الأحد 19 أيلول (سبتمبر) 2021

لماذا تتعمد الدراما التركية تشويه صورة العرب يا ترى

عميرة أيسر
الأحد 19 أيلول (سبتمبر) 2021

منذ انطلاق الدراما التركية بقوة وخاصة بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة سنة 2002م والغزو الخرافي للمسلسلات التركية لدولنا العربية مستمر، بداية من مسلسل نور والذي كان أول تعرّف للمشاهد العربي على الدراما التركية ومع مرور الوقت وخاصة بعد ثورات الربيع سنة 2011م تحولت إلى أداة من أدوات الجذب الثقافي والسّياحي وتمّ توظيفها من طرف المخابرات التركية سياسياً لغسل أدمغة المشاهد العربي بالخصوص في إطار استراتيجية الحرب الناعمة التي جاء بها جوزيف ناي في كتابه “القوة الناعمة”، والتي تستهدف في المقام الأول الترويج لفكر وعقيدة ونمط حياة دول معينة أو حضارة بأكملها وفرضها على الأخرين تمهيداً لاحتلالهم ثقافياً واقتصادياً وسياسياً وفي مرحلة قادمة عسكرياً مستقبلاً.
وهذا ما فعلته بالضبط الولايات المتحدة الأمريكية قبل عزوها لفيتنام وأفغانستان والعراق وسوريا و ما فعلته تركيا بعد ذلك، حيث تحتل أجزاء من أذربيجان وسوريا و شمال العراق و لها قواعد في الصومال وقطر وليبيا واستطاعت بفضل تلك الدراما الترويج لتركيا وحضارتها وخاصة المسلسلات التاريخية التي تمجد الفترة العثمانية كمسلسل “كحريم السلطان”، ومسلسل “أرطغرل “و”الفاتح عثمان” أو غيرها والتي حاولت من خلالها التركيز على الجوانب الإيجابية فقط للدولة التي استمرت لأكثر من 6 قرون وبالتحديد من 27أيلول/سبتمبر1299م حتى 29أكتوبر/تشرين الأول 1923م، وكان مؤسسها الأول كما هو متعارف عليه تاريخياً هو عثمان ابن أرطغرل.
والتي سيطرت على منطقة الشرق الأوسط وأجزاء كبيرة من أوروبا وأسيا وأجزاء من شمال إفريقيا وحاولت تلك المسلسلات المتعقلة بتلك الفترة إظهار مدى عظمة وقوة وسماحة وطيبة السلاطين العثمانيين، كسليمان القانوني ومراد الأول وسليم الأول السلطان بيازيد أو الفاتح عثمان أو أخرهم وهو السلطان عبد الحميد الثاني رحمهم الله جميعا، وأغفلت سلبياتها وما جرته على دولنا من ويلات وكوارث ومصائب وتغافلت عن ذكر حقائق تاريخية موثقة لا يمكن لأحد إنكارها كتسليمها لمعظم دولنا العربية لقوى الاستعمار الفرنسي والبريطاني والإيطالي دون قتال كما فعل الداي حسين الوالي العثماني على الجزائر عند دخول قوات الاستعمار الفرنسي إليها واحتلالها بتاريخ 14جويلية/يونيو1830م حيث أخذ ما استطاع من المجوهرات والذهب والأموال وفرّ عائداً إلى إسطنبول تاركاً الجزائريين ليوجهوا مصيرهم المحتوم، أو كما فعل الباب العالي مع ليبيا بعد توقيع معاهدة أوشي أو لوزان الأولى بعد الحرب العثمانية الإيطالية(1911-1912م) والتي عقدت في قلعة أوشي(ضواحي لوزان السويسرية) في 3أكتوبر/تشرين الأول سنة 1912م وحصلت على امتيازات في ليبيا وتركت أهلها لوحدهم وجهاً لوجه أمام الايطاليين.
ما ذكرته ليس إلاً غيضاً من فيض مما فعله الأتراك بدولنا العربية حيث تنازلوا عنها دون قتال لأعدائنا بعدما كانت بالنسبة لهم الجنة المفقودة التي ساهمت بشكل كبير في ببناء تركيا الحديثة وهذا الشيء الذي يحاول الأتراك إنكاره في كل أعمالهم الفنية وبدون استثناء. ويحاولون كذلك الإعلاء من شأن القومية التركية وتشويه صورة العرب في الكثير من أعمالهم الدرامية. ففي مسلسل العهد في كل أجزاءه مثلاً عملوا على تصوير السوريين والعراقيين على أنهم إرهابيون أو يتعاونون معهم من أجل القضاء على تركيا، بينما في مسلسل قطاع الطرق لن يحكموا العالم وخاصة في الجزئيين الخامس والسادس فحاولوا بصورة علنية ومباشرة هذه المرة تشويه صورة الفلسطينيين من خلال الإساءة المتكررة إلى القيادي الفتحاوي محمد دحلان وتصويره على أنه خائن وعميل للموساد وCAIوبأنه ممثلهم في منطقة الشرق الأوسط ويحاول السيطرة على تجارة السلاح في العالم وبيعه للمنظمات الإرهابية التي تهدد الأمن القومي التركي.
