الجمعة 9 آب (أغسطس) 2013

تقرير خاص : حول تطور علاقات العدو الدولية في آسيا وإفريقيا

الجمعة 9 آب (أغسطس) 2013

يمكن قياس فاعلية الدولة وحضورها في المحافل الدولية والمجتمع الدولي بقوتها العسكرية، وقدرتها على بلورة تصور لأمنها الوطني ووضعه موضع التنفيذ والتطبيق، أو بقوة بنائها الاقتصادي وعلاقاتها التجارية وطاقتها التصديرية وفتح أسواق جديدة لمنتجاتها، وكذلك بقدرة الدولة على نسج علاقات دولية مؤثرة وفعالة، وإقامة تحالفات جديدة تعزز مكانتها السياسية والدولية، وترتبط هذه الفاعلية بمدى كفاءة أجهزة الدولة المعنية بالتخطيط الإستراتيجي والسياسي، وقدرتها على رصد وتحليل المتغيرات الجديدة في الساحة الدولية، وتشخيص الوضع الدولي واستثماره، في إطار تعزيز المصلحة الوطنية، بكافة الأدوات العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية والسياسية، ليس باعتبارها مجالات منفصلة، وإنما تكمل بعضها بعضًا، وتصب في اتجاه تحقيق الهدف المشترك للدولة.
وإذا صح اعتماد هذا المقياس لفاعلية الدولة؛ فإن العديد من التقارير العربية والدولية، وكذلك الأبحاث والدراسات، تشير بوضوح إلى تفوق الكيان الإسرائيلي في المجال الاقتصادي ومؤشراته النوعية، كالقدرة على التصدير في مجال البرمجيات وغيره، ومستوى الدخل الفردي، وكذلك في إطار التطور العلمي والتكنولوجي ومؤشراته المختلفة، كالأبحاث والمؤتمرات وبراءات الاختراع وميزانيات التطوير، وانفتاح الجماعة العلمية الإسرائيلية على الخارج.
في هذا السياق يجيء تطور علاقات إسرائيل الدولية، وخاصة في آسيا والهند والصين على نحو خاص، وكذلك إفريقيا ودول حوض النيل كمقياس للفاعلية الإسرائيلية والصهيونية في تعزيز علاقات الكيان الصهيوني الدولية والإقليمية، وقدرته على فتح أفق لعلاقات جديدة ونوعية، تضفي على هذا الكيان مزيدًا من شرعية الأمر الواقع، وتحرره من قيود الارتباط الأحادي بالولايات المتحدة الأمريكية، والتبعية السياسية الممكنة من جراء الاقتصار في علاقاتها على قطب واحد أو أوحد وتوسع في الوقت ذاته هامش المناورة السياسية والدبلوماسية أمامه، وتمنحه أوراقًا للضغط على العالم العربي، وبخاصة مصر وسوريا والمملكة العربية السعودية وفلسطين، وتمكنه من كسر أطواق العزلة، التي تمكنت الدبلوماسية المصرية والعربية من بنائها حول إسرائيل طوال فترة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات.
بيد أنه إذا أمكن بناء تفسير للتفوق الإسرائيلي العسكري والاقتصادي والتكنولوجي على ضوء المثلث المعروف، المتمثل في تحالف إسرائيل والغرب والولايات المتحدة على نحو خاص، والمساعدات والمنح والقروض التي تتلقاها، وامتدادات إسرائيل اليهودية والصهيونية في الخارج، الجاليات اليهودية واللوبيات اليهودية في الولايات المتحدة وغيرها من بلدان أوروبا الغربية، وأخيرًا وليس آخرًا التَّماس المباشر والاقتراب المباشر أيضًا من دوائر ومراكز البحث العلمي والتكنولوجي في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها، وانتقاء القيود الغربية على ولوج إسرائيل للتكنولوجيات المتقدمة في الدفاع وغيره من المجالات؛ فإنه من الصعوبة بمكان تفسير تطور علاقات إسرائيل الدولية في آسيا وإفريقيا والهند والصين على نحو خاص، إلا على ضوء تقاعس النظام العربي والدول المؤثرة فيه عن القيام بمهمته في حصار ومقاطعة إسرائيل وكشف طبيعتها العنصرية والعدوانية، بل وتخليه عن هذه المواجهة الدبلوماسية الضرورية والمهمة في سياق الصراع العربي الإسرائيلي، إنْ في حالة السلم وإنْ في حالة الحرب.
ويعود تخلي النظام العربي وتقاعسه عن أداء هذه المهمة لأسباب عديدة نخص منها بالذكر الأسباب التالية:
أولاً: أن هذه الدول والقارات، التي تمكنت فيها إسرائيل من بناء علاقات دولية وطيدة ومؤثرة، كانت تعتبر تقليديًّا مناطق ودوائر للحركة الدبلوماسية والسياسية العربية، وربطتها بالعالم العربي مصالح وإستراتيجيات ذات طابع دولي مؤثر في العالم ثنائي القطبية آنذاك وخاصة حركة عدم الانحياز والحياد الإيجابي وحركات التحرر الوطني وذلك يعني في الواقع توفر التقاليد ومناهج وأساليب الحركة في هذا الإطار الجغرافي، وكذلك توفر الخبرة الدبلوماسية، وثقافة التعامل مع هذه البلدان، بالإضافة إلى توفر هياكل هذه الحركة ومؤسساتها رغم التغير الممتد على صعيد العالم.
