حالة الصحوة العربية المتصاعدة لا تقتصر فقط على الثورات والانتفاضات الشعبية التي تريد تغيير انظمة ديكتاتورية قمعية عربية فاسدة، وانما بدأت تلتفت الى القضية المركزية العربية الأم، وتعيد التذكير بقوة بحجم الظلم والاستكبار «الإسرائيليين» الواقع على الأمتين العربية والإسلامية.
المسيرات السلمية التي زحفت يوم أمس الأول باتجاه الحدود الفلسطينية من ثلاث جبهات في الشمال والشرق السوري والجنوب والوسط الفلسطينيين بمناسبة الذكرى الثالثة والستين للنكبة، هي التجسيد الأسمى والأنقى لهذه الصحوة المباركة.
الشهداء الذين سقطوا في مارون الراس وهضبة الجولان وقطاع غزة هم النموذج المشرف للتضحية والفداء، في وقت اعتقد فيه «الإسرائيليون» بموات هذه الأمة والنخوة والشهامة فيها، وانتفاء الرغبة بالتضحية لدى الشعوب العربية، والشعب الفلسطيني بوجه خاص في غمرة استسلام الأنظمة واستجدائها للرضاء «الإسرائيلي» والأمريكي.
ومن المفارقة ان يذهب بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء «الإسرائيلي» الى الأمم المتحدة شاكياً من هذه المسيرات، ومحتجاً على الدول التي انطلقت منها، فالأجدى بالشكوى هي الحكومات العربية، فالقوات «الإسرائيلية» هي التي اخترقت القانون الدولي وارتكبت جرائم حرب بإطلاقها الرصاص الحي على متظاهرين مسالمين وغير مسلحين، رفعوا الأعلام الفلسطينية ورددوا شعارات تطالب بحقوقهم المشروعة، وأبرزها حق العودة الى وطنهم السليب وهي حقوق كفلها القانون الدولي، ودعمتها قرارات صادرة عن الأمم المتحدة ومجلس أمنها.
كنا نتمنى لو ان الحكومتين المصرية والأردنية سمحتا لأبناء البلدين بالمشاركة في مسيرة هذا الزحف المقدس. ولكن ما حدث ان قوات الأمن في البلدين تصدت للمشاركين في المسيرات، ومنعت انطلاقها نحو الحدود الفلسطينية.
قد نجد العذر للحكومة المصرية، لأنها تسير وسط حقل من الألغام، فهي حكومة انتقالية لمرحلة صعبة تواجه ثورة مضادة تقودها فلول النظام السابق الفاسد عرّاب السلام المغشوش في المنطقة، ولكننا لا نجد أي عذر قوي للحكومة الأردنية.
الشباب المصري الغاضب عوض انتكاسة مسيرته نحو الحدود بالتظاهر امام السفارة «الإسرائيلية» في قلب القاهرة، حيث اندفع الآلاف منهم مرددين الشعارات التي تدين الاحتلال «الإسرائيلي» وتنصر القضية الفلسطينية العادلة، ملوحين بالأعلام الفلسطينية، ومتحدين في الوقت نفسه قنابل الغاز المسيل للدموع وهراوات الشرطة الغليظة.
أربعمئة شخص جرحوا تقريباً اثناء مظاهرات الكرامة الوطنية هذه، بينما تعرض حوالي مئتين للاعتقال، وهذا امر غير مستغرب على الشعب المصري الذي لم يتردد لحظة في نصرة القضايا العربية العادلة، والمشاركة في جميع حروب الأمة ضد «إسرائيل» وتقديم آلاف الشهداء.
الرسالة التي يريد المتظاهرون إيصالها، سواء في بلدة مارون الراس جنوب لبنان، او في مدينة مجدل شمس في قلب الجولان المحتل، او امام حاجز قلنديا في الضفة وايريز في قطاع غزة، هذه الرسالة واضحة وهي ان «إسرائيل» المتغطرسة العدوانية المحتلة للأرض العربية، الرافضة للسلام العادل، والتعايش الإنساني لا مكان لها في المنطقة بأسرها.
[**رأي صحيفة «القدس العربي».*]