السبت 11 حزيران (يونيو) 2011

بالأسماء والوقائع .. أهل التطبيع (الحلقة الثانية)

تحقيق وتوثيق : شفيق أحمد علي
السبت 11 حزيران (يونيو) 2011

من فرط الصدق: مكرم بدأ حياته الصحافية «ناصرياً» وبعدما مات عبد الناصر تغزل في السادات وقال إنه يسير على درب «المسيح» وبعدما مات السادات تغزل في عدالة مبارك وحكمته وطالب بانتخابه لفترة حكم «سادسة».

وللضحك فقط .. مكرم محمد أحمد يرفض إجراء حوار مع نتنياهو قائلاً : بيغن خرج من تحت يدي إلى غرفة الإنعاش.

ومن باب التذكرة لمن باعوا الذاكرة : هل يعرف مكرم محمد أحمد لماذا يقاطع «الإسرائيليون» «موسيقا» فاغنر؟

ماذا كتب مكرم محمد أحمد وأنيس منصور وصلاح منتصر يوم افتتاح السفارة «الإسرائيلية» في القاهرة؟

ولغسل سمعة العدو الصهيوني .. مكرم في حضرة بيغن يشكك في وطنية المعارضة المصرية ويقول بعدما قضى أسبوعين في «إسرائيل» : بيغن يستحق احتراماً مصرياً كافياً.

[**مكرم بدأ ناصرياً ثم وصف السادات بالسير على درب المسيح وتغزل بعدالة مبارك*]

مازلت أحدثكم عن الأستاذ مكرم محمد أحمد نقيب الصحافيين المصريين .. مازلت أحدثكم عن أول صحافي مصري قص شريط التطبيع مع الصهاينة زمان، ورغم ذلك يكابر ويراوغ ويقول، كما رأينا تفصيلاً في الحلقة الماضية: (نفسي حد يوجهلي كلام مقرون بتواريخ ووقائع محددة كدليل على أنني حكومي أو تطبيعي .. نفسي حد يجيبلي مقال أتملق فيه الحكومة أو يحمل عبارات الثناء والتسبيح للنظام أو أدعو فيه للتطبيع).

ومن باب التذكرة لمن ضعفت فيهم الذاكرة أو صهينوها، هذا هو بعض ما يتناساه الأستاذ مكرم على سبيل «العينة».

نبدأ بالمقال الذي قص به «الأستاذ» مكرم محمد أحمد شريط التطبيع، وشارك به منذ ثلاثين عاماً وبضعة شهور، في احتفال الصهاينة بافتتاح أول سفارة لهم في قلب العروبة .. نبدأ بالمقال الذي يتناساه الأستاذ مكرم محمد أحمد، رغم أن هذا المقال بالذات كان «وش» السعد عليه، وصدر في أعقابه مباشرة قرار الرئيس السادات بتعيينه رئيساً لمجلس إدارة دار الهلال ورئيساً لتحرير مجلة (المصور) «حتة» واحدة .. نبدأ بالمقال الذي نشره «الأستاذ» مكرم على صفحة كاملة، هي الصفحة السابعة، من جريدة «الأهرام» صباح الثلاثاء 26/2/1980 أي صباح ذلك اليوم الأسود المشؤوم، الذي غرس فيه السادات علم الكيان الصهيوني في قلب المحروسة، وتسلم فيه أوراق اعتماد ضابط المخابرات «الإسرائيلي» «إلياهو بن اليسار» كأول سفير للصهاينة في القاهرة .. رغم أن القوات «الإسرائيلية» يومها، كانت لا تزال تحتل «ثلث» سيناء.