ثانيًا: غلبة المصالح القطرية والوطنية على المصالح ذات الطابع القومي العربي العام؛ حيث ترتب على عقد اتفاقات السلام الرسمية مع مصر والأردن وسيادة منطق التسوية الرسمية إعادة ترتيب جدول الأعمال العربي، بحيث تقلصت هذه المواجهة السياسية والدبلوماسية بين الدول العربية وبين إسرائيل، واستند ذلك إلى فهم ملتبس، بل ومغلوط، لطبيعة هذه المواجهة وتوقيتها؛ حيث تم النظر إليها باعتبارها مرتبطة بحالة الحرب والعدوان، وأنها في وقت السلم وإنهاء حالة الحرب ليست ضرورية.
والواقع أن المواجهة الدبلوماسية والسياسية بين العالم العربي وإسرائيل تكاد تكون مهمة دائمة، إن في السلم وإن في الحرب؛ حيث إن السلم الرسمي، الذي يطالب به النظام العربي، لن يحل كافة قضايا الصراع العربي الإسرائيلي، بل بعضها فقط، وخاصة ما تعلق منها بآثار عدوان عام 1967 وبعض الحقوق الفلسطينية، وتبقى القضايا الكبرى عالقة كقضية اللاجئين الفلسطينيين، وطبيعة الدولة الإسرائيلية، كدولة يهودية دينية وعنصرية وصهيونية، تمتلك ترسانة نووية في الإقليم العربي، وهي قضايا تستوجب المواجهة الدبلوماسية والسياسية والقانونية. من ناحية أخرى، فإن طبيعة هذه المواجهة سلمية قانونية، ويمكنها أن تمتد لتشمل العديد من القضايا والحقوق العربية الناجمة عن العدوان الإسرائيلي والاحتلال، والاستخدام غير القانوني للقوة ضد الدول العربية.
ثالثًا: توفر الخبرة التجريبية في هذا المجال للدول العربية، أي سبق الخبرة العربية الدبلوماسية والسياسية، والتي عملت في وقت سابق مجالات الحركة المختلفة على الصعيد الآسيوي والإفريقي، وهو ما يوفر مقياسًا للنجاح في المستقبل وثقة في نتائج الحركة، وبعبارة أخرى: فإن خبرة العرب في هذا المجال بمقدورها أن تقلص اعتبارات الإحباط واليأس وقلة الإمكانيات وما دونها من اعتبارات معوقة؛ حيث تشير النتائج التجريبية الملموسة للخبرة العربية في هذا المجال إلى نجاحات مهمة وإنجازات سياسية كفيلة بحفز الهمة وتدعيم الثقة.
وبعبارة أخرى: فإن التفوق الإسرائيلي، العسكري والتكنولوجي والاقتصادي، يعتمد على ميكانيزمات وآليات ومصادر قد تقع خارج السيطرة العربية جزئيًّا أو كليًّا، وتضعف إمكانية التحكم العربي والتأثير فيها، بحكم نشأة هذه المصادر التاريخية والركيزة السياسية والعقائدية التي تستند إليها، والانحيازات الدولية لإسرائيل، هذا في حين أن المواجهة الدبلوماسية والسياسية العربية لإسرائيل، على الصعيد الآسيوي والإفريقي، هي مجال جغرافي وسياسي وثقافي يتمتع فيه العرب بمزايا نسبية على الصعيد التاريخي والثقافي والسياسي والإستراتيجي، فبالإضافة لاعتبارات الجوار الجغرافي العربي لدول آسيا وإفريقيا، ثمة التفاعل الثقافي والحضاري بين العرب وآسيا، والعرب وإفريقيا عبر الدين الإسلامي، والقضايا المشتركة على صعيد التحرر الوطني، واللحاق بركب الحضارة الحديثة، ومعاناة العرب وآسيا وإفريقيا من الصعود الغربي على المستوى الحضاري والسياسي، والتطلع إلى إصلاح النظام الدولي.
إسرائيل وآسيا: حققت إسرائيل اختراقات إستراتيجية مهمة على صعيد القارة الآسيوية، حيث نجحت في إقامة علاقات مع العديد من دول القارة أبرزها تركيا واليابان وتايلاند وبورما وكمبوديا والصين والهند، وذلك عبر إستراتيجية الطرق المتواصل على أبواب آسيا، التي كانت فيما يبدو محكمة الإغلاق في وجه إسرائيل؛ بسبب التعاطف الآسيوي مع القضية الفلسطينية، والعلاقات التاريخية التي ربطت العرب بآسيا عبر حركة التضامن الإفريقي الآسيوي وحركة عدم الانحياز.
ولم تستند إنجازات إسرائيل في هذا المضمار على مجرد انتظار فتح أبواب آسيا أو التعويل على المتغيرات الدولية، وإنما تبنت إستراتيجية نشطة؛ منذ أن اصطدمت بجدار الرفض الآسيوي، وخاصة من قبل الصين والهند في عقد الخمسينيات، عندما كان موسى شاريت رئيسًا لوزراء إسرائيل.
