الأحد 5 أيلول (سبتمبر) 2021

طالبان ما بين الانهيار والصعود

د. علي دربج - باحث ومحاضر جامعي
الأحد 5 أيلول (سبتمبر) 2021

- الملّا عُمر يبحث طريقة تسليم بن لادن

فجأة استفاق العالم على انسحاب أميركا من أفغانستان، وسيطرة حركة “طالبان” على تلك الدولة. كالعادة بدأت التحليلات والاخبار والصور تتدفق كالسيل من كل حدب وصوب، فيما احتدم الجدل في وسائل الاعلام ودهاليز السياسة، هل أن ما شهدناه هزيمة لأميركا أم انتصار لـ“طالبان”.

لم يبق أحد في المعمورة من الخبراء والقادة العسكريين والصحافيين، إلا وتحدث عن أفغانستان. المشكلة أنهم بدأوا من حيث انتهى المشهد، أي الانسحاب. لكن ماذا عن حقبة اجتياح افغانستان المليئة بالأسرار والمفاجآت، والأحداث التي جرت غداة الغزوّ وبعده (والتي سنقوم بالإضاءة عليها على حلقات)، وما تلاها من أسئلة؟ وفي مقدمتها:

كيف تبخّرت ثم انبعثت “طالبان” من جديد وصولًا الى يومنا هذا؟ وما هو حجم مساهمة الولايات المتحدة بإحياء الحركة؟ وهل أن القوة العسكرية لـ“طالبان” ذات الصيت الذائع بالبطش والإرهاب، هي التي مكّنتها من اجتياح أفغانستان بسرعة قياسية؟ وكيف ساعدت ارتكابات الحكومة والجيش الأفغاني بإعادة “طالبان” بطريقة غير مباشرة؟

قبل الغوص في مرحلة الاجتياح، لا بد من القول إن التاريخ أعاد نفسه في أفغانستان، لكن مع انعكاس الصورة. قبل 20 عامًا، غزت أميركا البلد، واختفت “طالبان”، أما اليوم، فقد سيطرت الحركة وخرجت الولايات المتحدة، وذابت الحكومة التي نصّبتها، ومعها الجيش الذي دربته.

كثيرون في أميركا وصفوا ما فعله بايدن بالكارثة الفوضوية التي لا يمكن معها اخفاء وقع الخيبة التي لحقت بأميركا في أفغانستان، بعدما انسحبت منها بعد 20 عامًا، وهي خالية الوفاض وصفر النتائج السياسية وحتى العسكرية.

من المعروف أن خطوة بايدن جرّت عليه كمًا هائلًا من الانتقادات والاتهامات في الداخل والخارج. غير أن ما أراده بادين وادارته، هو حفظ ماء وجه أميركا بالحد الأدنى، وتجنب الخسائر المادية، خصوصًا مشاهد الإذلال لجنوده كما يحصل في العادة مع الاحتلال، فضلًا عن سلب “طالبان” ورقة النصر على أميركا، وادعاء طردها تحت النار، لذا أدار بايدن الانسحاب بعناية شديدة وبطريقة تحقق هدفه هذا، وليس اعتباطيًا كما يحلو للبعض القول.

العقل “البايدني” الأميركي أدرك أن الطريقة الوحيدة لوجود نقل منظم للسلطة في أعقاب رحيل الولايات المتحدة، كانت أن يتم التفاوض على العملية على أنها نقل للسلطة. وللتفاوض على ذلك يتطلب الاعتراف - وهنا الجزء الصعب بالنسبة للولايات المتحدة - بأن القوة كانت في الواقع تنتقل الى “طالبان”.

وفقًا لرؤية بايدن، هنا يكمن التناقض الذي وقع فيه منتقدوه: الخروج المنظم يتطلب الاعتراف بالهزيمة والتفاوض على ما لا يمكن تصوره: الاستسلام لـ“طالبان”.

لكن باديدن اختار طريقًا آخر بدلاً من ذلك. فالرئيس الأميركي الديمقراطي فضّل الحفاظ على وهم أن تسلم أميركا السلطة إلى الحكومة الأفغانية، وإلى الرئيس السابق الهارب أشرف غني. أي أنه اختار المخاطرة بالفوضى التي شهدناها، على الاعتراف بالهزيمة. وعليه، لم تعد حياة جنوده على المحك في الغالب، بل حياة الأفغان، الذين ساعدوا أميركا وجنودها على مدار العشرين عامًا الماضية.

