الجمعة 14 كانون الأول (ديسمبر) 2012

الديمقراطية وحكم«الإخوان» وجهاً لوجه

الجمعة 14 كانون الأول (ديسمبر) 2012

دخلت مصر نفق الانقسام بين معسكرين وشارعين متقابلين، وهو أمر لم يكن يلوح في أي خيال.هي ثمار “الفوضى الخلاقة” التي بشرت بها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس.. صحيح أنها خلاقة بمعنى الإبداع في صنع المفاجآت، لكنها تبقى فوضى نعيش فصول تخريبها وعبثها في بنية مجتماعتنا العربية، عبر تفجير كل المتناقضات والاختلافات التي تعود إلى مئات خلت من السنين، والتي لا يخلو أي مجتمع بشري منها، فكان أن شاهدنا تدمير ليبيا وسرقة نفطها وخيراتها، وإبدال ديكتاتورية بأخرى في تونس، وإشعال نار القتل والخراب في اليمن وسورية، بعد أن سبقهم لبنان والعراق والسودان على هذا الدرب.

في مصر، لا يتوقع عاقل أن تتراجع جماعة “الإخوان” عن تمسكها بالسلطة ومشروع “أخونة” مصر، وهو أمر غير مستغرب من قوة سياسية “عالمثالثية”، عملت وحلمت بالوصول إلى السلطة وحكم مصر طوال أكثر من ثمانين سنة مضت، وهي تستقوي بالدين لرفع مشروعها السياسي. وتبين لنا تجارب “الإخوان” العرب أنهم لم يهضموا فكرة الديمقراطية بعد، وهم إذ اعتمدوها طريقاً للوصول إلى السلطة، فالأرجح أنها بالنسبة إليهم، كما نُقل سابقاً عن رئيس وزراء تركيا رجب أردوغان، هي طريق للوصول فقط.

مشكلة “الإخوان” في مصر، وكذلك في بقية البلدان العربية التي وصلوا إلى السلطة فيها، أنهم يتجاهلون أن الناس كسرت حواجز الخوف، وهذا ما دفعها إلى النزول إلى الشوارع والميادين، وهم بعد تحكمهم يريدون إعادة الناس إلى قمقم الخوف والخضوع، هكذا حاول الرئيس المصري تنفيذ برنامج “الإخوان” السلطوي بالقبض على كل مفاصل السلطة بيده: التنفيذية والتشريعية والقضائية، تحت حجج واهية، في وقت لم يعطِ مشروع حكمهم أي أمل للفقراء والمهمشين، وكذلك للكوادر والنخب الشابة التي تشكو من البطالة وقلة فرص العمل، ولا تجد غير المغتربات وجهة لها، في ظل اتساع الهوة بين المعدمين، على كثرتهم، وبين الأثرياء الذين مارسوا كل أنواع الفساد والسرقة للمال العام، من دون إرسال أي إشارة “إخوانية” إلى أن الحكم الجديد مستعد لتغيير هذه المعادلة.

على العكس من ذلك، يبدو محمد مرسي و“الإخوان” قد وطّنوا النفس على التعايش مع إملاءات البنك الدولي التي لا تحمل غير وصفات زيادة الضرائب على الفقراء، وإعطاء كل التسهيلات للرأسمالية المتوحشة لتمعن في نهبها للبلاد وإفقارها للعباد، مع ترجيح خيار الاستدانة من الخارج، الذي يعني استمرار إبقاء مصر رهينة شروط الدول الدائنة.

وما يقال عن الاقتصاد يصح في السياسة، إذ إن وصول “الإخوان” إلى حكم مصر لم ينعكس سلباً على العلاقة مع العدو الصهيوني ولا على سفارته القائمة وسط القاهرة، بل إن أول إنجازات محمد مرسي كانت انخراطه في الحرب الأميركية – الأطلسية – الرجعية ضد سورية.

ويبدو أخطر ما في برنامج حكم “الإخوان” في مصر، أنهم مصرون على انتهاج الطريق الذي لا يرى من الإسلام إلا أحكام التعزير، على طريقة حسن الترابي في السودان، الذي تحالف مع جعفر النميري فلم يصل من الإسلام إلى الحكم إلاّ قطع أيدي الفقراء الذين يدفعهم جوعهم إلى السرقة، في حين يتربع كبار اللصوص داخل أروقة السلطة ومراكز القرار، فكان أن خسر السودان وحدته، فهل يسعى “الإخوان” إلى مصير مماثل لمصر؟

هل من المعقول أن “الإخوان” بعد وصولهم إلى السلطة يكررون ذات الشعارات والهتافات التي لهجت بها ألسنتهم خلال العهد الملكي في مصر؟ فهل مشاكل المجتمع المصري والتحديات التي تواجهه بقيت جامدة منذ ذلك الوقت، كعقول “الإخوان” الذين عاشوا طوال العقود الماضية في شرنقتهم وجمودهم الفكري، حيث يبدون اليوم وكأنهم يعيشون لحظة تأسيس حزبهم، منذ أكثر من ثمانين عاماً؟

في المقابل، لا يستطيع المصريون، بعدما صبروا طويلاً على حكم حسني مبارك، السكوت على اختطاف دولتهم من قبل جهة سياسية، تدعي الحكم بالشراكة مع الله عز وجل، بطريقة تقطع الطريق على أي تداول مقبل للسلطة، خصوصاً في ظل وجود ميليشيات للحزب الحاكم، شاهدها الناس تهرول في صفوف منتظمة وتهاجم المعتصمين أمام قصر الرئاسة في الاتحادية.

كذلك لا يستطيعون القبول بأفكار هرمة، تحملها قوى محافظة بطبيعتها، تتلطى وراء الدين لتغطية فراغها الفكري والسياسي، وتدعي قيامها بثورة، في حين أنها عاجزة عن حمل مطالب وأحلام الثائرين، فكيف بحماية آمالهم ومصالحهم؟

مصر تحتاج إلى من يدفع بها قدماً إلى الأمام، سياسة واقتصاداً واجتماعاً، في حين أن المعروض على المصريين نسخة فقيرة عن الملكيات والمشيخات النفطية الخليجية، التي ترى شعبها مجرد رعايا، يمكن أن تنتزع منهم الجنسية ساعة تشاء، و“الإخوان” أكدوا انتماءهم إلى هذه المدرسة المستبدة من خلال رفضهم أن يشاركهم أحد في الحكم، مما يضع مصر أمام منعطف بالغ الخطورة، يحاول بعض حكمائها إيجاد مخرج منه، فهل يحتمل مشروع “الإخوان” تخفيف شهوتهم للسلطة، أم هم يصرون على “سودنة” مصر و“عرقنتها” إن لم نقل “سورنتها”؟ وهو أمر يقر به حليفهم الأكبر، حيث نقل عن مسؤول أميركي قوله: “إن الأصولية الإسلامية تجيد إسقاط الأنظمة، لكنها لا تجيد الحكم”.

- عدنان الساحلي



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 119 / 2178577

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع ريبورتاج   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2178577 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40