كانت الهند على نحو خاص تؤسس موقف الرفض إزاء إسرائيل؛ المتمثل في عدم الاعتراف بها وإقامة علاقات معها، إبان حكم حزب المؤتمر الهندي؛ استنادًا إلى موقف الزعيم الروحي الهندي المهاتما غاندي، الذي كان يرى أن “فلسطين ملك للعرب تمامًا، مثلما أن إنجلترا ملك للإنجليز وفرنسا ملك للفرنسيين، وأن من الخطأ أن يُفرض اليهود على العرب” وكانت الهند في مقدمة الدول التي تؤيد القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، وكانت ترى في إسرائيل سيف الغرب وأداته في المنطقة، كما صرح شاريت رئيس وزراء الكيان الصهيوني الأسبق.
تنتهج إسرائيل إستراتيجية تنويع علاقاتها الدولية، والتطلع إلى إقامة علاقات قوية ووطيدة مع القوى الصاعدة في العالم، والتي يمكنها أن تلعب دورًا مؤثرًا، إن على الصعيد الإقليمي أو على الصعيد الدولي، وعدم الاكتفاء في هذا الصدد بعلاقات التحالف مع الغرب أو مع الولايات المتحدة الأمريكية، واستنادًا إلى ذلك لم تستسلم إسرائيل أمام الرفض الهندي، وبذلت على مدار العقود الماضية جهودًا مضنية من أجل تحقيق أهداف في آسيا، والهند خاصة، لا سيما بعد أن أصبحت الهند القطب الثالث في آسيا بعد الصين واليابان، وأصبحت عضوًا في النادي النووي عام 1998، وتملكت نظامًا متقدمًا للصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى والقادرة على حمل رءوس نووية.
التفت إسرائيل حول رفض حزب المؤتمر الهندي لإقامة علاقات معها، بفتح قنوات اتصال مع القوى السياسية الأخرى في المعارضة، وخاصة حزب “بهاراتيا جاناتا” الهندوسي المتطرف بزعامة بيهاري فاجياي، الذي سبق له زيارة إسرائيل عام 1967 عندما كان عضوًا في البرلمان الهندي، وطالب حكومته بالاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة، وأصبح هذا المطلب -رغم استمرار الهند في رفضه- قائمًا في السياسة الهندية، إلى أن اعتراف الهند اعترافًا كاملاً بإسرائيل في 29 يناير عام 1992.
خطاب إسرائيل الدعائي الموجه للهند: ارتكز الخطاب الإسرائيلي الموجه للهند؛ من أجل تحقيق الأهداف الإسرائيلية، حول عدد من العناصر المترابطة، التي بمقدورها التأثير على مواقف النخبة والحكومة والرأي العام، أول هذه العناصر يتمثل في زعم إسرائيل بأنها دولة آسيوية، وأنها جزء لا يتجزأ من القارة الآسيوية، وفق ما قاله موسى شاريت في الخمسينيات، ومن هذا الموقع الجغرافي فإن إسرائيل وضعت نفسها في حالة جوار جغرافي، وحسن جوار، يرتب إمكانية تبادل المصالح والمنافع كما هو العرف في العلاقات الإقليمية، ويعني ذلك أن إسرائيل ليست غريبة على المنطقة، وأن علاقتها بالغرب لا تقلل من انتمائها الآسيوي ولا تعرقله، من ناحية أخرى فقد زعمت في خطابها الموجه للهند بأنها تمثل “بيت خبرة” في مقاومة الإرهاب الإسلامي والفلسطيني في الأراضي المحتلة وإسرائيل، ويمكنها أن تقدم خبرتها للهند لمواجهة تداعيات النزاع الهندي الباكستاني حول كشمير، وتقليص موجات الإرهاب والتمرد التي يقودها إسلاميون متشددون من كشمير؛ وبذلك تستغل إسرائيل مشكلات الهند في كشمير ومع باكستان لخلق مصالح مهمة للهند مع إسرائيل، عبر إقامة العلاقات والتعاون بين البلدين.
على صعيد آخر، فإن إسرائيل تزعم أنها البلد الديمقراطي الوحيد في منطقة الشرق الأوسط، كما أن الهند من أكبر وأعرق الديمقراطيات في شبه القارة الهندية والبلدان الآسيوية، وذلك أحد أوجه الشبه والتماثل بين البلدين، ويبرر تعاون الديمقراطيات في مواجهة الإرهاب والدول الاستبدادية.
وتعلم إسرائيل في هذا السياق، المشكلات التي تواجهها الهند في مجال تطوير نظمها الدفاعية والتسليحية، وتأكيد أمنها الإقليمي، حيث تعاني الهند من قدم أنظمة التسلح السوفيتية الروسية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق، وحاجتها لتجديد هذه النظم وتطويرها، وصعوبة الحصول على تكنولوجيات متقدمة من الولايات المتحدة الأمريكية، وتقدم إسرائيل نفسها في هذا الإطار كحلقة وصل الهند بالتكنولوجيات المتقدمة في مجال الدفاع والتسليح وتطوير نظم التسلح وأجهزة الإنذار المبكر من طراز “فالكون” المحمول جوًّا، وقد بلغ حجم التعاون العسكري بين الهند وإسرائيل ملياري دولار، وتحتل إسرائيل المرتبة الثالثة في الدول التي تصدر السلاح إلى الهند.