تعرض بايدن أيضًا للهجوم بسبب سماحه بوقوع أسلحة في أيدي “طالبان”، كما انتُقد لعدم إجلاء الأمريكيين وحلفائهم عاجلاً. ففي الوقت الذي كان يسلم فيه الإمدادات والأسلحة للجيش الوطني الأفغاني، كان يتظاهر أيضًا، أنه يسلم السلطة إلى الحكومة الأفغانية. ولو فعل غير ذلك، وقام بشحن جميع الأشخاص والأسلحة إلى المنزل، لكان الجيش أطلق صرخة مدوية مفادها “إنك على خطأ”، وكان من الممكن أن يرسل ذلك إشارة إلى أن الأمور تنهار.

الأمر ذاته ينطبق على حالة إجلاء اللاجئين: إن نقل اللاجئين بأعداد كبيرة، كان من شأنه أن يشير إلى أن الولايات المتحدة قد فقدت الثقة الكاملة بالحكومة، الأمر الذي سيؤدي بعد ذلك إلى تسريع سقوطها. فالمسؤولية لا تقع على عاتق بايدن وفريقه الحكومي والعسكري فقط، بل إن ادارة الرئيس ترامب كانت شريكة بالأمر، فهي أبطأت عن عمد عملية اعطاء تأشيرة خاصة للاجئين الأفغان خصوصًا ممن تعاملوا مع الجيش الاميركي في أفغانستان، لأنه ومستشاره السياسي ستيفن ميلر، لم “يرغبا بوصول اللاجئين الأفغان إلى شواطئنا”، وفقًا لـ“أوليفيا تروي” مسؤولة الأمن القومي السابقة في البيت الأبيض في البيت الأبيض والتي كانت حاضرة في الاجتماعات. حتى إدارة بايدن لم تفعل ما يكفي لقطع الروتين.

بالعودة الى فترة سقوط أفغانستان تحت الاحتلال الاميركي بعد 11 ايلول، قلة قليلة من الصحافيين الذي حالفهم الحظ وعايشوا ميدانيا تلاشي “طالبان”. منهم الصحافي أناند غوبال، وهو مؤلف كتاب عن افغانستان تحت عنوان: “لا رجال صالحون بين الأحياء” وقام بنشره في العام 2014.

يشرح أناند لنا مدى تجذّر الفشل الاميركي هناك، ويتحدث عن قدرات “طالبان” القتالية، قائلا “لم يخوضوا الكثير من القتال، تفوقت عليهم عسكريًا أميركا وحلفاؤها. وكانوا يقاتلون من الكهوف والحقول. لكنهم أيضًا لم يخوضوا الكثير من القتال لأنهم لم يكونوا بهذه الشعبية، فحكمهم في التسعينيات وفّر القانون والنظام، غير أنه لم يقدم أي شيء آخر على الإطلاق. أعني، بالكاد كانت هناك خدمات اجتماعية، ولم يكن هناك أي شكل آخر من أشكال الحكم. لذلك لم يحتشد الناس حقًا لقضية طالبان. ولذا فإن ما رأيته هو الغزو، وفي غضون شهرين، انهاروا تمامًا”.

المفاجأة أن “طالبان”، وبخلاف ما يعتقده كُثر، تصرفت كما فعلت حكومة أشرف غني الآن. يقول اناند “ففي اجتماع قبيل الغزو في افغانستان قال زعيم الحركة السابق الملا عمر:”لقد انتهى هذا“. ثم تقرر”طالبان" أنهم يريدون التواصل، ويعترفون بحامد كرزاي المنصّب اميركيا، ويريدون الاستسلام بشكل فعال للولايات المتحدة، وأكثر من ذلك استكشفوا أيضًا إيجاد طريقة لتسليم أسامة بن لادن إلى الولايات المتحدة.

بدأت المبادرات الأولى عندما كانت هناك قناة دبلوماسية تحاول إيجاد طريقة لتسليم بن لادن ربما إلى دولة ثالثة. لذا فإن ما كان يتعامل معه الملا عمر وقيادة “طالبان” هو محاولة الحفاظ، من وجهة نظرهم، على نوع من الشرعية الإسلامية من خلال عدم تسليم شخص ما إلى محاكم غير شرعية.

مع حلول تشرين الثاني من عام 2001، وبعد مضى شهرين على الحرب انهارت “طالبان” إلى حد ما في جميع أنحاء البلاد. كانوا يتشبثون فقط بمقاطعة قندهار، موطنهم. حينها عقد اجتماعان بين حامد كرزاي الذي كان قد تم نقله للتو ليكون الزعيم الجديد للبلاد، وقيادة “طالبان”، وبعض كبار الوزراء في حكومة كرزاي، وكان هذا يحدث تقريبًا في المنطقة المجاورة للقوات الأمريكية، وكانوا قريبين جدًا منهم.