ومن باب الإنصاف: لم يجرؤ كاتب أو صحافي واحد من كتبة المقالات في الصحف الحكومية إياها، أن يكتب يومها سطراً واحداً يعلن فيه رأيه في ما ارتكبه السادات في ذلك اليوم أو على الأقل يخبر المصريين به .. كاتبان فقط هما أحمد بهجت، ومكرم محمد أحمد فعلاها .. فهل تعرف ما كتبه كل منهما في ذلك اليوم الأسود .. وهل تعرف أيضاً ماذا كتب يومها بقية من يسميهم البعض بكبار الكتاب والصحافيين في الصحافة المصرية؟ بعضهم صمت ولم يكتب حرفاً واحداً، وبعضهم انتظر ليرى اتجاه الريح حتى يركب الموجة، وبالتالي «تشاغل» في ذلك اليوم الأسود، بما هو كاشف و«مضحك» .. أنيس منصور مثلاً كتب يومها عما هو أخطر وأهم من افتتاح سفارة لـ «إسرائيل» في القاهرة، وهو (أين تذهب فلوس صناديق النذور) .. والمرحوم مصطفى أمين انشغل يومها بالتنديد باغتيال «بشير الجميل» صديق «إسرائيل» .. أما صلاح منتصر ففي يوم غرس العلم «الإسرائيلي» في قلب مصر، كان مشغولاً بما هو أهم وأخطر، كان مشغولاً بما أسماه يومها (أسعار قديمة) وكتب في عموده إياه أن (السعر المطبوع على تذكرة القطار الذي نسافر فيه إلى الإسكندرية، أقل من السعر الذي ندفعه في شباك التذاكر بثمانين قرشاً) أي والله .. هكذا كتب صلاح منتصر يومها .. ومن فرط انتظاره لركوب «الموجة» .. اضطر صلاح منتصر بعدها وأرجوك لا تضحك إلى الكتابة عن (فوائد الكرنب) .. بالضبط .. هذا ما كتبه صلاح منتصر يوم الخميس 28/2/1980 أي بعد يومين كاملين من افتتاح سفارة لـ «إسرائيل» في القاهرة، بينما قواتها لا تزال تدنس جزءاً عزيزاً من أرض سيناء.

[**أحمد بهجت*]

كل هؤلاء وغيرهم من راكبي الموجة في كل هوجة «تشاغلوا» يومها بالكتابة عن أي شيء وكل شيء، إلا افتتاح سفارة لـ «إسرائيل» في القاهرة، وكأنه حدث لا يستحق الكتابة أو التعليق عليه .. كاتبان فقط كما قلت، أعلنا يومها عن موقفيهما تجاه هذه «الجريمة» وحصل كل منهما أيضاً وفوراً على «الثمن» المناسب .. الكاتب الأول هو الأستاذ أحمد بهجت .. والثاني هو الأستاذ مكرم محمد أحمد .. أحمد بهجت في زاويته «صندوق الدنيا» التي ينشرها يومياً على الصفحة الثانية من جريدة «الأهرام»، كتب يومها، أي يوم الثلاثاء 26/2/1980 يقول بالحرف الواحد: (اليوم ستفتتح سفارة لـ «إسرائيل» في حي من أحياء القاهرة .. واليوم أيضاً أرفع في قلبي علماً لفلسطين العربية .. لا أضع هذا العلم علم فلسطين في شارع من شوارع قلبي، وإنما أضعه في الميدان الرئيس منه، انتظاراً ليوم رفعه في أرض فلسطين المحتلة .. هذه هي القضية باختصار، وأعتذر عن الترحيب بعلم «إسرائيل» رمز اغتصاب حقوق الشعب الفلسطيني وأرضه .. وإلى أن يحصل الشعب الفلسطيني على حقه، سيظل هذا هو موقفي من العلم «الإسرائيلي»).

انتهت قطرات المسك والريحان التي نثرها قلم كاتبنا المحترم الفنان، أحمد بهجت، على الصفحة الثانية من جريدة «الأهرام» يوم الثلاثاء 26/2/1980 أي يوم افتتاح سفارة للصهاينة في القاهرة.