ومن الواضح أن الخطاب الدعائي الإسرائيلي الموجه للهند يجمع بين إرضاء الطموح الهندي في التفرد كأكبر ديمقراطية في آسيا، وبين المصلحة الوطنية الهندية في الحصول على تكنولوجيا متقدمة في مجال الدفاع، ومعالجة قضايا الأمن القومي الهندي في كشمير وشبه القارة الهندية، بيد أنه مهما كان الخطاب الإسرائيلي فإن استجابة الهند لهذا الخطاب وصياغة معالم سياسية هندية إزاء إسرائيل، اقترنت بظروف إقليمية ودولية اقتضت إعادة النظر في موقف الهند إزاء إسرائيل، فثمة من ناحية، مشهد التسوية الرسمية العربية، التي بدأتها مصر باتفاق كامب ديفيد والمعاهدة المصرية الإسرائيلية في عام 1979، واعتراف مصر بإسرائيل وتبادل العلاقات الدبلوماسية معها، وبعد ذلك، وعقب انتهاء حرب الخليج الثانية ضد العراق، قبل العرب مجتمعين صيغة مؤتمر مدريد وإطار التفاوض الثنائي والتفاوض متعدد الأطراف بهدف التوصل لاتفاقيات سلام وفق القرار 242 و338، وكذلك انهيار وتفكك الاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية في شرق أوروبا، والذي كان حليف الهند ومصدر تسليحها حتى ذلك الحين، وفي ذات الوقت فإن الولايات المتحدة الأمريكية، والحديث عما سُمِّي “النظام العالمي الجديد”، قد فرضا مزيدًا من القيود على الانتشار النووي والتكنولوجيات المتقدمة؛ للحؤول دون تملك بعض القوى والدول لهما، وانطبق ذلك على الهند التي كانت تطور مشروعها الوطني لتحديث الدفاع وتعزيز أمنها الوطني.
وكان الاعتراف بإسرائيل، وإقامة العلاقات معها، وتدعيم التعاون بين البلدين في المجال العسكري والسياسي والاقتصادي والتكنولوجي، مخرجًا واقعيًّا لتطوير وتحديث الدفاع الهندي، وتعزيز المصلحة الوطنية الهندية، وإعادة بناء الموقف التقليدي الهندي إزاء إسرائيل، خاصة وأن الدول العربية ذاتها أو بعضها قامت بالفعل بتغيير موقفها إزاء إسرائيل، فالهند ليست ملكية أكثر من الملك، وأدركت الهند بحكم خبراتها وحساسياتها السياسية أن إسرائيل هي المدخل إلى التعاطف الغربي، وبوابة الحصول على مستلزمات تطوير أبحاث الدفاع الهندية.
على صعيد آخر، فإن غياب أية مبادرات عربية موجهة للهند تنطوي على إحياء بعض الأطر المؤسسية للعلاقات التاريخية بالهند، أو خلق مؤسسات جديدة تدعم المصالح المشتركة العربية الهندية، أو تقدم الهند مزايا نسبية مقارنة بعلاقتها بإسرائيل، قد عزز من التوجه الهندي الجديد، وساعد الهند على التحرر من تلك القيود المعنوية والرمزية والتقليدية، التي كانت تحكم الموقف الهندي من إسرائيل.
إسرائيل وباكستان: كان لتطور العلاقات الهندية الإسرائيلية، خاصة في مجال الدفاع والتسليح والتكنولوجيا، تأثيرات هامة على باكستان، الجار النووي المسلم للهند، والطرف الآخر في النزاع حول كشمير؛ حيث ارتأت باكستان أن التعاون الهندي الإسرائيلي، خاصة في مجال التجسس بالطائرات ذات التكنولوجيا المتقدمة في جمع المعلومات، من شأنه أن يخل بالتوازن الإقليمي بين الهند وباكستان، وأن يعزز قدرات الدفاع الهندي في مواجهة باكستان، لا سيما وأن الهند طالما زعمت مرارًا أن التعاون مع إسرائيل عسكريًّا موجه للباكستان؛ بمعنى أنه في حالة قيام حرب بين البلدين فإن الهند ستحظى بدعم قوة عسكرية لا بأس بها، ألا و هي قوة إسرائيل، في مواجهة ذلك لوحت باكستان بأن مصلحة إسرائيل معها تفوق بكثير مصلحتها مع الهند؛ لأن باكستان هي القوة النووية الإسلامية الوحيدة، وبمقدورها تسريب تكنولوجيا أسلحة الدمار الشامل لأطراف النزاع العربي مع إسرائيل، وفي الوقت ذاته فإن إسرائيل حريصة على تحييد القوة النووية الباكستانية في أي صراع مستقبلي مع العرب والمسلمين.
ونتيجة لحسابات معقدة، أجرتها كل من إسرائيل وباكستان، شاركت فيها الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى ضوء ظروف خاصة بالحرب على الإرهاب بعد 11 سبتمبر، يمكن القول إن تفاهمًا إستراتيجيًّا غير مكتوب بين إسرائيل وباكستان يجري العمل به، يقضي بعدم التدخل في المجال الجغرافي الحيوي للآخر، وعدم الإخلال بموازين القوى في الأقاليم التي توجد بها إسرائيل وباكستان، فإسرائيل لا تتدخل إلى جانب الأطراف التي تناوئ باكستان في كشمير وآسيا الوسطي وأفغانستان، كما أن باكستان لن تتدخل إلى جانب الأطراف المتنازعة مع إسرائيل.
ولكل من البلدين مصلحة حيوية في هذا التفاهم غير المكتوب، أو “التفاهم الإستراتيجي الصامت” كما سماه البعض.