وفي ذلك الاجتماع الأول، وافق قادة “طالبان” بشكل أساسي على الاستسلام وتسليم مفاتيح المدينة إلى حد ما إلى كرزاي وبعض شيوخ القبائل المحليين الآخرين. وقبل كرزاي ذلك في المرة الأولى. وبعد أيام قليلة كان هناك اجتماع ثان حيث تم وضع الشروط، مثل عدد الأسلحة وعدد المركبات التي سيتم تسليمها. ومع نهاية ذلك الأسبوع (اي الأسبوع الثاني من شهر كانون الأول 2001)، كانت “طالبان” قد تنازلت تمامًا عن السيطرة على البلاد إلى كرزاي.

كانت “طالبان” تبحث عن العفو وتتطلع إلى تسليم البلاد ثم السماح لها بالاستقالة أو التقاعد. وإذا نظرنا إلى سياق التاريخ الأفغاني، فهذا في الواقع ليس بغريب. فعندما استولت “طالبان” على زمام الأمور في منتصف التسعينيات، خرجوا من حرب أهلية كان فيها أمراء حرب في جميع أنحاء البلاد، وعرضوا نفس الشروط على الكثير من هؤلاء الامراء، قائلين لهم بشكل أساسي “إذا ألقيت أسلحتك، وعدت إلى المنزل، وتنصلت من أي نشاط سياسي، فسنمنحك عفواً”. وهذا ما فعلوه. لذا فر بعض أمراء الحرب، واستقال البعض الآخر، وانضم بعضهم إلى طالبان، وهذا ما كانوا يأملون به، أي السماح لهم بالعودة إلى ديارهم.

بعد عدة أشهر من الاحتلال الأميركي لأفغانستان حاولت بعض مجموعات “طالبان” الانضمام إلى الحكومة الجديدة بشكل مباشر. الامثلة على ذلك كثيرة: احدى المجموعات الطالبانية السابقة أرادت انشاء حزب سياسي لدعم الحكومة الجديدة. فيما مجموعة أخرى متشددة تسمى شبكة حقاني، كانت تعمل شرق أفغانستان، حصل أحد قادتها بالفعل على منصب عمدة بلدة غارديز، وانضم فعليًا إلى الحكومة الأفغانية رسميًا.
أكثر من ذلك، لعب أمراء الحرب الأفغان الموالون للولايات المتحدة دورًا أساسيٍا في اخراج بن لادن من افغانستان. تضاربت الروايات حول حقيقة هروبه. إحداها تقول إن “ثمة أمير حرب، دفعت له”القاعدة“وبن لادن بشكل أساسي للسماح له بالمرور”.

بالمقابل هناك قصة أخرى تتحدث عن أن “القاعدة” أعطت أموالاً للرعاة المحليين وآخرين للسماح لهم بالمرور. ربما كلاهما (الروايتين) صحيح في وقت واحد. لكن ما هو واضح هو أنه كان من الصعب على بن لادن في تلك المرحلة مع التدقيق العسكري المكثف على الحدود تخطيها، دون الحصول على نوع من المساعدة من شخص ما على الجانب الآخر. لذلك من المحتمل جدًا أن يكون هناك لشخص ما في الحكومة الأفغانية، أو بعض الموالين للولايات المتحدة علاقة بالأمر. في النتيجة، كان لأمراء الحرب يد في ما حصل.

- أموال أميركا تُحيي الحركة

غداة غزو افغانستان في العام 2001، واستسلام حركة “طالبان”، عاد عناصرها إلى ديارهم. كانوا يدركون أن سعيهم للعفو ربما لن ينجح، لكنهم لم يعاودوا الظهور لفترة من الوقت. بعضهم أراد الاندماج في الحياة، غير أنهم لم ينجوا من ملاحقة الولايات المتحدة وأدواتها في الحكومة والجيش الأفغاني، الذي استنسخ تجربة “طالبان” في استسهال القتل وارتكاب الجرائم وتركيب التهم والتسلط على المدنيين واضطهادهم، من خلال الاستقواء بالاحتلال الأميركي، وهو ما ساهم بشكل أساسي في اعادة انبعاث “طالبان”، وتجميع قواها، وبالتالي أصبحت الحركة المنقذ والملاذ الآمن للقرويين، لحمايتهم من بطش الاحتلال الأميركي والحلفاء.

آنذاك، كان لدى القوات الأميركية تفويض مفتوح لخوض الحرب على الإرهاب، لكنها واجهت مشكلة، ألا وهي أن “طالبان” لم تعد موجودة كحركة و“القاعدة” فرّت من البلاد بعد تثبيت الاحتلال الاميركي. في ذلك الوقت، كان لدى اميركا الآلاف من القوات الخاصة على الأرض بحثا عن الإرهابيين، لكن في الواقع لم يكن هناك إرهابيون للقبض عليهم، لذا بدأوا بتحفيز الأفغان المحليين على إنتاج الإرهابيين.