وعلى الفور، عاقبه الرئيس السادات على هذه الكلمات النبيلة المعطرة .. وأصدر قراراً بفصله من رئاسة تحرير مجلة «الإذاعة والتليفزيون» وعين بدلاً منه المرحوم ثروت أباظة .. أما «الأستاذ» مكرم، فعلى العكس .. كافأه الرئيس السادات بتعيينه رئيساً لمجلس إدارة «دار الهلال» ورئيساً لتحرير مجلة «المصور»، في أعقاب ما كتبه يوم افتتاح السفارة «الإسرائيلية» في القاهرة، أي يوم الثلاثاء 26/2/1980 فهل تعرف ماذا كتب يومها؟ المقال طويل عريض، ومنشور كما قلت، على صفحة كاملة من جريدة «الأهرام»، وعنوانه حرفياً: (أول أيام التطبيع والأخطار الواهمة التي يراها الرافضون لمسيرة السلام).

كما ترون، ومن فرط الموضوعية، شق الأستاذ مكرم محمد أحمد صدور الرافضين للتطبيع، وقطع منذ عنوان المقال، أي منذ البداية، بأنهم رافضون (لمسيرة السلام) .. وهو نفس ما تقوله أبواق الصهاينة والأمريكان إلى الآن .. ومهما قلت إن التطبيع ورقة ضغط تفاوضية، لا يصح أن نفرط فيها قبل عودة الحقوق العربية جميعها، فأنت في رأي الأستاذ الموضوعي مكرم محمد أحمد رافض للسلام .. أي سلام بالضبط؟ لا يهم .ز ومهما قلت إنك ترى في التطبيع المجاني «أخطاراً» محددة .. فالأستاذ مكرم محمد أحمد قرأ الكف وقطع منذ عنوان مقاله بأنها أخطار (واهمة).

ومن باب الإنصاف: ومن فرط أدبه وتهذبه والتزامه بلغة الحوار .. لم يكتف الأستاذ مكرم محمد أحمد بأن أعطى لنفسه الحق في الافتراء على رافضي التطبيع ووصفهم بالرافضين «للسلام» .. لكنه تقمص أيضاً دور الطبيب النفسي وقال نصاً في مقاله نفسه: (الواهمون فقط، هم الذين يرون أن تطبيع العلاقات سوف يلحق أفدح الأضرار بالمصالح الحيوية لمصر) وبالتالي لا مانع عنده من التطبيع .. بل وأعطى الأستاذ مكرم لنفسه الحق أيضاً في تسفيه هؤلاء الرافضين للتطبيع، وتسفيه منطقهم قائلاً بالنص إنه (منطق لا يستند إلا على زخرف الكلمات، وعندما تحاول أن تبحث عن مدلول لهذه الكلمات، فإنك لا تجد تحت القبة شيخاً، ولا عفريتاً، وإنما تجد فقط الخواء).

وتفنيداً لما وصفه الأستاذ المهذب مكرم محمد أحمد «بالخواء» .. قال نصاً في مقاله نفسه: (إذا كان هؤلاء الرافضون يرون خطر التطبيع فيما يسمونه الآن إغراق السوق المصرية بالبضائع والمنتجات «الإسرائيلية» من خلال عمليات التهريب، فليس في حسبان عاقل أن تكون علب البيرة والشيكولاتة «الإسرائيلية» خطراً على الاقتصاد المصري، وهما البضاعة الأساسية لعصابات التهريب الآن بيننا وبين «إسرائيل»، وكان من الأولى أن نقول للقائمين على الصناعتين في مصر .. لماذا لا يطورون إنتاجهم؟ لماذا لا تكون هناك علبة بيرة مصرية وهي الأجود مذاقاً، يتم إنتاجها على ذات المستوى، بدلاً من العلبة «الإسرائيلية» التي تباع بخمسة وسبعين قرشا؟ لماذا لا ترفع شركات الصناعات الغذائية من مستوى صناعة الشيكولاتة في مصر؟

