الأحد 21 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021

الأزمة اللبنانية السياسية والاقتصادية تفاقم معاناة الصحافة ووسائل الإعلام

الأحد 21 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021

- عبد معروف

لم يسلم الإعلام اللبناني من تداعيات الأزمة الاقتصادية والمعيشية، وحالة الاستعصاء السياسي التي تمر بها البلاد. ووسائل الإعلام اللبناني اليوم، لم تعد مزدهرة كما كانت خلال عقود مضت، ولم تعد بيروت منبرا أو فضاء للصحافيين والكتاب والمثقفين العرب، فقد أقفلت العديد من وسائل الإعلام ودور النشر والمكتبات والمطابع وأصبحت مقراتها ومكاتبها أماكن مهجورة.
يقول الإعلامي أمين مصطفى، يكاد القارئ أو المشاهد أو المستمع العربي لا يصدق ما وصل إليه حال الإعلام اللبناني من تراجع وانهيار بعد ان كان في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، يشكل منبر ورئة العرب وملاذ كل الإعلاميين والمثقفين والفنانين، لما كانت تمتاز به العاصمة اللبنانية من حرية تعبير، وامكانات مهمة تعطي الإعلام قوة من خلال ما يقدم له من دعم مالي ضخم محليا، عربيا ودوليا.
ويؤكد مصطفى لـ«القدس العربي» أن بيروت كانت إضافة إلى صحافتها الرائجة وإعلامها مرآة المنطقة، باعتبارها تعكس الوقائع السياسية في المنطقة وما يخطط من مشاريع وبرامج.
ويتابع القول، كانت بيروت طوال تلك الحقبة، صحيفة ومطبعة ومكتبة وصوت العرب.
هذه المزايا افتقدها لبنان اليوم، بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية التي عصفت وتعصف بالبلد، وتوقف الدعم المالي العربي والخارجي عن عدد من وسائل الإعلام، وتم الاستغناء عن الإعلام اللبناني بتوسيع وتقوية الإعلام في عدد من البلدان العربية.
وهذا طبعا إلى جانب الفوضى السياسية وضعف الحكومات المتعاقبة وعدم قدرتها على معالجة الأسباب التي أوصلت البلاد إلى حالة التخبط والمعاناة التي تعيشها، وانهيار العملة الوطنية أمام الدولار الأمريكي وانشغال المواطن بهمومه اليومية، وانتشار الفساد وبشكل غير مسبوق والذي أدى إلى انكشاف العجز.

تسريح محررين وعاملين

البعض يرى أن أسباب هذه الأزمات سياسية بامتياز، والبعض الآخر يرى فيها جزءا من الصراع الدائر في المنطقة. ولو ألقينا نظرة إلى تداعيات هذا الوضع على الإعلام اللبناني، نلحظ ان صحفا اضطرت للإقفال مثل جريدة «السفير» بعد 42 عاما من العطاء المتواصل والمميز، كذلك لحق العجز بصحيفة «النهار» وكاد مصيرها يلقى نفس مصير جريدة «السفير» لولا بعض الدعم، وقد اضطرت إلى تسريح أعداد من المحررين والعاملين فيها، وبعضهم كان يشكل حجر زاوية في العمل، كما تم تقليص الرواتب، كما صرح بذلك عدد من العاملين فيها.
وكانت الأزمة قد سبقت هاتين الصحيفتين وطالت صحفا عربية عريقة أخرى، كـ»الحياة» و«المحرر» ومجلات «الحوادث» و«الصياد».
وبعد 68 عاما من انطلاقتها أعلنت صحيفة «الدايلي ستار» الناطقة باللغة الانكليزية، تعليق نسختها الورقية، والسبب كما أوضح القيمون عليها غياب الإعلانات التي كانت تعتمد على المصارف والاستثمارات وغيرها. كذلك توقفت صحيفة «المستقبل» عن الصدور مع مطلع العام 2019 ولحق بها تلفزيون «المستقبل» بعد 26 عاما على انطلاقته، بسبب الأزمة المالية، وقد تم تسريح المئات من الموظفين من دون دفع مستحقاتهم المالية.
ومنذ أيام قليلة توقفت إذاعة «راديو» الناطقة باللغة الانكليزية بعد عمر ناهز الأربعين عاما من البث.
واضطرت مجلة «اميدو» الناطقة باللغة الفرنسية إلى إقفال مكاتبها بعد 65 عاما من النشر والتوزيع، وأعلنت غير محطة مرئية ومسموعة، عن عجزها في مواصلة مشوارها، فلوح البعض بالانتقال من البث المفتوح إلى البث المشفر في الأيام المقبلة.
ومن أبرز الصحف ووسائل الإعلام التي أعلنت عن عجزها وتوقفت عن الصدور والبث، صحف «المستقبل» و«البيرق» و«الأنوار» و«السفير» و«الكفاح العربي» و«اليوم» و«الأيام» و«الديلي ستار» والكثير من المجلات التي توقفت عن الصدور منها مجلات «الصياد» و«الحوادث» و«الموقف» و«أيبدو» ومن الإذاعات، «صوت بيروت» و«إذاعة راديو1» و«صوت لبنان العربي» وتلفزيون «المستقبل» و«كليكيا» ز»نشرة مركز التوثيق والأبحاث».
وختم أمين مصطفى قائلا: «مع ازدياد وتفاقم الأزمة المالية والاقتصادية، والتي تعود جذورها إلى سنوات خلت، من المتوقع أن يشهد الإعلام اللبناني، سنوات عجاف قد تؤدي ببعضها إلى الإقفال أو الرحيل أو البيع».