تحول الاستقواء بالأميركي الى ظاهرة منتشرة، فعلى سبيل المثال، إذا كان أحد الأفغان يملك قطعة أرض في قرية أو بلدة أفغانية ما، وهناك شخص آخر يرغب بتلك الأرض، وربما كان بين الاثنين تاريخ من العداوة التي أنتجتها الحرب الأهلية، بحيث أن صاحب الأرض كان آذى عائلة الشخص الآخر في الماضي، وللحصول على مراده يلجأ الأخير عبر ولده الذي يتقن اللغة الإنكليزية، إلى الأمريكيين ويقول لهم إن صاحب الارض عضو في تنظيم “القاعدة” أو “طالبان”، وعلى الفور تداهم الولايات المتحدة المكان، وتعتقله، وأحيانا تقتله، أو ترسله إلى غوانتانامو. أسلوب السطو هذا، لم يكن يشمل “طالبان” فقط، بل كافة الأبرياء.

بين عامي 2001 و2004، لن يكون مبالغًا القول وفقًا لصحيفة The Inercept الأميركية إنها كانت حقا حربا أحادية الجانب شنتها الولايات المتحدة ووكلاؤها ضد القرويين الأفغان. ولذلك شعر الناس بالحاجة إلى الحماية. فمستوى انعدام الأمن كان غير عادي. وهكذا بدأوا في العودة إلى أحضان “طالبان” وتم إحياء الحركة نوعًا ما. ولهذا السبب فرّ الكثير من القادة القدامى في “طالبان” إلى باكستان، وعملوا على مد خطوط التواصل مع رفاقهم السابقين، وقاموا بجمع الأموال، ثم عادوا إلى أفغانستان، لحماية قريتهم من جشع قوات الأمن الأفغانية والأمريكيين.

أكثر من ذلك، ففي بلدة في جنوب أفغانستان، كان هناك فصيلان متنافسان، الأول يضم رئيس البلدية، والثاني يشمل رئيس الشرطة، كلٌّ منهما يدّعي أنه يمثل حكومة الرئيس حامد كرزاي في هذه المدينة. تواصل كل واحد منهما بشكل مستقل مع الولايات المتحدة لاتهام الآخر بأنه من “طالبان”. وبشكل غير عادي، انتهى الأمر بالولايات المتحدة بمداهمة وقتل أشخاص من كِلا الجانبين وإرسال آخرين إلى مطار قندهار، وتعذيبهم بشكل وحشي. وفي النهاية جرى القضاء عليهم بشكل أو بآخر بين عشية وضحاها في هذه المنطقة.

ومن القصص أيضًا التي ترويها الصحيفة، هي قصة علي، المقاتل السابق في “طالبان”. تقاعد علي في أعقاب الاجتياح، ثم عمد في العام 2006، الى فتح متجر لبيع وتصليح الهواتف المحمولة، غير أنه سرعان ما أدرك أنه ومن أجل حمايته، يحتاج إلى دفع نقود لعصابات مختلفة، ترتدي زي الشرطة وتعمل في منطقته. ومع ذلك لم يسلم منهم، إذ قاموا بضربه والإساءة إليه وتحطيم أملاكه، ولم يكن لديه فرص عمل على الإطلاق. كما أنه كان لديه أصدقاء قُتلوا أو عذبوا على أيدي القوات الموالية للحكومة.

وهكذا في مرحلة ما، أصبح ما حصل مع علي وكثير من الناس أمثاله، مجرد نوع من الاستنتاج المنطقي الذي يقوم على الآتي: إذا كنتم لن تسمحوا لنا أن نعيش بسلام في النظام السياسي الجديد، نحن سنرفضكم، ونحمل البندقية من جديد لمواجهتكم، وهذا ما فعله علي وغيره واقعًا.

حدثت هذه الأمور في جميع أنحاء الريف الأفغاني. بمجرد أن ترسخت “طالبان” في القرى وفي الريف، أصبح من الصعب جدًا اقتلاعهم من جذورهم. يقول الصحافي أناند غوبال، وهو مؤلف كتاب عن افغانستان تحت عنوان “لا رجال صالحون بين الأحياء” وقام بنشره في العام 2014 “عندما زرت أفغانستان في عام 2008، وكنت أقيم في القرى، ما أدهشني هو أن كل شخص قابلته، حتى لو لم يكونوا هم أنفسهم من طالبان، كان لديهم أقارب في الحركة. كان لكل فرد في القرية بعض أفراد الأسرة الذين انضموا إليها. لقد اندمجوا تمامًا في الحياة الريفية. ولهذا السبب لم تكن الولايات المتحدة قادرة على هزيمتهم. وبناء على ذلك يمكن القول إن الولايات المتحدة خسرت الحرب بشكل أو بآخر بحلول عام 2005 أو 2006”.