وفي المقال نفسه الذي نشره مكرم محمد أحمد بجريدة «الأهرام» يوم افتتاح السفارة «الإسرائيلية» في القاهرة، مضى يقول بالحرف: (وإذا كان هؤلاء الرافضون يرون خطر التطبيع فيما يسمونه بإمكان تدفق العمالة المصرية على «إسرائيل»، الأمر الذي يوفر لاقتصادها المنهار مصدراً للعمالة الرخيصة، فمن أين جاءتهم الأنباء؟ من أين عرف الرافضون للتطبيع أن العمالة المصرية سوف تتدفق على «إسرائيل»؟ إن في حسبان مصر وأعتقد أنهم يعرفون ذلك جيداً، ألا تتدفق العمالة المصرية على «إسرائيل») .. ونحن بدورنا نسأل نفس السؤال للأستاذ مكرم : من أين جاءته هذه الأنباء؟ من أين عرف أن (في حسبان مصر ألا تتدفق العمالة المصرية على «إسرائيل»؟) .. وماذا فعلت حكومته لتحقيق ما جزم به في مقاله من أن العمالة المصرية لن تتدفق على «إسرائيل»؟ وماذا سيقول حالياً بعدما كذبته حكومته، وأصبحنا نسمع ونقرأ على لسان وزرائها ومسؤوليها، كل هذه الأرقام المفزعة لأعداد المصريين الذين تدفقوا طوال السنوات الماضية على «إسرائيل» ويعملون بها حالياً، بل وتزوجوا أيضاً من «إسرائيليات» .. ولدرء خطرهم على الأمن القومي المصري، أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكمها الشهير بتجريدهم من جنسيتهم المصرية، ولم تنفذه حكومته إلى الآن.

[**أموال العرب واليهود*]

وفوق ما سبق، وفي نفس مقاله المنشور بجريدة «الأهرام» في 26/2/1980، سخر الأستاذ مكرم مما أسماه (خوف الرافضين للتطبيع من أن تسيطر أموال يهود العالم على الاقتصاد المصري) وقال بالحرف: (لا فرق بين رأسمال عربي، أو أمريكي، أو غيره) .. واتهم رافضي التطبيع بأنهم: (يصنعون من الحبة قبة) .. وبعدما قطع بأنهم (لا يحترمون إرادة الأغلبية، وخارجون عن الإجماع المصري) وكأنه هو الذي احترم إرادة الأغلبية من زملائه بعدم التطبيع، أو وكأن هناك (إجماع مصري) على التطبيع مع «إسرائيل» .. وبعدما قطع أيضاً بأن الرافضين للتطبيع يبنون تخوفاتهم على ما أسماه (عقد الماضي والحزازات الخاصة) .. شق صدورهم مرة عاشرة وجردهم من «وطنيتهم» جازما أن (هذه الخلافات والحزازات تلبس ثوب الصالح العام، وتتسمى باسم المصالح الوطنية) هكذا نصاً.

وعليه، فقد تكرم الأستاذ مكرم محمد أحمد، وأعطانا نحن أيضاً الحق في أن نجرده هو الآخر مما جردنا منه، وأن نتهمه وبمفرداته نفسها، بأنه هو الآخر يبني كتاباته (على حزازات وخلافات ومصالح خاصة، تلبس ثوب الصالح العام، وتتسمى باسم المصالح الوطنية).

ومن باب الإنصاف: الأستاذ مكرم محمد أحمد، يحتل أيضاً رأس قائمة الذين تفننوا في تبرير افتتاح سفارة لـ «إسرائيل» في القاهرة، وهي لا تزال «تحتل» ثلث سيناء .. وبدلاً من أن يقول لقرائه، بأن تبادل السفراء بين دولتين، بينما إحداها تحتل أراضي الأخرى، وسابقة لم تحدث في التاريخ إلا بين السادات و«إسرائيل» .. وبدلاً من أن يقول مكرم محمد أحمد للرئيس السادات بأننا نحن الذي انتصرنا على العدو الصهيوني في حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 وليس العكس، وبالتالي لا يجب أن يوافق السادات على شرط «الإسرائيليين» بافتتاح سفارة لهم في القاهرة، قبل أن يكملوا جلاءهم من «كل» سيناء .. بدلاً من أن يقول مكرم محمد أحمد كل ذلك وغيره، أعطى نفسه الحق في تزييف الحقيقة والحديث باسم مصر، وكأن مصر هي التي وافقت على افتتاح سفارة للصهاينة وليس السادات .. إلا إذا كان السادات في رأي مكرم محمد أحمد هو (مصر).

