اليوم تطوي ثورة 23 يوليو الذكرى السنوية الحادية والستين من تاريخها المجيد . إنها بحق مناسبة مجيدة بكل المعاني والمقاييس والدلالات، وما يزيد من قوتها الأخلاقية وعمقها التاريخي أنها ما زالت تتعرّض للهجوم والتشويه من جانب أعداء كل ما هو قومي وعروبي ومقاوم، ولولا ذلك لما احتاج هؤلاء لتكليف أنفسهم عناء البحث في وسائل تشويه تلك الثورة وبخاصة زعيمها الراحل جمال عبدالناصر . فما معنى أن تدفع الملايين وربما أكثر للنبش في سلبياته وتضخيمها وإضافة أطنان من الأكاذيب والفبركات عليها وعلى “الريس” .
عندما نتحدث عن ثورة يوليو لا نعرف من أين نبدأ، من إلغاء النظام الملكي وإرساء الأساس للنظام الجمهوري، أم من القرار التاريخي الشجاع بتأميم قناة السويس، أم من توقيع اتفاقية الجلاء بعد أكثر من سبعين عاما من الاحتلال، أم من استرداد الكرامة والاستقلال والحرية، ومن ثم بناء حركة قومية عربية للعمل على تحرير فلسطين . يُشار إلى أن ثورة 23 يوليو/تموز 1952 التي أطاحت بالنظام الملكي في مصر وأقامت النظام الجمهوري، أسهمت بشكل بارز ورئيسي في استقلال غالبية الدول الإفريقية من الاستعمار، وشكَّلت تحالفاً كبيراً يضم دول العالم الثالث والدول المستقلة حديثاً في “منظمة عدم الانحياز” .
المثقفون من كبار السن يمكنهم أن يتذكّروا أن ثورة يوليو أنشأت الهيئة العامة لقصور الثقافة والمراكز الثقافية لتحقيق توزيع ديمقراطي للثقافة، وإنشاء أكاديمية تضم المعاهد العليا للمسرح والسينما والنقد والباليه والأوبرا والموسيقى والفنون الشعبية، وتشكيل لجنة لإحياء ذكرى فنان الشعب سيد درويش بقرار من عبدالناصر، هذا إضافة لرعاية الآثار والمتاحف ودعم المؤسسات الثقافية .
من يريد أن يؤرخ لثورة يوليو لا يستطيع إلا أن يتوقف طويلاً عند إنجازاتها على الصعيد التعليمي، فهي قررت مجانية التعليم العام والعالي وضاعفت ميزانيته، وأنشأت عشر جامعات جديدة في جميع أنحاء مصر بعدما كان عددها ثلاث جامعات فقط، فضلاً عن إنشاء مراكز البحث العلمي وتطوير المستشفيات التعليمية .
ثورة يوليو أرست الأساس لنظام العدالة الاجتماعية على نحو لافت، وكان زعيمها عبدالناصر مثالاً للنزاهة ونظافة اليد، وهذا ما لم يستطع الطعن فيه أي من خصومه الذين يلجأون للعموميات والوقائع غير المثبتة للنيل منه . ومع التذكير بأن الرجل ورفاقه قادة الثورة كانوا بشراً ولم يكونوا ملائكة حتى ينزههم أحد عن الأخطاء، إلا أن تناول مرحلة ما وقادتها يجب أن يستند إلى الحقيقة وأن يكون مدفوعاً بنوايا سليمة، وكل ذلك بهدف البناء على ما تحقق من إنجازات وتعميم السياسات الصائبة، وفي الوقت ذاته، التعلّم من الأخطاء وتجاوز السلبيات .
لم يكن هذا المنهج العلمي ديدن المتصيّدين لثورة يوليو، وفي مقدّمتهم قادة الإخوان المسلمين الذين وقعوا خلال سنة حكمهم لمصر، في تناقضات صارخة في شأن ثورة يوليو، فتارة يشيدون بها إذا تطلّبت المناسبة، وتارة أخرى يفتحون النار عليها، في حين أن الرئيس المعزول محمد مرسي استذكر أنه ممن تمتّعوا بالتعليم المجاني الذي أرسته الثورة، كما أن أسرته الفقيرة حظيت بخمسة أفدنة مستفيدة من قانون الإصلاح الزراعي . ولهذا ولأسباب عديدة، مازال عبد الناصر أيقونة حب في قلوب الفقراء .