أدت التصرفات الأميركة ومعهم الناتو والعملاء المحليون، الى إنتاج وضع زاد من قوة “طالبان”. ومع تصاعد العمليات ضد الاحتلال، اعتمدت الولايات المتحدة أكثر على الوكلاء لمحاولة الحد من العنف ضد جنودها، وتأمين الطرق. أما الطريقة التي كانوا يفعلون بها ذلك في كثير من الأحيان، فهي ببساطة دفع المال لـ“طالبان” حتى لا يهاجموهم في أوقات معينة. وهذا يدل على أن وتيرة مواجهة “طالبان” للاحتلال كانت تخمُد وترتفع بحسب الفائدة المالية، وليس من منطلق عقائدي كما يظن البعض. وهنا نجد أنفسنا أمام نظرية قتالية جديدة أرستها “طالبان” وتقوم على: “ادفع تسلم”.

كانت هناك بعض الآليات. إحداها وهنا المفاجأة أن أميركا والناتو كانوا يدفعون لـ“طالبان” في بعض الأحيان بشكل مباشر. وبهذه الطريقة التي آتت ثمارها، غالبًا ما كان يتم الأمر من خلال منح عقود لشركات دفاع تتعاقد من الباطن مع بعض الشركات الأفغانية المحلية التي تدفع بدورها لطالبان، بشكل أساسي، حتى لا تهاجم الاخيرة قوافل الاحتلال.

الطريقة الأخرى تمثلت بأن الولايات المتحدة كانت تتعاقد في بعض الأحيان مباشرة مع جهة فاعلة محلية لحماية قوافلها. فمثلا كان هناك طريق بين مدينتين في جنوب أفغانستان يبلغ طولها حوالي 100 ميل (اي 160.934 كيلومتر)، يتواجد على كلا الجانبين قواعد أميركية. ويوميا تمر من هناك مئات الشاحنات، من طرف إلى آخر.

عثرت القوات الأميركية على سائق سيارة أجرة افغاني، ودفعت له الكثير من الاموال لحماية الشاحنات، فما كان من هذا السائق إلا أن استأجر مسلحين، وأنشأ جيشًا خاصًا يحمي هذه الشاحنات. وطمعًا بالمزيد من الأموال، بات يداهم القرى على جانب الطريق، ويقتل ويعتقل الناس، فيلجأ هؤلاء الناس ولحماية أنفسهم، إلى “طالبان” ويطلبون دعمها، فتقوم الحركة بمهاجمة نفس الطريق الذي يحميه السائق. بعدها كان يذهب الاخير إلى الأميركيين ويقول لهم: “انظروا، انظروا”طالبان“تهاجم هذا الطريق، وتحتاجون إلى دفع المزيد من المال لي، للحصول على عدد أكبر من الرجال”.

كان الأمر عبارة عن حلقة مفرغة، لذا فإن الكثير من هذه الأموال ذهب إما مباشرة إلى “طالبان” أو إلى أمراء الحرب الذين استفادوا من انعدام الأمن. يقول الصحافي أناند غوبال، وهو واكب الحرب الافغانية ميدانيا بعد الغزو “في الحقيقة ما لا يقل عن 100000 رجل مسلحين وهم ما أسميه وكلاء أمريكا، هم الذين يخوضون هذه الحرب حقًا. وهذا هو الحال منذ عام 2014”.

ويتابع “في كل يوم في أماكن مثل هلمند وقندهار، كنت في مقاطعة هلمند منذ حوالي شهر (اي في تموز 2021)، وكان مستوى العنف غير عادي. نحن نتحدث عن أناس يموتون بشكل فردي وثنائي، تارة بسبب اطلاق النار عليهم من قبل قناص، وطورا يقتلون نتيجة دوسِهم على قنابل مزروعة على جانب الطريق، هذا فضلًا عن مذابح كبيرة، لم يتم الإبلاغ عن الكثير منها، والتي ارتكبت في الغالب من قبل قوات الأمن الأفغانية”.
يضاف الى ذلك كله، الفساد، فعند ذكر هذه الكلمة، يتبادر الى ذهن القارئ فورًا الرشاوى أو الاضطرار إلى دفع تعويضات لمسؤول، لكن هذا في الواقع كان أقل مشاكل الأفغان.

فالفساد في أفغانستان يعني إذا لم تدفع أي شيء لشخص ما، فربما يقتحمون منزلك ويطلقون النار عليك أو يأخذون أحباءك على سبيل المثال، أو هم سوف يدعون الى ضربة جوية لمنزلك.

