من جمر إلى جمار.....

ليست هذه بمطالعة لكتاب المعلّم منير شفيق الأخير والذي وضع الراحل المبدع نافذ أبو حسنة بصمة خاصة في تقليب جماره، ويبدو أن موعدها جاء متأخرا أيضا عن تاريخ صدور الكتاب نفسه حزيران المنصرم، وقد اطّلعت على مقالات وإسهامات تناولت الكتاب وما جاء فيه.
هذا مرور أولي لا بد منه وتسجيل استئذان لاحق للكتابة حول منجز الأخ منير شفيق في هذه الزاوية التي شادها عجلا وكما أعلم استغنى عن أجزاء كثيرة منها طلب من الراحل الأخ أبي أحمد أن ينحيها جانبا.
الكتابة عن منير الأخ والقائد والمعلّم صعبة، بل صعبة جداً، وأسهل منها بكثير الكتابة عن أعمال وكتب ومقالات الأخ منير بشرط أن نستثني الشعر الذي أعطاه للأخ حلمي البلبيسي طالباً منه أن لا تصل إليَّ إلا اطلاعاً وحتى حين، فقناعته تقول، أني ناشره لا محالة، ومعه حق في هذا، ذلك أني قرأت شعراً لا يمكن بحال السماح بتغييبه، منير قال لي يوما إن نشرت هذا سينسى الناس الثمانين كتابا والثمانين عاما ويذكرون هذا فقط، أطال الله عمرك أيها الحبيب وتبقى مبدعاً رائعا معلما لا مثيل له على الأقل بالنسبة لي وفي حياتي.
منير شفيق القائد الذي تتلمذت الحركة الأسيرة على كتاباته في السجون كافة وفي البواكير من تاريخ الحركة الأسيرة، والذي استدعاه يوما الأخ الراحل الشهيد أبو جهاد ليسأله عن هذه الكلاسيكية التي باتت عنوانا دائما لتلمذة الحركة الأسيرة في فلسطين المحتلة بعد أن خشي بعضهم في اللجنة المركزية لحركة التحرير الفلسطيني فتح -يوم كانت ذات ثقل- من موجة منير شفيق العالية في الفكر السياسي والتثقيف الثوري، منير قال للوزير جد لي كلمة واحدة خارج مربع الأساس – مباديء- اهداف -أساليب -منطلقات- لنتناقش حولها.
منير شفيق الذي كان لرأيه الممحض للاخ الشهيد كمال عدوان حول انتخابات البلديات عام 72 ومن قبلها حول ضرورة الجامعات الفلسطينية في الوطن المحتل، الثقل الكافي لتقوم هاتان المؤسستان الوطنيتان الأساسيتان لاحقا بالدور المركزي في بناء مجتمع صامد مقاوم في حقبتي السبعينات والثمانينات ولكي توصلا مجتمع الأرض المحتلة لاحقا لاطلاق الانتفاضة المباركة وكسر معادلات العدو في التدجين واستدخال الهزيمة وقبول الإدارة المدنية وروابط قراها وما تعلّق بها وما دار حولها وفرض سبع سنوات من تاريخ لم يحلم العدو الصهيوني يوما انه سيلقاه.
من جمر الى جمر يتوقف عند عام 2010 عامدا ولا يذكر الجمر التالي والذي لن يقل كتاب قادم يحمل ذات العدد من الصفحات عن سردياته وما زال يواصل مشوار الجمر.
نعم انتقالات الفكر لدى الأخ منير كانت مهمة، ونعم مشاوير الكرامة كانت أيضا مهمة، وحتى الساعة التي روى فيها جمر الماضي وتوقف عن الكلام في جمر الحاضر، فإني أزعم أن العشرية الماضية على أهمية وتأريخية الجزء السابق كله، وليس بمبالغة فنور عود ثقاب في ليل حالك ماحق، يكون أهم ألف مرة من إضافة مصباح جديد في شارع مضاء، هناك ما لا يتاح لي أن أضيء حوله اليوم، لكن بالقطع سيكون يوما ما.
الكتاب وثيقة تاريخية هامة لمرحلة مفصلية في حياة الشعب الفلسطيني وربما الامة العربية، لكن ما يقوله ويردده الأخ منير في خلاصة الكتاب هو مصباح اضاءة النفق الحقيقي لمستقبل الكفاح الفلسطيني والدليل الارشادي لمعالجة حالة فقدان التوازن الذي خلقته أوسلو وما تلاها، نعم فالجملة بسيطة ولكنها الحقيقة وأيضا هي الطريق الذي لم تسر به حتى الساعة لا قيادات المنظمة ولا جماعات السلطة، وتلهث خلف تجريب المجرّب، وتنسى ان الذي جاء بها وسمح لها ان تقفز عن سور المحال يوما هو الانتفاضة الأولى، وبدلا ان تذهب للانتفاضة الثانية الشاملة وفرض الانسحاب على المحتل دون قيد او شرط، تمعن في استهلاك الماضي باتجاه عكس المستقبل وهذا راية في الحمق والضنك.
في كتاب من جمر الى جمر بفصوله المروية، كعادة منير يكتب ويروي كأنه المشاهد، يزهد في الجزء الخاص بفعله، ويسهب في الأجزاء الخاصة برفاقه وأخواته، وحقا أهلكنا بطقوس الزهد والقداسة لديه، منير معلّم غير عادي وأثق أنه لو أراد ولو جزءاً واحدا من المليون من ممارسات قيادات فلسطينية إياها وخاصة من الأبوات لكان اليوم خلفه جيش عرمرم، لكن أخانا الحبيب يعلو فوق ذلك كله،منير قائد نوعي ومفكر نوعي، ونحن أحبته وتلامذته وأخوانه، لا نختلف معه ولا نختلف عليه.