وذلك عن طريق محاولاتها المتكررة لتصفية أكبر تاجر سلاح في العالم وهو خضر شاكر بيلي أحد عرابي المافيا التركية(الوطنية) والسيطرة على الطاولة التي تضم كبار تجار السّلاح في تركيا والمنطقة، بينما في مسلسل المنظمة(تشكيلات) فيتكرر الهجوم على محمد دحلان، الذي يرمز له بزايد فادي فاسم زايد يدل على محمد بن زايد نائب ولي عهد أبو ظبي وفادي كناية عن محمد دحلان الملقب بأبو فادي، الذي هو في المسلسل فلسطيني كان مناضلاً في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية ثم اعتقل وعذب من طرف جهاز الموساد الإسرائيلي، ثمّ انقلب فجأة على أصدقائه في النضال وبدأ في تصفيتهم الواحد تلوى الأخر وتحالف مع إسرائيل وأصبح عضواً في المنظمة العالمية المسماة “الشركة” التي هي السبب الرئيسي حسب أحداث المسلسل في كل ما عاشته تركيا وتعيشه من أزمات منذ انهيار الخلافة العثمانية، واستلام مصطفى أتاتورك الحكم سنة 1924م وتحويلها إلى جمهورية.
والذي يحاول أن يدمر تركيا ويصبح رئيساً لفلسطين ليبيعها لإسرائيل فيقوم جهاز الاستخبارات الوطنية التركي الذي يعتبره عدو تركيا الأول بتشكيل فريق خاص من أفضل عناصر المنظمة الوطنية للاستخبارات للقبض على زايد فادي أو اغتياله انتقاماً لمقتل المهندسين الأتراك المسؤولين عن إنتاج وصنع الطائرات بدون طيار، وعلى رأسها طائرة بيرقدار الهجومية المسلحة، بعدما نجح في سرقة البرتوكول الأمني الخاص بها والذي يسمح بإسقاطها أو إبطال مفعولها عند الحاجة بطريقة ألية.
وفي المقابل تقوم الاستخبارات التركية بعقد صفقة مع الموساد لإطلاق سراح ابن أخيه المدعو قاسم الوطني المحبوب من طرف الشعب الفلسطيني، لكي يصبح الرئيس المستقبلي لفلسطين وبدعم تركي كامل ليخرج في مقابلة تلفزيونية لمهاجمة عمه زايد فادي متهماً إياه بالخيانة والعمالة ويثني بدوره على الدولة التركية التي بحسب زعمه الكاذب طبعاً، يعتبرها بأنها أكثر دولة وقفت مع الشعب الفلسطيني وهي التي لم تطلق رصاصة واحدة دفاعاً عنه حيث يموت جنودها المرتزقة في العراق وسوريا وليبيا وغيرها دفاعاً عن الإسلام والمسلمين والمظلومين كما يدعون ولكن عندما يتعلق الأمر بفلسطين فالأتراك صم بكم عمي، و علاقاتهم الاستراتيجية والوثيقة مع الكيان الصهيوني لم تعد تخفى على أحد.
كل هذه المسلسلات الدرامية وغيرها والتي تكتب سيناريوهاتها تحت إشراف كامل من طرف جهاز المخابرات التركية، ومؤسساتها الأمنية التي تقدم كل الدعم المالي واللوجستي والعسكري اللازم لأنها تعرف الأهداف الحقيقية لها باعتبارها أحد أدوات الجيل السادس من الحروب.
بينما للأسف الشديد تواجه الدراما العربية مشاكل كبرى وتضييقاً غير مسبوق من طرف الحكام والمسؤولين عن الثقافة في دولنا، وتصرف المليارات في المسلسلات والأعمال الفنية الدرامية التافهة ولا يزال الفنان العربي الملتزم بقضايا الأمة يعيش ظروفاً اجتماعية صعبة إلاّ النخبة منهم التي تروج للأفكار والرؤى التي تخدم القائمين على وزارات الثقافة عندنا وتكرس لمفهوم الزعيم الأوحد وتعتبر بدائية مقارنة بالدراما التركية والتي عرفت كيف تكسب حب وثقة المشاهد العربي خاصة مع وجود شركات وممثلين عرب وخاصة في سوريا لدبلجة وترجمة هذه الأعمال حتى وإن كانت تسيء إلى ماضيهم وحاضرهم مادام أن الربح المادي المتأتي من وراءها كبير جداً، فإلى متى تستمر هذه الوضعية في عالم لا مكان فيه للضعفاء في كل المجالات يا ترى؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2184581

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع قضايا   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2184581 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40