لقد وُصفت الحكومة الأفغانية في السنوات القليلة الماضية، بأنها شكل متطرف من أشكال الفساد، فالابتزاز كان سيد الموقف، لدرجة ان الناس كانوا يقتلون لعدم سدادهم الضرائب التي هي عبارة عن أموال حماية لأمراء الحرب وأشياء أخرى من هذا القبيل.
وبناء على ما تقدم، أضحى واضحًا أن هناك سببًا لانهيار قوات الأمن الأفغانية بهذه السرعة، وتمكن “طالبان” من السيطرة. ليس لأن “طالبان” هي قوة تحرير وطنية شعبية على الصعيد الوطني. بل بالأحرى لأن الطرف الآخر مكروه للغاية لما فعلوه لدرجة أن الناس استسلموا نوعًا ما لأهون الشرين.

- كيف خاضت أمريكا معاركها بالفياغرا؟

تصدرت قضية المرأة الأفغانية وحقوقها وحريتها ووجودها المشهد الدولي بعد سيطرة “طالبان” على أفغانستان، حيث بدأت الأخبار والتقارير الصحافية تتوارد عن عودة الانتهاكات والإاضطهاد والعنف الذي يمارس ضدها من قبل عناصر الحركة وصولًا الى القتل. فارتفعت أصوات الدول والمنظمات الانسانية على امتداد المعمورة، مطالبة الولايات المتحدة والغرب، بتأمين الحماية للنساء في هذا البلد، والتحذير من ارتكاب المجازر بحقهم، والعودة بهم الى نير العبودية الذي كان سائدا في عهد “طالبان” قبل الاحتلال الاميركي لأفغانستان، وعدم التفريط بالمكتسبات التي حصّلتها بعد الغزو.

لا يمكن لأي عاقل في العالم، أن ينكر أو يجد مبررًا واحدًا سواء كان دينيًا أو اجتماعيًا لما سببته “طالبان” للنساء خلال سنوات حكمها في التسعينيات لأفغانستان، (حتى أثناء وجودها في المناطق التي أعادت أو بقيت تحت سيطرتها بعد الغزو الأميركي) من معاناة وارتكاب فظائع انسانية بحقهن فاقت التصورات، بحجة تطبيق الشريعة التي فصّلها هؤلاء على مقاس زعمائهم وأمرائهم وعناصرهم وأوجدوا لها فتاوى غبّ الطلب، لتتناسب مع مصالحهم، بينما لا يمت هذا التعاطي والنظرة للمرأة بصلة، الى الاسلام الأصيل الحنيف الذي رفع شأنها وأعلى مكانتها ومكّنها وأعطاها كافة حقوقها بالتساوي مع الرجال.

للوهلة الأولى، يظن المرء أن الاحتلال الأميركي جعل النساء في أفغانستان يعشن في رفاهية وترف مادي واجتماعي تمامًا كما هو حال نظيراتهن في سويسرا أو السويد مثلًا، ونقلهُنّ من الكهوف الى القصور، وأرسى المساواة بينهنّ وبين الرجال، وقد يخيل لنا أن القرار أصبح بعهدة المرأة في ظل الوجود الأميركي.

ومع ذلك، وانسجامًا مع رؤيتنا الواقعية للأمور، لا بد من الاعتراف بالتحول الذي طرأ على حياة جزء محدود من النساء الافغانيات واستفادتهن من وجود الاحتلال لتحصيل عدة مكتسبات. وبغض النظر عن الصورة الاعلامية البراقة التي تحرص أميركا على تقديمها للمرأة بعد الغزو وتعدها ضمن انجازاتها في هذا البلد، فإن ما يجهله كثر، هو أن الجزء الأكبر والأعظم من النساء الأفغانيات بقين مهمشات، لا بل زادت معاناتهن جراء الوجود الاميركي ومعها الناتو، الذي كرّس التمييز وعدم المساواة والتفرقة الطبقية المناطقية بين النساء الافغان، (حتى انهم لجأوا الى أساليب شيطانية في استغلال المرأة، لتحقيق مصالحهم) لذا فإن ما رأيناه وشاهدناه من تغيير في حياة المرأة الأفغانية، انحصر في عدد صغير من المدن خصوصًا كابول، فيما بقي البؤس والمعاناة والقتل من نصيب نساء الأرياف والمناطق الريفية، وهن يشكّلن النسبة الأغلب من نساء أفغانستان.

في البداية، أهم ما يجب معرفته عن أفغانستان هو أنها دولة ريفية بنسبة تتراوح بين 70 الى 75 بالمائة. لكن هذا العنصر مغيّب في التغطية الإعلامية، لأن معظم التقارير تتم في كابول ويبدو العالم مختلفًا جدًا في العاصمة مقابل الريف.