بيد أن ملف العلاقات بين باكستان وإسرائيل يخضع لتنازع تيارين أساسيين، أولهما قومي ليبرالي، يسلم بأن العرب قد خذلوا باكستان في قضية كشمير، وهو على استعداد للاعتراف بإسرائيل استنادًا إلى هذه القاعدة، أما الثاني، وهو التيار الإسلامي السائد، وهو وإن كان يقر بخذلان العرب لباكستان في القضية الكشميرية إلا أنه يرى أن القضية الفلسطينية هي قضية باكستان الأولى، ولا يرغب في الاعتراف بإسرائيل.
وتستهدف باكستان من المناورة حول ملف علاقتها بإسرائيل أمرين، وذلك في الحد الأدنى المقبول باكستانيًّا، الأول تحييد المؤسسة العسكرية الصناعية في إسرائيل؛ حتى تقلص من دعمها التكنولوجي للهند، أما الثاني فهو تحييد اللوبي الموالي لإسرائيل في مؤسسة صنع القرار الأمريكي المتعلق بباكستان، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001 والقرارات المهمة التي اتخذتها باكستان في إطار الحرب على الإرهاب وذلك بهدف صوغ سياسة أمريكية في المنطقة تعترف بمصالح باكستان الحيوية وضرورات أمنها القومي في الإقليم.
إسرائيل والصين: خضعت علاقة الصين بإسرائيل لميراث ومعادلات الحرب الباردة؛ حيث اعترفت إسرائيل بالصين الشعبية اعترافًا كاملاً وقانونيًّا عام 1950، غير أن الصين لم تبادل إسرائيل هذا الاعتراف حيث انخرطت الصين الشعبية في معسكر باندونج وعدم الانحياز وتبادلت العلاقات الوثيقة بالدول العربية، لا سيما في الستينيات، وأيدت نضال الشعب الفلسطيني وكفاح الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي، في عقد السبعينيات بدأت بوادر إيجابية في علاقات الصين بإسرائيل؛ حيث أيدت الصين مبادرة السادات ومعاهدة كامب ديفيد والحل السلمي للقضية الفلسطينية.
من ناحية أخرى كانت هذه الفترة تشهد تفاهمًا تدريجيًّا بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية عبر ما عرف بدبلوماسية “البينج بونج” وتبنت الصين في أواخر السبعينيات سياسة الانفتاح الاقتصادي، وسعت لتحسين علاقاتها بالدول الأخرى.
كانت محصلة هذه التطورات إيجابية على العلاقات بين الصين وإسرائيل حيث قلصت هذه التطورات الحرج عن إسرائيل في معرض سعيها لتطوير علاقاتها بالصين، فالحليف الأول لإسرائيل، أي الولايات المتحدة الأمريكية، اتخذ مسارًا مختلفًا في علاقته بالصين، ومن ناحية أخرى فإن توقيع معاهدة كامب ديفيد والمعاهدة المصرية الإسرائيلية قد رفع الحرج عن الصين في نظرتها لإسرائيل، ومنذ ذلك الحين اتجهت العلاقات الصينية الإسرائيلية إلى تجاوز مناخ الحرب الباردة واستكشاف آفاق المصالح الممكنة بين الجانبين.
وعبر عدة صفقات عسكرية في مجال الطيران والدبابات والصواريخ والأجهزة الإلكترونية المتنوعة، في أوائل الثمانينيات ومنتصف الثمانينيات، حدد كل من الجانبين أجندة المصالح والأولويات التي ينشد تحقيقها من خلال التعاون والتقارب الذي أفضى إلى إقامة علاقات دبلوماسية وتبادل السفراء بين البلدين في 24 يناير عام 1994.
فيما يتعلق بالصين؛ فإن وجهة تطور علاقاتها بإسرائيل قد اتخذت مسارًا مشابهًا لتطور العلاقات الهندية الإسرائيلية، حيث بدأت هذه العلاقات في مجال التسلح والتكنولوجيا العسكرية وأنظمة التسليح المتقدمة الغربية خاصة في مجال الطيران؛ لإعادة تشكيل موازين القوى بجنوب آسيا لصالح الصين في نزاعها مع تايوان والهند والمنافسة التقليدية مع اليابان وأصبحت إسرائيل بالنسبة للصين هي بوابة الحصول على التكنولوجيا المتقدمة لتحديث الدفاع الصيني، بالإضافة إلى المجهود الوطني الصيني لتحديث وتطوير البنية الدفاعية الصينية.
يضاف إلى ذلك أن تقارب الصين وإسرائيل، من وجهة النظر الصينية، قد يمكِّن الدبلوماسية الصينية من الاستفادة على نحو أو آخر من وجود اللوبي اليهودي الموالي لإسرائيل في مؤسسات صنع القرار الأمريكي، خاصة في مجال حقوق الإنسان في الصين، وتعزيز موقف الصين إزاء تايوان، وتسهيل انخراط الصين في المجتمع الدولي وإنهاء عزلتها الدولية.
