السبت 25 تموز (يوليو) 2020

جولة في صحف العدو

السبت 25 تموز (يوليو) 2020

- رغم الإصابات والحروب التي مروا بها.. ما الذي يشغل مقدسيي البلدة القديمة في زمن كورونا؟

في البلدة القديمة من القدس يلجأون إلى الأرقام ليؤكدوا لنا مدى صعوبة الوضع. “تلقيت دفعة أولى بقيمة 3 آلاف شيكل، ولم أسمع من أحد شيئاً”، يقول أحد التجار في الأزقة. والثاني يسعى ليؤكد وجهة نظره: “إذا لم تكونوا من ضريبة الدخل، فيمكنني القول لكم إن السياح إذا لم يعودوا حتى أعيادكم في أيلول/تشرين الأول، فأعتقد أن هناك حرباً ستقوم بينكم أنتم اليهود. لن تكون حرباً بين اليهود والعرب، لأننا أيضاً سنتنازع فيما بيننا. هل ظننتم أنكم ستشتاقون ذات مرة لعدم الانشغال إلا بالإرهاب؟”.

يجري الحديث اليقظ في “البتراء للصرافة” عند مدخل البلدة القديمة في باب العمود، وهو مكان لا يكاد يصله أحد في الفترة الأخيرة لتحويل المال غير هؤلاء الدبلوماسيين الذين لا يزالون يتجولون في المنطقة. وإذا كنا لا نزال نتخذ بالنسبة لهم نوعاً من ساحبي المال من خدمة الصراف الآلي، فإنهم يمتشقون الورقة المظفرة: “ننظر إلى ماميلا (مركز المشتريات).. فإذا جرى هناك إغلاق لكون الناس لا تشتري منه شيئاً، حينئذ سنفهم أننا التالين في الطابور. أتعرف كم يدفعون هناك إيجاراً شهرياً؟ مقهى “أروما” يدفع 50 ألف شيكل؛ في اليوم الذي يغلق فيه سنفهم بأن كورونا انتصرت ويمكننا حينئذ أن نغلق”.

الصرافة مصلحة تجارية عائلية، وإن كان الناس هنا لا يفصحون لنا عن أسمائهم لأنهم لا يزالون واثقين من أننا من ضريبة الدخل. ولكنهم مستعدون لأن يرووا لنا بأنها الفترة الأصعب منذ حرب الخليج – “وحتى في حينه لم تكن هذه الأعداد من المحلات المغلقة كما هي اليوم”.

“الإرهاب؟ اهتموا قبل كل شيء بالطعام”

القدس هي بؤرة كورونا المركزية في إسرائيل، وفي داخلها بيت حنينا والبلدة القديمة اللتان تصدرتا في الفترة الأخيرة مع مئات المرضى المؤكدين الذين يضاف إليهم المزيد فالمزيد من كل يوم. في الموجة الأولى من كورونا تعرضت القدس لضربة قوية في الأحياء الأصولية. أما في ما يتبين كموجة ثانية، فالبلدة القديمة هي إحدى البؤر الأساسية، ولكن لا أحد يتحدث هنا عن الفيروس، بل يتحدث أكثر عن التداعيات الاقتصادية. إذا كنا في البداية ندخل معتمرين الكمامات، فكلما مرت الساعات نفهم بأن الموضوع الاقتصادي هنا يخيف أكثر من أي شيء آخر.

وإذ كنا نتحرك باتجاه كنيسة القيامة، فإن الموقع نفسه فارغ وكأنه تحول فجأة ليصبح موقعاً لتصوير فيلم وثائقي. وقلة من المحليين في المحلات بجانب الكنيست يشرحون لنا بأنه ومن اللحظة التي يتوقف فيها الصليبيون عن المجيء، يمكن للأضرار أن تصل إلى “الملايين” لانعدام السياحة. في الكنيسة الإثيوبية التي في العالم القديم، تلك التي قبل كورونا، كانت مكتظة بحيث لا مجال للتحرك، ويمكن الآن التجول بحرية دون إزعاج الرهبان.

“منذ أربعة أشهر، لا يمر أي مرشد سياحي هنا”، يقول لنا رجل حرس حدود لطيف يتجول هناك. الكثير من رفاقه في العزل بعد أن أصيب بعض منهم وبعض آخر خالط مريضة كورونا. قائد البلدة القديمة المقدم أراد بريفرمان، موجود في الشمال لزيارة جنوده البعيدين والمنعزلين الذين -وإن كانوا ينشغلون بالأعمال الجارية- ولكنهم هم أيضاً، مثل الجميع هنا، ينشغلون بالفيروس.