في السنوات القليلة الماضية كان من الممكن الذهاب إلى كابول؛ فقد كانت آمنة للغاية، وربما كانت أكثر أمانًا من معظم المدن الأميركية. كان في كابل مقاهٍ وفنادق فاخرة، فضلًا عن مجتمع مدني مزدهر. ولكن في اللحظة التي تطأ فيها قدماك خارج بوابات المدينة لتتوجه إلى المناطق الريفية النائية تجد عالمًا آخر أشبه بالبدائي.

سريعًا، تقع عيناك على واحد من أفقر الأماكن وأكثرها عنفًا على وجه الأرض، بسبب وجود 100000 شخص تحت السلاح والغارات الجوية، وغيرها من وسائل القتل. لذا فإن الناس هناك لديهم فهم مختلف تمامًا للحرب على الإرهاب.

يقول أحد الدبلوماسيين الغربيين ممن خدموا في أفغانستان لسنوات طويلة: “خلال تواجدي في الريف وإنشاء صداقة مع الناس هناك، كان لدي الكثير من مفاهيمي المسبقة حول ما أسقطته الحرب بسبب ذلك، وهكذا عندما يتعلق الأمر بالتجارب التي عاشتها النساء خلال 20 عامًا من حكم الولايات المتحدة، وقبلها”طالبان“، كانت هناك الكثير من الاختلافات التي رأيتها من التسعينيات وحتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في المناطق الريفية”، متسائلًا “أي نوع من الاختلافات سيرون في المستقبل؟”.

في المناطق الريفية تحت حكم طالبان في التسعينيات، تم إبقاء النساء في منازلهن، وتم حرمانهنّ من الرعاية الصحية والتعليم. وبعد العام 2001، بقين محتجزات في منازلهن في هذه المناطق، يعشن تحت رحمة القصف العشوائي الذي كان ينهمر على رؤوسهنّ من مختلف الاطراف المتحاربة. والمحزن انهنّ كنّ ينمن ليلاً وهن يتساءلن عما إذا كان أحدهم سيأتي ويكسر ابوابهنّ ويأخذ أحباءهنّ، ويحدثنّ انفسنّ بهمس عما إذا كان بإمكانهنّ الذهاب إلى حفل زفاف أو جنازة، دون ان يكُنّ عرضة لهجوم ما في ايّة لحظة.

بعبارة أخرى ، من منظور العديد من النساء الريفيات في مناطق الحرب، ساءت الحياة، في الواقع، في ظل الأميركيين. فيما هذا المنظور، في كثير من الأحيان، غير موجود في كابول لأنه يعود إلى هذا التقسيم بين الريف والحضر. لقد تحسنت الحياة كثيرًا بالنسبة للنساء في كابول، لأنه لا يوجد عنف ولا حرب هناك. وبذلك حققن مكاسب معينة.

ان إحدى المآسي العميقة لهذه الحرب والاحتلال هي أن الولايات المتحدة تجاهلت حقوق المرأة لمعظم النساء، وبدلاً من ذلك، طالت تلك الحقوق أقلية من النساء، على حساب عدد كبير من النساء الأفغانيات الأخريات، اللواتي لم يعرفن في العشرين سنة الماضية، سوى الحزن والعنف والقتل والتنكيل والاضطهاد.

استخدمت الولايات المتحدة حقوق المرأة للمساعدة في تبرير غزو أفغانستان. تأتي حالة عدم اليقين التي تواجها المرأة الأفغانية بعد 20 عامًا من الاجتياح الأمريكي - الذي أعقب عقودًا من التدخل الأجنبي من قبل الاتحاد السوفيتي وآخرين - حيث تم تجميع حقوق المرأة كمبرر آخر للحرب في أفغانستان. أما النتيجة، فهي أن المكاسب كانت متفاوتة وهشة في كثير من الأحيان.

لم يبدأ النضال من أجل المساواة بين الجنسين مع وصول الولايات المتحدة في عام 2001. قاتلت النساء في أفغانستان من أجل حقوقهن قبل وقت طويل من وصول “طالبان” في التسعينيات، كما عارضت بعض الناشطات الأفغانيات التدخل الأمريكي.

جرى إدراج حقوق المرأة لتعبئة الحشد من أجل الحرب، بغض النظر عما إذا كانت المرأة الأفغانية تريدها، وفي بعض الأحيان أضحت ورقة رابحة للأميركيين لتبرير الاحتلال. فالرئيس جورج دبليو بوش، في كانون الأول 2001، أوضح بعد التوقيع على التشريع الخاص بالنساء والأطفال الأفغان أن “الهدف الأساسي للإرهابيين هو القمع الوحشي للنساء - وليس فقط النساء في أفغانستان. الإرهابيون الذين يساعدون في حكم أفغانستان موجودون في عشرات وعشرات البلدان حول العالم. وهذا هو السبب في أن هذه الأمة العظيمة، مع أصدقائنا وحلفائنا، لن تهدأ حتى نقدمهم جميعًا إلى العدالة”، حسب زعمه.

