السبت 24 تموز (يوليو) 2021

تقبّل الله الطاعات ورحم الله الأموات....

السبت 24 تموز (يوليو) 2021 par أيمن اللبدي

في فلسطين المحتلة صور تأخذ بالعقل والوجدان بعيداً، وتستفزُّ المراقب لكونها أصبحت تشكّل خطراً حقيقياً على كل شيء، نعم بكل ما تعنيه هذه الكلمات من معاني، فالواقع هناك أصبح مخيفاً لدرجة كبيرة بات يمكن القول معها، أننا صرنا حيارى في رؤية وطننا المحتل على هذه الصورة الكسيرة...

الفساد بأنواعه القائم هناك اليوم تعدّى الظواهر، وأصبح يقترب من تكريس واقع حياتي معاش، غدا معه المواطن الفلسطيني تحت ضغط تفريغ مؤسس يطمح إلى الوصول به لحالة من الخواء، بعد حالة فقدان التوازن، هذه الصورة تمطّت بقيادة الفساد والإفساد السياسي الذي ضرب صميم المجتمع الفلسطيني وخاصة بالضفة المحتلة...

قبل اتفاقية أوسلو خرج المجتمع الفلسطيني من الانتفاضة الأولى المجيدة مصاباً بفعل معركته مع الاحتلال نعم، لكنه خرج متماسكاً قويا قادراً على مواجهة الاحتلال في كل لحظة بندية كاملة، وليس ببعيد قدرة الوفد الذي صارع المحتلين في عواصم العالم دون أن يتنازل للاحتلال عن ما كان يعلم علم اليقين أنها ملفات الدمار الشامل في الحكاية : القدس والاستيطان الاقتلاعي...

ما فعلته اتفاقية أوسلو المشؤومة أنها باختصار سمحت بتجاوز ذلك وسهّلت على المحتل أن يدخل من الباب العريض لاستعمالها بكل راحة، بحيث جعل من المجتمع الفلسطيني في الضفة المحتلة ومركزها القدس ساحة التجارب الفعلية لقنابله الشاملة، قنابل الدمار الفتاكة التي حرص على تفجيرها في ساحة الضفة المحتلة، عبر صناعة الفساد...

الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 وانتفاضة الشباب الفلسطيني عام 2015 ومعارك المقاومة الفلسطيني في قطاع غزة وآخرها سيف القدس، أتاحت الأمل المتبقي في الصورة القائمة، فهي معركة المناعة الفلسطينية الذاتية ضد فيروس «الفساد» الذي هو بحق أخطر من كل فيروسات الطبيعة مجتمعة، هذه أتاحت ضوءا في الصورة المظلمة لمناطق جغرافية خارج الظلام الدامس الذي صنعته أوسلو وقبيلتها الحارسة...

اليوم في فلسطين المحتلة كل شيء معطّل باستثناء الفساد ومشاريعه، والذي يعلّق عليه الاحتلال الاسرائيلي الأمل الكبير أن ينهي الوطن الفلسطيني من الداخل عوضا عن مجابهته في أرض المعارك الانتفاضية التي خبر كلفتها، ولذا فهو حريص أن يطلب الدعم بأنواعه لسلطة أوسلو والقبيلة المنتفعة فيها المستعدة لمواصلة دور الإفساد الذي صنعته وزرعته وأشادته على مدار العقد الماضي بتفوّق، ولذا فإن التعطيل هذا يصبح هدفا محببا لدى المحتل حتى لو حمل مخاطر مواجهة داخلية عنيفة طالما هو لا يدفع ثمنه...

الحارس المتين للفساد والتعطيل هو التنسيق الأمني، والتنسيق الامني الذي هو بحقيقته تكامل أدوار لمصلحة الاحتلال أصبح محمياً بالطبع من المحتل وأصبح في ذات الوقت المحور الذي يراد لحياة المواطن الفلسطيني في الضفة المحتلة أن تدور حياته من حوله وأن تنسج علاقاته الاجتماعية معه، وهو الذي فشل فيه الاحتلال طيلة العقود الاربعة التي سبقت أوسلو والتي لم يستطع العقل الاحتلالي بأنواعه أن يتخيّل قطعا وضعا كهذا فيما سبق رغم أنه حاول ذلك مراراً ...

المشروع الحقيقي في فلسطين المحتلة اليوم هو الفساد وليس أي شيء آخر، مشروع فيروسي ركّب له حارساً أمنياً، ومفتياً وقاضياً ومخفراً ، وأيضا ثقافة وتوصيلة اجتماعية، وبقية التركيبة، والجديد فيه أنه لم يعد يخجل ولا عاد يخاف، وعند هذا الحد أصبح من المفيد أن يكون محط دراسة سوسيولوجية شاملة، عنوانها الاحتيال الوظيفي في اسقاط القيم الوطنية باسم الوطنية كقناع، يا سادة هنالك جريمة تاريخية كبرى تجري في فلسطين المحتلة الآن...

الفساد أصبح احتلالا آخر أكبر من الاحتلال الاقتلاعي وأخطر، ليس لأنه اليوم أداة إدامة الاحتلال وتمدده وتوسّعه، بل لأنه احتلال داخلي تداخل في أنسجة المجتمع بصورة لم يسبق لها مثيل، وفي عطلة الاعياد التي مضت وصور اجتياح شواطيء الوطن المحتل وكأنها هدية المحتل وحفلات مدينة روابي ، القفاز الحريري للفساد والاحتلال، اللذان قفزا على تدنيس المستوطنين غير المسبوق للحرم القدسي وكأنه شيء عابر، واستمعا لاعتذار مخزٍ من فبيلة التنسيق الأمني عن دم نزار بنات ، صدمات لا يمكن تجاوزها فعلا...

لا أظن أن هنالك تجربة مماثلة في التاريخ الحديث لمثل هذا الوضع القائم اليوم في فلسطين المحتلة، ولا أظن أن التاريخ سيكررها يوما ما بعد ذلك، فقط في هذا الموقف نقول بمناسبة الأعياد : تقبّل الله الطاعات ورحم الله الأموات....



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2184448

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع مستشار التحرير   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2184448 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40