وعليه، وفي مقاله نفسه قال مكرم محمد أحمد بالحرف الواحد: (مصر قبلت تبادل التمثيل الدبلوماسي على مستوى السفراء مع «إسرائيل»، رغم وجود علم الاحتلال «الإسرائيلي» على ثلث سيناء الأخير، من منطلق واحد هو مساعدة «الإسرائيليين» على اجتياز أزمة فقدان الثقة والحصار النفسي التي عاشوها) .. تخيلوا، الأستاذ مكرم مهتم بمساعدة الصهاينة المحتلين على اجتياز أزماتهم النفسية، أما شعور المصريين بالمهانة عندما يرون سفارة لـ «إسرائيل» في القاهرة (رغم وجود علم الاحتلال «الإسرائيلي» على ثلث سيناء) كما يقول مكرم محمد أحمد في مقاله، فلا يهم .. المهم هو أن يؤدي الأستاذ مكرم «مهمته» على أكمل وجه .. حتى لو كانت هذه المهمة هي تبرير وتسويق موافقة الرئيس السادات على افتتاح سفارة للصهاينة في القاهرة، والترويج للتطبيع معهم، بينما قواتهم لا تزال تحتل ثلث سيناء .. أو لو كانت هذه المهمة هي غسل سمعة الصهاينة، المحتلين، قبل أيام قليلة من افتتاح سفارة لهم في القاهرة، وهو ما يظهر بفجاجة في ذلك الحوار الفضيحة، الذي أجراه مكرم محمد أحمد مع الإرهابي القاتل مناحم بيغن لغسل سمعته، وبرر الأستاذ مكرم هذا الحوار بمجموعة من الأكاذيب الفجة، منها أنه كان حواراً حاداً ومحتداً (نقلوا بيغن على إثره إلى غرفة الإنعاش) كما قال لجريدة «المصري اليوم» في 6/10/2007 تبريراً لهذا الحوار .. وكأن القضية، هي إلى أين بالضبط سينقلون بيغن أو غيره، من تحت يد الليث الهصور مكرم محمد أحمد حسبو.

وهذا الادعاء ليس صحيحاً .. لأن مناحم بيغن، وكما كتب الأستاذ مكرم نفسه في نص الحوار المنشور بجريدة «الأهرام» في 10/2/1980 قال إنه والأستاذ مكرم، تحدثا معاً في هذا الحوار (كأصدقاء) هكذا قال بيغن بالحرف الواحد .. والأستاذ مكرم هو الآخر تغزل فيما وصفه على صفحات «الأهرام» (بالترحاب الشديد الذي لاقاه من بيغن ومن كل مستشاريه الذين حضروا الحوار) .. فضلاً طبعاً عن أن الحوار نفسه لم يكتب فيه الأستاذ مكرم سطراً واحداً عن التاريخ الإرهابي لبيغن، أو عن الوحشية التي ارتكبها ضد أشقائنا الفلسطينيين في مذبحة دير ياسين مثلاً.. وبدلاً من أن يقدم الأستاذ مكرم لقارئه الوجه الحقيقي لهذا القاتل المحتل المسمى بيغن، ظل طوال الحوار، ووفقاً للنص المنشور، يقول له: (سيادة الرئيس) .. وظل بيغن هو الآخر يقول له: (عزيزي مكرم).