بدورها، قالت لورا بوش في تشرين الثاني 2001 بعد أسابيع قليلة من غزو الولايات المتحدة لأفغانستان في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول: “إن الحرب ضد الإرهاب هي أيضًا كفاح من أجل حقوق المرأة وكرامتها”.

بعد الحرب وسقوط أفغانستان بيد أميركا، سرعان ما خمدت تلك الشعارات واختفت وظهر زيفها، فكانت قواتها أول من تفنن في استغلال المرأة الافغانية وإن بشكل غير مباشر، فحولت جسدها الى طعم للإيقاع بالمطلوبين لها، مستغلة بذلك حاجات الرجال الأفغان الجنسية لتحقيق أهدافها الأمنية والعسكرية عبر أساليب ووسائل قذرة، أبرزها الطريقة الماكرة التي لجأت اليها وكالة المخابرات المركزية لاستبدال حبوب الفياغرا بمعلومات استخباراتية بشأن أماكن تواجد “طالبان”، بحيث علقّ صحفي أفغاني على هذا التصرف بالقول “يمكن للرجال المسنين اغتصاب زوجاتهم بمباركة أمريكا” حسب تعبيره. كان هذا هو الحال مع زعيم قبلي يبلغ من العمر 60 عامًا. وفقًا لعميل متقاعد أميركي شرح القصة بالقول “كان الرجل زعيم عشيرة في جنوب أفغانستان، وحذرًا من جيشنا، لا داعمًا ولا معارضًا. وله معرفة واسعة بالمنطقة، إذ كانت قريته تسيطر على الممرات الرئيسية عبر المنطقة. من هنا برزت حاجة القوات الأميركية إلى تعاونه وعملت بجد للفوز به”.

بعد محادثة طويلة من خلال مترجم، بدأ العميل المتقاعد في البحث عن طرق لكسب ولاء الرجل. كانت مناقشة عائلة الرجل والعديد من الزوجات مصدر إلهام. بمجرد التأكد من أن الرجل يتمتع بصحة جيدة، قدّم له العميل أربعة أقراص من حبوب الفياغرا، وقبلها الزعيم العشائري.
بعد أربعة أيام، عندما عاد الأميركيون، كانت الهدية قد نجحت في سحرها، كما يتذكر العميل المسؤول: “لقد جاء إلينا مبتهجاً. متوجها اليّ بالقول: أنت رجل عظيم”. بعد ذلك أوضح العميل أنه “اصبح بالإمكان أن نفعل ما نريد في منطقته”.

بالنسبة لمسؤولي المخابرات الأمريكية، هذه هي الطريقة الأنجح والأمثل التي كان يتم بها خوض بعض المعارك الحاسمة في أفغانستان وربحها. في حين أن وكالة المخابرات المركزية لديها تاريخ طويل في شراء المعلومات بالنقود، فقد أدى تمرد “طالبان” المتزايد إلى استخدام حوافز جديدة، واجراء مساومة إبداعية لكسب الدعم في بعض أقسى أحياء البلاد، وفقًا لمسؤولين مشاركين بشكل مباشر في مثل هذه العمليات.

يقول المسؤولون في المخابرات إن “عملاء الوكالة استخدموا مجموعة متنوعة من الخدمات الشخصية في جهودهم لكسب أمراء الحرب والزعماء المتقلبين المعروفين، أما أكثرها فاعلية فهي التعزيزات الصيدلانية للآباء المتقدمين في السن الذين يعانون من تراجع الرغبة الجنسية، على حد قول المسؤولين”.

بدوره لفت أحد المسؤولين المطلعين على استخدام المخدرات في أفغانستان، الى أننا: “لم نقم بتسليمها إلى الشباب الأصغر سنًا، ولكن يمكن أن تكون رصاصة فضية لإجراء اتصالات مع كبار السن”.

رفضت وكالة المخابرات المركزية التعليق على الأساليب المستخدمة في العمليات السرية. وقال أحد كبار مسؤولي المخابرات الأمريكية المطلعين على عمل الوكالة في أفغانستان إن “السرية تم تدريبها لتكون”حكيمة ورشيقة“وأن تستخدم تكتيكات تتفق مع قوانين بلادنا”.

وقال المسؤول: “إنهم يتعلمون المشهد، ويتعرفون على اللاعبين، ويتأقلمون مع بيئة التشغيل، بغض النظر عن مكان وجودهم، إنهم يفكرون خارج الصندوق، ويخاطرون، ويفعلون ما هو ضروري لإنجاز المهمة”.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2184609

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع قضايا   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2184609 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 4


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40