أما من ناحية إسرائيل فإن قراءة الخبرة التاريخية للصهيونية وإسرائيل طوال ما يفوق نصف القرن تشير إلى أن إسرائيل تسعى لتوطيد علاقاتها بالقوى الكبرى الفاعلة في النظام الدولي، حيث ركزت في البداية على المملكة المتحدة البريطانية، ثم توجهت إلى الولايات المتحدة الأمريكية فيما بعد، واستنادًا إلى هذه الخبرة فإن إسرائيل ترى في الصين قطبًا عالميًّا مؤثرًا في القرن الحادي والعشرين، بحكم ثقله الاقتصادي والجغرافي والعلمي والسكاني، وفضلاً عن ذلك فإن الصين تحظى في الوقت الراهن بحق الفيتو في مجلس الأمن، وأن استثمار علاقتها بالصين والفرصة المتاحة لتطويرها سيكفل لإسرائيل دعمًا سياسيًّا ودوليًّا خصمًا من رصيد العرب خلال عقد الستينيات والخمسينيات، وسيترتب على ذلك تخفيف الضغط على إسرائيل فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وهو الأمر الذي سيعزز الموقف الإسرائيلي في مواجهة العرب، كما أن تطوير علاقة إسرائيل بالصين سيدفع بالأخيرة لمراجعة سياساتها العربية، وسيمكن إسرائيل من تقليص صفقات ونوعية الأسلحة التي قد تقدمها الصين للدول العربية.
وفضلاً عن هذه المزايا الإستراتيجية النسبية التي تستثمرها إسرائيل في علاقتها بالصين، فثمة كذلك السوق الصيني الكبير، باحتياجاته التكنولوجية، الذي يمكِّن إسرائيل من عقد صفقات بمليارات الدولارات ويؤكد قدرة إسرائيل على بناء وتشييد نموذج للعلاقات مع الدول التي كانت تتخذ من إسرائيل مواقف سلبية وانتقادية، يشجع هذه الدول على تغيير مواقفها من إسرائيل.
ولا شك أن تأكيد استقلالية القرار الإسرائيلي عن الولايات المتحدة الأمريكية ليس غائبًا عن هذه التوجهات نحو الصين وغيرها من الدول فالرسالة واضحة أن إسرائيل تعيد النظر في علاقاتها الدولية على ضوء مصالحها السياسية والأمنية، وتقديرها المستقل لطبيعة هذه المصالح وآليات تفعيلها.
إسرائيل وإفريقيا: كانت الدائرة الإفريقية أحد أهم دوائر الحركة العربية القومية في الحقبة الناصرية خلال عقد الخمسينيات والستينيات، وقد استلهم هذا التركيز على الدائرة الإفريقية عناصر مهمة في ميراث العلاقات المصرية بإفريقيا، فمن الناحية الجغرافية تقع غالبية الإقليم المصري في إفريقيا، وتربطه بدول هذه القارة علاقات تاريخية وثقافية عديدة منذ القدم، كما أن دول حوض النيل والبحيرات الكبرى تقع في إفريقيا، وارتباط مصر بالنيل ومنابعه يعد ارتباطًا حيويًّا ومصيريًّا ويدخل في نسيج بنية أمنها القومي.
وفضلاً عن ذلك فإن إفريقيا المستعمرة كانت تتطلع إلى الاستقلال والتحرر من الاستعمار، وكانت ثورة 23 يوليو عام 1952 تملك دعوى تحررية كونية، عبر إدراك قائدها الراحل الكبير عبد الناصر بالترابط بين قضايا التحرر العربي والتحرر الكوني ووحدة قضية الاستقلال والكرامة للشعوب التي رزحت تحت نير الاستعمار.
هذه الدعوى الكونية لم تقف في الخطاب الناصري عند حدود الموقف النظري، بل عرفت طريقها إلى الواقع العملي والميداني، عبر الدعم الذي لاقته حركات التحرر في إفريقيا من مصر الثورة والمكاتب التي افتتحت لحركات التحرير في القاهرة للدفاع عن عدالة القضايا التي تدافع عنها، وتحولت القاهرة خلال هذه العقود إلى ناطق باسم هذه الحركات ومؤيد لقضاياها العادلة.
ونتيجة لهذه الرؤية التي ارتبطت بواقع القارة الإفريقية وطموحها إلى الاستقلال والتحرر، اتخذت معظم دول القارة مواقف مناهضة لإسرائيل باستثناءات قليلة، ليبريا التي كانت ثالث دولة في العالم تعترف بإسرائيل وأول دولة إفريقية تعقد مع إسرائيل معاهدة صداقة وتعاون، بل ولعبت الدول الإفريقية مع الدول العربية جنبًا إلى جنب دورًا بالغ الأهمية في إصدار قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي اعتبر الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية عام 1975.
بيد أن هذا الميراث التضامني لدول وشعوب القارة الإفريقية مع النضال العربي ضد إسرائيل سياسيًّا ودبلوماسيًا، شهد عثرات كبيرة وممتدة عبر العقود الأخيرة، فقد وضعت إسرائيل نصب أعينها هذه الدائرة الإفريقية بدعوى أن دول وشعوب القارة عانت من الاضطهاد الاستعماري على غرار ما عاناه اليهود من اضطهاد النازي، وأنهم يخوضون حرب الاستقلال عن المستعمر كما خاض اليهود وإسرائيل حرب الاستقلال عام 1948 ضد العرب والفلسطينيين.
وعبر دورات ممتدة بين المد والجزر في العلاقات الإسرائيلية الإفريقية وفق الظروف والمعطيات الإقليمية والدولية، سواء تلك التي تتعلق بالنظام الدولي، أو تلك التي تتعلق بالموقف العربي إزاء الصراع مع إسرائيل أو ما تعلق منها بالديناميكية الدبلوماسية والعربية، فإن واقع الحال أفضى في عام 1999 إلى أن تقيم إسرائيل علاقات دبلوماسية مع 42 دولة إفريقية، وامتدت هذه العلاقات لتشمل المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية.