خلفيات سياسية

وفي رأي أستاذ الإعلام الدكتور رشيد عبدو أن إغلاق الصحف ووسائل الإعلام اللبنانية ليس إلا حلقة في انهيار منظومة ثقافية وسياسية واجتماعية صنعت فيما مضى دور لبنان كمنارة للإعلام والحرية. وهي حلقة في سلسلة تترافق وتتزامن معلنة انتهاء هذا الدور بمعزل عن ثورة الاتصالات والتكنولوجيا، ويأتي إغلاق الكثير من الصحف والمجلات انعكاساً للانهيار السياسي ككل في لبنان، ناهيك عن الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد بسبب سياسة الحصار التي يتعرض لها على خلفيات سياسية داخلية ذات بعد إقليمي.
ويشير الدكتور عبدو لـ«القدس العربي» إلى أن انقطاع أو تجفيف الدعم المالي من الجهات الخارجية لوسائل الإعلام أدى إلى خسارة كبيرة لقطاع الإعلام ككل. لافتا إلى أن لبنان خسر الكثير على هذا الصعيد بعد أن كانت الصحف اليومية والمجلات تلعب دورا اساسياًعلى الصعد السياسية والاجتماعية بسبب الحرية التي كانت تطبع الحياة السياسية في لبنان، وكذلك كانت المقاهي تجمع المثقفين والسياسيين على مختلف أهوائهم وانتماءاتهم الإيدوليوجية ما أنتج حركة إعلامية ناشطة، وأنتج حركة للصحف حيث كانت الصحيفة أو المجلة هي الصديق على طاولة الحوار والنقاش.
ويتساءل الدكتور عبدو: هل هذه الأزمة التي يمر بها لبنان تؤدي إلى انهيار الصحافة وموتها أم انهيار الصحافة الورقية فقط؟ ويجيب حتى لا تختلط علينا الأمور، في عصر تنهض فيه وسائط إعلام جديدة بدأت تسود على أكثر ما عداها من وسائط؟ أي الإعلام الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي؟
وفي رأيه، لقد بدأ التحول الانقلابي للأزمة الاقتصادية يطيح بكثير من أساليب الحياة التقليدية، وقد بات علينا أن نتعامل بحذر حيال الموقف، فلا نقف ضد تطور الحياة ونحن نتصدى لمفاعيل أزمة الصحافة التقليدية، ولا بد من الإشارة إلى ان استمرار الصحافة الورقية بات يحتاج إلى دعم مالي كبير بسبب ارتفاع وتقلب أسعار العملات النقدية وبالأخص في لبنان. حيث انهارت العملة الوطنية بشكل مذهل وباتت رواتب العاملين في مجال الإعلام لا قيمة لها وليس في هذا لمجال وانما على صعيد الاقتصاد ككل، حيث باتت السوق الرديفة لتسعير الدولار هي المحرك وتأثيرها كبير على وسائل الإعلام والعاملين في هذا القطاع، والأزمة قابلة للتصعيد والبلد على شفير انهيار اقتصادي كامل فما بالك بتأثيرها على الإعلام.

تمويل خارجي

إذا كانت بعض الصحف صامدة حتى الآن مع كل التراجعات التي ألمّت بها، فإن إقفال جريدة «السفير» هو الذي اختصر الأزمة في لبنان، ولم يبدأها، ومنه انطلق الكلام الواسع عن بدء سلسلة الانهيارات المتوقعة للصحافة الورقية في البلاد، فالصراخ كان يتصاعد أكثر من صحف أخرى، والتي والله أعلم كيف تستمر، ولكن لا بد من ان هناك دعماً خارجياً للعب هذه الصحافة دورها في ظل الانقسام الحاصل. وحتى الإعلام المرئي ليس سراً انه يحصل على تمويل خارجي لأسباب داخلية وكذلك الحال بالنسبة للإعلام المسموع.
ولا بد من الإشارة أيضاً إلى تراجع المبيعات، فقد مرت على الصحف اللبنانية مراحل ذهبية، لكن في الفترة الأخيرة بات عدد النسخ المطبوعة من الصحيفة في لبنان سرًّا من الأسرار العميقة خوفًا من انكشاف نقاط الضعف. ومع هذا التراجع في المبيعات تصبح كلفة النسخة أضعاف أضعاف سعرها في السوق، ومن ثم تراجع الإعلانات سنة بعد سنة جعل الأزمة في ازدياد تدريجي، خصوصًا في الصحف التي لا تعتمد على مال سياسي أو دعم حكومي، وكل الصحف اللبنانية المعروفة غير مدعومة رسميًّا، وقد تركز الدعم الرسمي في لبنان على «الجريدة الرسمية» وهي مقتصرة على الإعلانات الرسمية، ووكالتي الأنباء «الوطنية» و«المركزية».
وكذلك تراجع مستوى التحرير، مع تزايد الضغوط الاقتصادية واضطرار الصحيفة للتخلّي عن كوادر مهمة بسبب مرتباتهم العالية، وتوظيف شباب وشابات جدد بمرتبات أقل.