وعليه، ظهر الإرهابي الغاصب مناحم بيغن في هذا الحوار، شخصاً لطيفاً ودوداً .. وردد من خلفه (عزيزه) مكرم، وعلى صفحات «الأهرام»، أن «إسرائيل» تبني المستوطنات في الأراضي الفلسطينية ولم يقل المحتلة لأنها وبنص تعبير مناحم بيغن (أرض مهجورة) .. ونقل الأستاذ مكرم أيضاً عن بيغن قوله: (لنا حق الاستيطان في يهودا والسامرة أي في الضفة الغربية وقطاع غزة لأنهما من أرض «إسرائيل» كما جاء في التوراة) وقال له مناحم بيغن أيضاً: (لن نقبل بإقامة دولة فلسطينية، لأنها سوف تكون قاعدة للسوفييت) مثلما يقولون الآن أنها ستكون قاعدة لإيران .. كل هذه الأكاذيب وغيرها رددها مكرم محمد أحمد على صفحات «الأهرام» من خلف بيغن، من دون أن يفندها أو يفضح كذبها .. بل واختتم الأستاذ مكرم حواره مع ذلك الغاصب الإرهابي قائلاً: (بيغن يستحق احتراماً مصرياً كافياً) .. نعم، هكذا قال مكرم محمد أحمد بالحرف الواحد .. ولمن يريد أن يتأكد بنفسه .. الحوار منشور على الصفحة الثالثة من جريدة «الأهرام» في العاشر من فبراير/ شباط عام 1980 بعنوان: (أسبوعان في «إسرائيل» حوار ساخن في مكتب بيغن رئيس الوزراء).

وفي أول سطر من هذا الحوار الفضيحة، كتب مكرم محمد أحمد بالحرف الواحد: (كنت قد طلبت أن ألتقي مناحم بيغن رئيس وزراء «إسرائيل»، لكنني كنت أريد أن أرى «إسرائيل» قبل أن أراه، لذلك رجوت أن يكون لقائي به في ختام زيارة طويلة، استمرت أسبوعين، حاولت جهدي خلالها أن أتعرف بقدر ما سمحت به الظروف على الدولة الجار .. «إسرائيل» التي تربطنا بها الآن علاقات طبيعية).

هكذا ومن أول سطر، بل وعلى مدى كل المقال، لم يذكر مكرم محمد أحمد أن «إسرائيل» تحتل ثلث سيناء، وأسماها من دون خجل بالدولة (الجار) وليست بالدولة (المحتلة) التي كانت يوم نشر الحوار (تحتل ثلث سيناء، وكل فلسطين) .. وتلك أولى خطوات القفز على الحقيقة، وعدم ذكر المعلومة «كاملة» لغسل سمعة الغاصب المحتل.

وهكذا أيضاً، ومن فرط التصهين المبكر، قال مكرم محمد أحمد منذ بداية مقاله إن («إسرائيل» تربطنا بها الآن علاقات طبيعية) .. ولم يقل لنا طبعاً بلسان من وصف علاقتنا بـ «إسرائيل» وهي تحتل ثلث سيناء وكل فلسطين، بأنها (علاقات طبيعية).

أيضاً: على مدى كل المقال لم يكتب مكرم محمد أحمد كلمة «احتلال» .. أو كلمة «فلسطين» .. ولم يكتب أيضاً أن «إسرائيل» تحتل أراضي مصرية أو فلسطينية، أو أراض عربية عموماً .. وبدلاً من أن يواجه الصهاينة المحتلين بجرائمهم ضد أشقائنا الفلسطينيين تحت الاحتلال، راح مكرم محمد أحمد يتغزل فيما أسماه (بساطة «الإسرائيليين») مكرراً أن لقاءاته بهم وبقياداتهم جميعاً وعلي رأسهم بيغن، جرت فيما أسماه (جو من الترحاب الشديد، تسوده روح صداقة تنشد الاستمرار والتواصل) .. ثم بعد ذلك يدعي الأستاذ مكرم هذه الأيام، أنهم نقلوا بيغن إلى غرفة الإنعاش بسبب هذا الحوار.

