قادة منظمة «حماس» في غزة وفي دمشق لا يمكنهم أن يتوقعوا هدية افضل من حكومة «اسرائيل». صور الجرافات التي تصعد الى الارض في أرجاء المستوطنات هي السلاح الاكثر نجاعة ضد «اسرائيل» في الساحة الدولية والفلسطينية الداخلية.
هكذا يغذي المتطرفون المعارضون لكل اتفاق في الجانب الفلسطيني وفي الجانب «الاسرائيلي» الواحد الآخر لتقويض كل فرصة للتسوية. هكذا يمكن احراج ابو مازن و«السلطة الفلسطينية» ونيل الدعم المتجدد في الصراع الفلسطيني الداخلي على الرأي العام. بكلتا يديها وبجرافاتها تصر «اسرائيل» على اهانة «السلطة الفلسطينية»، على البصق في وجه كل من جاء الى المفاوضات السياسية مع «اسرائيل» والايضاح للعالم بان «اسرائيل» لا تعتزم الخروج من المناطق، بل العكس، في نيتها الاستمرار والاستقرار في مئات المستوطنات على طول الضفة.
في عهد الانتفاضة درج الكثير من السياسيين من اليسار ومن اليمين على العودة الى الاعلان بانه فقط عندما يتوقف «الارهاب» و«السلطة» تكافح بجدية ضد «حماس» ومنظمات الرفض، ستوافق «اسرائيل» على مفاوضات جدية ووقف البناء في المستوطنات. في الغرف المغلقة كان يضيف اولئك السياسيون بأن الامر لن يحصل ابدا وبالتالي لا داعي للقلق. ولكن في السنوات الاخيرة تفي «السلطة الفلسطينية» بتعهداتها وتكافح بنجاح منظمات «الارهاب» في «يهودا والسامرة». كما أن نتنياهو وقادة جهاز الامن يتفقون حول ذلك ووجدوا من السليم ان يثنوا علنا على ابو مازن وفياض لسيطرتهما على الارض.
خريطة الطريق التي وافقت عليها حكومة «اسرائيل» تلزم بشكل رسمي الفلسطينيين بمكافحة «الارهاب»، في حرب داخلية غير بسيطة، من شأنها ان تعرض للخطر السلامة الشخصية لقادة «السلطة» ايضا، ومن الجهة الاخرى، مطالبة حكومة «اسرائيل» بوقف البناء في المستوطنات والتصدي لجبهة الرفض «الاسرائيلية» الداخلية، التي تعارض كل حل وسط. الان، العالم كله لا يمكنه أن يقبل بأي شكل تنكر «اسرائيل» لالتزاماتها بعدم البناء في المناطق. البناء في المستوطنات يتعارض مع القانون الدولي، يتعارض مع كل منطق لوجود مفاوضات صادقة وجدية ويؤشر للعالم بانه من خلال القوة والاحتلال ستواصل «اسرائيل» السيطرة على الاراضي بشكل احادي الجانب وبسحق استفزازي. كما أن محبي اسرائيل الخالصين لن ينجحوا في الدفاع عن قرار حكومة «اسرائيل» بالعودة للبناء في المناطق. الغريب لن يفهم كيف أن أقلية صاخبة وضاجة من المستوطنين تنجح في اخضاع دولة كاملة واجبارها على استثمار مبالغ طائلة في تفجير احتمال التسوية وتحويل «اسرائيل» الى دولة ثنائية القومية. كيف أن بضعة الاف من اعضاء مركز «الليكود»، من سكان المستوطنات، ينجحون في تشويش تفكير رئيس الوزراء ويجبرونه على الدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة. لا يدور الحديث عن احتياجات أمنية او مكافحة «للارهاب» مثل حملة «رصاص مصبوب». البناء في المناطق هو خطوة سياسية صرفة هدفها الاعلان عن اننا هنا في المناطق كي نبقى.
في الايام القريبة القادمة سيصبح الناطقون بلسان المستوطنين الشارحين الافضل لموقف «حماس»، والجبهة المناهضة لـ «اسرائيل» في العالم وتبجحاتهم في استمرار السيطرة «الاسرائيلية» على اراضي الفلسطينيين ستعطي صداها في أرجاء العالم في ظل الحاق ضرر هائل بفكرة الصهيونية بكاملها. في الايام التي تكافح فيها «اسرائيل» على حقها في الدفاع عن نفسها ومكافحة «الارهاب» فان القرار بالخضوع لمجلس «يشع» سيبعث الكثير من الابتسامات في غزة وفي دمشق وفي طهران.
**«معاريف»