خيارات أفضلها مر

وفي رأي الصحافي مازن مجوز، لا يمكن دراسة أزمة الصحافة والإعلام في لبنان وعلاقتها بالأزمة الاقتصادية والمالية والسياسية، إلا بعد فرز الإعلام إلى نوعين:
الإعلام السياسي؛ وهو الممول بشكل صافي، وهو إعلام الأحزاب والقوى السياسية، وهناك إعلام الحملات؛ الذي حصل على تمويل كبير خلال الثورة، هاتان الفئتان لم تتضررا خلال الأزمة، بل بالعكس لقد حصلتا على الميزانيات الكافية لاستمراريتها، وفي الوقت عينه استفادتا من انخفاض القيمة الحقيقية لأجر الجهاز العامل لديها بما أراح التدفقات النقدية لديها.
أما الفئة الثالثة، كما أكد الصحافي مجوز لـ«القدس العربي» فهي الفئة المأزومة كالبلد؛ تلك التي لا تمثل الأحزاب وفي نفس الوقت لم تدخل في سياسة المحاور والحملات والتمويل السياسي، من أي جهة أتت.
وقبل الانتقال إلى الحديث عن الإعلام ما بعد الأزمة، توقف مجوز، عند الواقع المزري الذي يعانيه معظم العاملين في الإعلام بأجنحته المرئي والمسموع والمكتوب نتيجة الأزمة الحاصلة، فهو اليوم أمام خيارات أفضلها مر، فإما أن يبقى في عمله ويقع في عجز مادي – نتيجة ارتفاع سعر صفيحة البنزين بشكل كبير وارتفاع تكاليف التنقل عبر السرفيس – في النصف الأول من الشهر وبالتالي في فخ الديون، أو يختار الجلوس في المنزل لينضم إلى فئة العاطلين عن العمل، أو يختار الهجرة والسفر لتأمين لقمة العيش له ولعائلته .
وفي حالة السفر برزت إلى الضوء في الأسابيع الأخيرة الأزمة السياسية والدبلوماسية مع دول مجلس التعاون الخليجي، والتي انعكست سلبا على فئة من الإعلاميين والصحافيين الطامحين إلى الهجرة والعمل في تلك الدول، ما ترك لدى هؤلاء شعورا بالمرارة والخزي من إغلاق هذه الدول أبوابها أمامهم إلى أجل غير مسمى.
ويتساءل مجوز أيضا، هل تدري المنظومة السياسية في استنباط الحلول والسير بها للأزمات المستفحلة وغير المسبوقة في التاريخ الحديث تداعيات ذلك على الإعلام والصحافة في لبنان؟ بالطبع هذه إشكالية أخرى.
وبالعودة إلى الإعلام الشخصي ما بعد الأزمة صار يبرز، فهذا الإعلام لا يمكن أن يكون شبيها بالإعلام التقليدي، فخلال السنتين الماضيتين، حصل تطور هائل في الإعلام الشخصي (خصوصا منذ إنطلاقة ثورة 17 تشرين) أي أن يتحول المواطن إلى منتج للمادة الإعلامية بغض النظر عن الوسيلة الإعلامية. وأيضا حصل تحول في خيارات القارئ تجاه الإعلام نتيجة الأزمة الآنفة الذكر. فهل يمكن اعتبار منصة «تيك توك» منصة إعلامية؟ نعم. وهل يمكن اعتبار الـ youtube منصة إعلامية؟ بالتأكيد. هل يمكن اعتبار المدونات على «وورلد برس» و«جملة» وغيرها منصات إعلامية؟ بالتأكيد نعم. إذا اليوم هناك فسيفساء إعلامية ولم يعد الإعلام مركزيا، ولا أرى ظروفا قريبة للخروج من أزمة الإعلام؛ وهي في الحقيقة أزمة أكلاف ثابتة وواسعة إلا من خلال المنصات الجديدة لبنانيا وغير المكلفة.
وختم مجوز قائلا، في أي حال تحاول وسائل الإعلام أن تلتقط أنفاسها على المنصات الجديدة لترى امكانية التحول، لأن ضرورة التحول آتية من دون أدنى شك.
تتفق آراء المتخصصين في مجال الإعلام، على أن الصحافة اللبنانية تعيش أزمة خانقة أدت إلى أفول عصرها الذهبي الذي عاشته خلال العقود الماضية، ولا يختلف العاملون في هذا الميدان على أن الصحافة تمر اليوم بمرحلة خطيرة تهدد وجودها، في حال استمرت الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2184620

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع قضايا   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2184620 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40