بقي أن أقرأ لك بالمناسبة «أسخن» سؤال في الأسئلة التي ركب الأستاذ مكرم الطيارة، وسافر إلى «إسرائيل» ليقذف بها في وجه بيغن خلال حواره إياه، لكي تحكم بنفسك كم هي أسئلة ساخنة ومميتة وجديرة بنقل بيغن إلى غرفة الإنعاش فور سماعها، كما ادعى الأستاذ مكرم لجريدة «المصري اليوم» في 6/10/2007.

السؤال نصه: (سيادة الرئيس .. بودي أن أسألك، هل أنت راضٍ عن عملية تطبيع العلاقات بين مصر و«إسرائيل»؟) .. وعلى الفور، قال الإرهابي بيغن: (راضٍ تماماً يا عزيزي مكرم) .. هل رأيتم مدى ضراوة الأسئلة وسخونتها؟

[**شرذمة قليلة*]

ومن باب الإنصاف: لم يتوقف دور الأستاذ مكرم في هذا الحوار عند ضراوة الأسئلة فقط، وإنما تعداه إلى طمأنة بيغن، وتسفيه المعارضة المصرية والتشكيك في دوافعها والتقليل من حجمها، في حضرة بيغن.

ووفقاً للنص المنشور، ومن شدة ضراوة الأسئلة وسخونتها، قال مكرم محمد أحمد إنه سأل بيغن عن أن «حزب العمل» «الإسرائيلي» المعارض (عازم على إسقاط حكومة حزب «الليكود» التي يترأسها بيغن) .. وهنا، لم يسفه بيغن دوافع معارضيه ولم يقلل من حجمهم .. وإنما رد على مكرم محمد أحمد قائلاً: (هذه هي الديمقراطية يا عزيزي) .. أما مكرم محمد أحمد، فحينما سأله بيغن عن المصريين الذين (ينتقدون اتفاقية كامب ديفيد) حسب تعبير بيغن .. عندها، لم يقل له الأستاذ مكرم هو الآخر: (هذه هي الديمقراطية يا عزيزي بيغن) .. وإنما سارع وفي مكتب بيغن، بتسفيه معارضي كامب ديفيد، والتقليل من حجمهم، والتشكيك في دوافعهم قائلاً: (إنه أمر طبيعي يا سيادة الرئيس أن تكون هناك بعض الدوائر المعارضة، لا يهم دوافعهم، وإنما المهم ألا نقلق وألا نبالغ في تقدير حجمهم المحدود) .. تماماً مثلما كان الرئيس السادات يقول وقتها بأنهم (شرذمة قليلة).

ومن باب الإنصاف: الأستاذ مكرم محمد أحمد المهم عنده هو «التطبيل» للسيد الرئيس .. أي رئيس، وبالحماسة نفسها .. ولمن يفتح فمه دهشة، ها هو الأستاذ مكرم في حواره مع الزميل ماهر حسن بجريدة «العربي الناصري» في 30/11/1999 يقول بعضمة لسانه: (عشت السنوات الأولى من عملي متحمساً للناصرية) .. ولما مات عبد الناصر، تحمس مكرم محمد أحمد أيضاً للسادات إلى الحد الذي قال عنه في مقاله بجريدة «الأهرام» في 19/11/1977 إن السادات (يسير على نفس الدرب الذي سار عليه المسيح).

