وقد انتهز الكيان هذه الفرصة “التاريخية” فأطلق العنان للتهديد والوعيد، وشهدنا بالتزامن مع التهديد السماح لغلاة المستوطنين بالانتقال إلى أكثر البيوت قرباً من الحرم الإبراهيمي المحتل، بإشارة من رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو .
مجرمو الاحتلال يحاولون إلحاق كل الأحداث وتحميل مسؤولياتها إلى الفلسطينيين، في تزوير مكشوف للوعي العالمي، ومحاولة لاختطاف الرأي العام، فجيش الاحتلال الذي صعّد في الآونة الأخيرة هجماته على المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، والذي قتل بدم بارد وأعدم ميدانياً عدداً من الفلسطينيين في مخيمي قلنديا وجنين، والذي استباح ومستوطنوه الأشد تطرفاً حرمة القدس ومسجدها الأقصى المبارك، والذي لم يتورع عن التنكيل بالدبلوماسيين الأوروبيين الذين حاولوا تقديم المساعدة لسكان خربة مكحول الذين يحاول اقتلاعهم، يحاول الإفلات من دائرة الإدانة، وتوجيه أصابع الاتهام إلى الضحية الحقيقية .
إلى أين يتجه الفلسطينيون؟ وإلى أين قد تصل الأوضاع الآخذة بالاحتقان أكثر نتيجة تراكم وتصاعد جرائم الاحتلال؟ لا أحد يدري، وإن توقع البعض أو كثيرون انتفاضة شعبية ثالثة، فإن الأكيد أن هذا المستوى غير المسبوق من العدوان لن يكون أمراً عابراً .
أكثر من جريمة ارتكبت، وأكثر من عدوان وتصعيد، ومع كل منها عادت التحليلات والتكهنات بهبّة شعبية فلسطينية جديدة بالظهور، وأخذ الغرب وعلى رأسه أمريكا في محاولة تنفيس الاحتقان الفلسطيني من خلال ضخ المزيد من الوعود بالدعم السياسي والمالي، والضغط باتجاه إنجاح مفاوضات التسوية، وكان الأمر على الدوام مجرد حقن مخدّرة تهدف إلى امتصاص الأزمة لا الدفع باتجاه الحل .
لا أحد يستطيع المراهنة على ما ستؤول إليه الأمور خلال الفترة المقبلة، لكن الواضح أنها لن تكون أفضل مما هي عليه الآن، والدليل أن الأحداث تتخذ منحى تصاعدياً، الاحتلال يرفع وتيرة إجرامه، والمستوطنون يعززون صفوفهم بهدف اختطاف الحرم القدسي، والمستوى السياسي في الكيان يلعب اللعبة المعتادة القائمة على دعم وتغطية الجرائم، وتثبيت المزيد من الوقائع على الأرض الفلسطينية .
والحالة كذلك، لا بد من موقف فلسطيني رسمي واضح يلغي المشاركة في مفاوضات كسب الوقت لمصلحة الكيان وجرائمه، وتبييض وجهه، على أقل تقدير، ومن ثم فإن الشعب الفلسطيني يدرك ما يريد وسيفعل ما تمليه عليه اللحظة التاريخية .