وعبر المراحل المختلفة لتطور العلاقات الإفريقية الإسرائيلية استكشف الجانبان طبيعة المصالح والرهانات المرتبطة بأفق تطور هذه العلاقات حيث أدركت العديد من دول القارة أن العلاقات مع إسرائيل يمكن أن تكون مفتاح التوجه للعالم الغربي وتطوير العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ نظرًا للمكانة التي تحظى بها إسرائيل في أجندة الولايات المتحدة وعلاقات التحالف والشراكة الإستراتيجية والأمنية التي تربطهما وقد يسهم ذلك في توجيه اهتمام القوة العظمى الأولى والوحيدة نحو قضايا ومشكلات القارة الإفريقية.
من ناحية أخرى، فإن إسرائيل والعلاقة معها، في نظر الكثير من دول القارة، تعتبر مستودع الخبرة الأمنية والعسكرية؛ بسبب تقدم صناعتها العسكرية وتفوق أساليبها الاستخباراتية، وحصول هذه الدول على التكنولوجيا العسكرية والتدريب والمعلومات من شأنه أن يعزز مواقع النظم الحاكمة في هذه الدول، خاصة مع تواتر الصراعات والنزاعات بينها.
في مقابل ذلك لم تستطع السياسة العربية أن تكون بمستوى هذا الإدراك وهذه المطالب الإفريقية؛ إذ لم يكن بمقدورها تلبية الحاجات الأمنية والدفاعية للدول الإفريقية؛ بسبب تخلف صناعتها العسكرية وتكنولوجيتها الحربية مقارنة بمثيلتها الإسرائيلية، فضلاً عن أنها تخلت عن إستراتيجية المواجهة، وجنحت إلى التسوية التفاوضية السلمية، وبالذات مصر وساهمت بذلك في رفع الحرج عن الدول الإفريقية التي شرعت في إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، ولم تتمكن السياسة العربية من بلورة سياسات ومؤسسات يمكنها أن تستثمر ميراث الخمسينيات والستينيات ويخلق مصالح لدول القارة في استمرار مقاطعتها لإسرائيل وعزلها على المسرح الدولي.
هذا، ولم تقتصر الدبلوماسية الإسرائيلية في حركتها إزاء دول القارة على عودة العلاقات، أو إقامة العلاقات الدبلوماسية والقنصلية عبر المساعدات الأمنية والعسكرية والتكنولوجية للعديد من دول القارة، بل تمكنت إسرائيل من الانضمام لاتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي عام 1999 وتحضر إسرائيل الاجتماعات السنوية، منذ عام 2000، الخاصة بمكتب التراث العالمي ولجنة التراث العالمي، وهما ضمن تنظيمات هذه الاتفاقية.
واستغلت إسرائيل موقعها في التنظيمات الخاصة بهذه الاتفاقية لكي تقدم في يونيو عام 2000، وأثناء انعقاد جلسات “لجنة التراث العالمي” في بودابست بالمجر، ما سماه مندوبها مشروع “الأخدود الإفريقي العظيم” ودعوة الدول العربية والإفريقية للاجتماع ضمن مناقشة هذا المشروع ويمتد الأخدود الإفريقي العظيم من تركيا شمالاً إلى جنوب إفريقيا ودول البحر الأحمر جميعًا ودول حوض النيل.
وتستهدف دعوة المندوب الإسرائيلي للدول الإفريقية والعربية ضمن هذا المشروع التداول بشأن إعلان بعض المواقع الثقافية والطبيعية على قائمة التراث العالمي، كأداة لتحقيق السلام، ويزعم أن هذا الأخدود وحدة ثقافية وطبيعية متكاملة يمكن للدول المعنية أن تتعاون مع إسرائيل لحماية التراث الطبيعي والثقافي فيه.
في الاجتماع المشار إليه، اقترحت مصر تنشيط التعاون العربي الإفريقي في مجال حماية التراث الثقافي والطبيعي في الإقليمين، وقد وافقت اللجنة على هذا الاقتراح؛ وذلك بهدف إرجاء نظر اللجنة في مشروع المبادرة الإسرائيلية أو قطع الطريق عليها.
بيد أنه في 30 سبتمبر من نفس العام أي عام 2002، تمكنت إسرائيل من عقد الاجتماع الإقليمي الأول للخبراء من دول الأخدود الإفريقي العظيم وذلك في مدينة “عين جدي” بوادي نهر الأردن، ودعيت إليه الدول العربية والإفريقية المعنية، وكان حضورها محدودًا، وكانت كينيا من أكثر الدول حماسًا، واتُّفق على أن يكون الاجتماع الثاني في كينيا.
ولدى مناقشة الطلب الذي تقدمت به كينيا لدعم عقد هذا الاجتماع في يونيو عام 2003، تمكنت مصر من إحباط هذا الطلب وتأجيل النظر فيه إلى العام القادم.
جدير بالذكر أن الأخدود الإفريقي العظيم هو تكوين جيولوجي، عبارة عن فالق ضخم في القشرة الأرضية، يفصل بين الجزيرة العربية وإفريقيا ويبلغ طوله حوالي 7000 كم، ويضم أكثر من عشرين دولة. ويكاد يماثل هذا المشروع -الذي تتبناه إسرائيل- مشروع السوق الشرق أوسطية من حيث أهدافه ومراميه؛ فهو يهدف إلى إدماج إسرائيل في نسيج المنطقة الثقافي والطبيعي والجيولوجي، وأن تصبح جزءًا لا يتجزأ من المنطقة ليس فحسب في الوقت الراهن وبحكم الأمر الواقع، بل أيضًا على صعيد التاريخ والتكون الجيولوجي والجغرافي للمنطقة.