وفي مذبحة سبتمبر الشهيرة، أي يوم أن اعتقل السادات (1536) معارضاً مصرياً في يوم واحد ومن كل الاتجاهات السياسية، بدءاً من كاتبنا الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل، وإلى المرحوم فؤاد سراج الدين، مروراً بالشيخ عمر التلمساني .. يومها، وتحديداً في 4 سبتمبر 1981 صدر العدد (2969) من مجلة «المصور» وبها مقال فاضح لرئيس تحريرها في ذلك الوقت، وهو الأستاذ الديمقراطي مكرم محمد أحمد، يبرر فيه من دون خجل، تلك الاعتقالات قائلاً إن (الرئيس السادات يملك دائماً شجاعة الفعل والقرار، وهو المنوط بحكم الدستور باتخاذ ما يراه حفاظاً على الوحدة الوطنية) ولو كان ما يراه هو اعتقال كل من اعتقلهم يومها تحت تلك الذريعة المطاطة .. وبعدما مات السادات، تحمس مكرم محمد أحمد أيضاً للرئيس مبارك، بل وتغزل في (حكمته، وعدالته، وقدرته على إصلاح أي اعوجاج) .. ومن لا يصدق، يعود إلى ما كتبه الأستاذ مكرم محمد أحمد في مقاله المنشور بجريدة «الأهرام» صباح السبت 1/5/2010 بعنوان: (ماذا لو رشح مبارك نفسه لفترة حكم جديدة؟) ولم يقل طبعاً فترة حكم (سادسة).

[**موسوعة المسيري*]

بالمناسبة: هل معرفة «إسرائيل» لا تأتي فقط إلا عن طريق السفر إليها؟ ألم يقدم الراحل والمفكر العظيم الدكتور عبد الوهاب المسيري مثلاً إلى المكتبة العربية أفضل وأشمل وأضخم موسوعة عربية عن «اليهود والصهيونية» من دون أن يذهب إلى «إسرائيل»؟ وهل الشخص الذي يريد معرفة الهيروين مثلاً، لابد أن يتعاطاه؟ وهل الأستاذ مكرم محمد أحمد لا يعرف أن ذلك الكيان العنصري المجرم، يحتل فلسطين ويغتصب الحقوق والأراضي العربية؟ ألا تكفي هذه الجرائم لمقاطعة «إسرائيل» حتى عودة حقوقنا المغتصبة؟ وهل الأستاذ مكرم وأمثاله يعرفون بالمناسبة، لماذا تقاطع «إسرائيل» «موسيقا» فاغنر؟ هل يعرف الجريمة التي ارتكبها الموسيقار والفنان العالمي «ريتشارد فاغنر» في حق «الإسرائيليين»، ومن أجلها يقاطعونه، بل ويعاقبون من يسمع أو يعزف موسيقاه؟

«فاغنر» في الحقيقة لم يحتل أرض «إسرائيل»، ولم يهدم بيوتهم، ولم يقتل أطفالهم .. وكل جريمته التي لا ذنب له فيها، هي فقط أن (هتلر كان معجباً بموسيقاه ويستمع إليها) رغم أن فاغنر لم يعاصر هتلر، ومات قبل أن يولد هتلر بست سنوات .. حيث توفي «فاغنر» في 31 نوفمبر عام 1883 وبعد وفاته بست سنوات تقريباً، وتحديداً في 20 إبريل عام 1889، ولد هتلر وكبر وأحب موسيقا فاغنر .. فما كان من فاغنر التي يتغزل المتصهينون في ديمقراطيتها، إلا أن أشهرت سلاح الحصار والمقاطعة في وجه «موسيقا» فاغنر التي أحبها هتلر .. حتى الموسيقا يقاطعها «الإسرائيليون»، ويعاقبون من يعزفها في المسارح أو الحفلات أوفي الإذاعة والتلفزيون «الإسرائيلي» .. والسبب هو أن هذه الموسيقا أعجبت هتلر الذي يقول الصهاينة إنه «اضطهدهم» .. أما نحن العرب، الذين تحتل «إسرائيل» أراضيهم، وتقتل أطفالهم ورجالهم ونساءهم كل يوم، فلا نعامل «إسرائيل» بالمثل، ونستخدم ضدها سلاح الحصار نفسه والتجويع والمقاطعة، الذي تستخدمه «إسرائيل» حاليا ضد الموسيقا التي أحبها هتلر، وضد أشقائنا الفلسطينيين في غزة.

- [**المصدر : صحيفة «الخليج» الإماراتية، وينشر بترتيب مع وكالة «الأهرام» للصحافة.*]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2182791

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع ريبورتاج   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2182791 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40