ويستهدف هذا المشروع، من وجهة النظر الإسرائيلية، استكمال مقومات الشرعية لإسرائيل، عبر شبكة العلاقات التي بنتها وتبنيها مع دول الإقليم الإفريقي والعربي، ومن ناحية أخرى إسكات التاريخ الفلسطيني، وطمس معالمه وشواهده التاريخية والأثرية، وإثبات أن إسرائيل مرتبطة ببنية هذه المنطقة الجيولوجية والجغرافية منذ الأزل، وأنها ليست عنصرًا طارئًا وعارضًا في حاضر وتاريخ المنطقة.
ولا شك أن هذا المشروع يقابله تنسيق عربي تتولاه مصر واللجنة الوطنية للتربية والعلوم والثقافة؛ بهدف إعداد الدول العربية والإفريقية لمواجهة المناورة الإسرائيلية، نأمل أن تُكلل بالنجاح.
مقترحات وتوصيات: في مواجهة الحركة الدبلوماسية والإسرائيلية، التي تستهدف دول آسيا وإفريقيا، يمكن للسياسة العربية أن تعيد صوغ مواقفها إزاء هاتين القارتين؛ وهذه العملية مرهونة بتضافر العديد من الإمكانيات والأجهزة المعنية، بيد أن أهم خطوة في إعادة هيكلة السياسة العربية تجاه آسيا وإفريقيا هي النقد الذاتي البنَّاء لهذه السياسة، والوعي بمخاطر إنجازات الدبلوماسية الإسرائيلية على هذا الصعيد.
ويتمثل النقد الذاتي للسياسة العربية في هذا المجال في عدم قدرتها على استكشاف طبيعة وحدود التغير في جدول وأولويات الدول الآسيوية والإفريقية، وقصورها عن مواكبة التغير في المصالح والأدوات، وتعاملها مع منجزات الدبلوماسية العربية في حقبة الخمسينيات والستينيات باعتبارها معطيات ثابتة لا تتغير ولا تتأثر بما يستجد من أحداث.
وفضلاً عن ذلك فإن السياسة العربية إزاء آسيا وإفريقيا تعاني من جمود الأطر المؤسسية التقليدية، والحذر من تجديد وتطوير هذه الأطر، وإعادة صوغ أهدافها وتحديثها.
ومن بين أهم الانتقادات التي يمكن أن توجه للسياسة العربية هو عدم قدرة النظام العربي على رسم سياسة عربية واحدة إزاء إسرائيل، وموقف عربي واضح يستند إلى إستراتيجية موحدة؛ حيث أصبح لدينا سياسات عربية إزاء الصراع العربي الإسرائيلي، وهو ما أفقد الموقف العربي المصداقية على الصعيد الآسيوي والإفريقي.
وأيًّا كان تفسير هذه التجزئة في الموقف العربي والسياسة العربية؛ فإن تقدير المخاطر والتهديدات التي يتضمنها تطوير علاقات آسيا وإفريقيا بإسرائيل يفضي إلى القول بأنها تهديد للأمن العربي، إن على الصعيد القطري أو الصعيد القومي، قد يتفاوت تأثير هذا الخطر من قطر إلى آخر، إلا أن ذلك لا يغير من طبيعته كتهديد في الحال والاستقبال.
في هذا السياق يمكن مناقشة المقترحات والتوصيات الآتية: تفعيل المؤسسات والأطر المؤسسية التقليدية التي كانت تقف وراء علاقات العرب الآسيوية والإفريقية في السابق ومازالت قائمة ولكنها تبدو غير فعالة، وذلك مثل حركة عدم الانحياز ومنظمة المؤتمر الإسلامي، فالأولى بحاجة لإعادة صوغ رسالتها على ضوء المتغيرات الراهنة، أما الثانية فتستبعد الدول غير الإسلامية من عضويتها، وفي جميع الأحوال فإن تطور وتفعيل هذه الأطر يبدو ضرورة لا مفر منها في مواجهة القصور وجمود الفاعلية العربية على هذا الصعيد.
خلق وإنشاء أطر مؤسسية جديدة تستوعب الدول الآسيوية والإفريقية والعربية في إطار التغير العالمي الراهن؛ من أجل جذب الاستثمارات الآسيوية ذات المكون التكنولوجي العالي إلى البلاد العربية والأسواق العربية، وتوسيع بناء جمعيات رجال الأعمال العربية الآسيوية، وتفعيل الجامعة العربية.
دعم التكتلات الإقليمية الآسيوية القائمة والمشاركة في عضويتها، وتعظيم العائد العربي من المشاركة فيها، وتفعيل التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول الأعضاء في هذه التجمعات.
التنسيق بين السياسات الخارجية العربية تجاه آسيا وإفريقيا، عبر إنشاء مجموعة للتنسيق، أو مجموعة للربط بين هذه السياسات، وصوغ أهدافها على نحو يعظم العائد منها على صعيد القضايا العربية.
رسم معالم دور ثقافي جديد، عربي إسلامي، موجه للبلدان الإفريقية والآسيوية، تشارك فيه



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 182 / 2182537

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع ريبورتاج   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

34 من الزوار الآن

2182537 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 32


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40