“الإرهاب؟”، يقول لنا بائع صنادل محلي بعد لحظة من طلبه من جدعون المصور 20 شيكلاً مقابل الصورة: “عليكم أن تقلقوا أكثر من الوضع الاقتصادي وليس من الإرهاب.. أن تقلقوا لتوفير الطعام للناس”.

ولكن بالنسبة لمرشد السياحة الذي يقدم نفسه باسم ياسر، فإن ما المخيف أكثر هو البقاء في البيت. وعندما أرى أنه يحمل هاتفاً غير ذكي أفكر في داخلي بأنه قد يخاف هو أيضاً من تعقب المخابرات. ولكن يتبين أن هذا ببساطة موضوع اختيار: “أي سياحة؟ ثلاثة أشهر بقينا في البيت وجن جنوننا. هكذا أخرج قليلاً من البيت، أحتسي القهوة، أرى الأصدقاء، وبعد الظهر أعود إلى البيت. جيد أن يخرج المرء من البيت وألا يسبب فوضى مع الزوجة”.

يسقطون بين الكراسي

من الصعب القول كم هي البلدة القديمة هادئة، وكم هي فرصة رائعة للتجول فيها هذه الأيام إذا ما وضعنا جانباً للحظة المخاوف من الهستيريا الوبائية. صحيح أن محلات السنتواري مغلقة، ولكن المطاعم وخصوصاً في الحي الإسلامي تواصل محاولة الإبقاء على روتين الحياة. نرى هنا الكمامات في معظم الوقت. ولكن الناس يضعونها بسرعة عندما تقترب الشرطة أو قوة عسكرية من المنطقة.

منذ زمن بعيد لم نسمع أرقاماً، ولكن عندما نصل إلى حمص نظمي، الذي يبدو الأكثر شهرة في البلدة القديمة، نسمع على الفور: “72 سنة نحن هنا، مررنا بكل شيء، ولكن مثل هذه الفترة بحياتنا لم نشهد مثيلاً لها – لا الحروب، لا العمليات، لا الانتفاضة”.

مؤخراً، في كتاب جديد يحتل العالم تحت عنوان “الحمص”، ظهر حمص نظمي (أو “عرفات” باسمه الثاني) في مكان الشرف. والآن يفترض به أن يجني ثمار النشر مع كمية لا تحصى من السياح، ولكن بدلاً من هذا، فقلة من الإسرائيليين الذين يأتون لتناول الطعام يروون له بأنهم تعلموا كيف يعدون الحمص في البيت في الفترة الأخيرة.

إلى جانب بسطات الكباب الشهيرة “شاهين” و”الشعب”، نلتقي مجموعة سياح محليين يرشدها صديق قديم، رئيس مجلس الثقافة الغذائية. دافيد كيشكه. هذه واحدة من المجموعات القليلة التي نجح في إخراجها في الفترة الأخيرة، وهي كما يقول جمهور عطش للعودة إلى الجولات الغذائية في تل أبيب والقدس. إذا أمكننا أن نفكر للحظة بأن السكان المحليين سيفرحهم أن بعضاً من السياح المحليين يبذرون المال هنا، فسرعان ما يتبين بأن الضغينة باقية، والشوق بالصراخ على الإسرائيليين يبقى كما كان. “لماذا جئتم هنا، أن تأكلوا قطة وتظنوه كباباً؟”، يصرخ أحد ما نحونا ويتحلى بكحة مصادفة أو لا.

في الشهر الأخير، زرنا القدس كثيراً. في مظاهرات عالم الثقافة التي لم تحقق في هذه اللحظة أي نتائج، تبدو المظاهرات في بلفور هي الأكثر عصفاً في العاصمة في الأشهر الأربعة الأخيرة. ولكن البلدية القديمة الفارغة تذكرنا بأنها كانت دوماً بلدة داخل مدينة سقط سكانها بين الكراسي. وفي فترة مشوشة كهذه، تبدو الأمور معقدة أكثر بكثير: قد يكون هناك مال من التأمين الوطني، ولكن من جهة أخرى، ثمة إحساس بالإهمال في كل ما يتعلق بالحرب ضد كورونا.

قبل أن نغادر، يسألوننا عن احتمال سقوط بيبي هذه المرة أم أنه سينجح قبل أن يعالج كورونا. آخرون يقولون إنهم سمعوا في الأخبار عن المظاهرات في الجانب اليهودي، ولكنهم واثقون جميعاً بأن “بالتأكيد عندكم الوضع في مركز الدولة ليس سيئاً كثيراً مثلما هو هنا. وفي الإذاعة.. في طريق العودة إلى تل أبيب، تفيد مذيعة الأخبار بأن أكثر من ألف مصاب اكتشفوا اليوم، وبعد ذلك تفصّل مرة أخرى بأن القدس تحافظ على مكانها بالقمة في الأحياء الأصولية وفي شرقي المدينة. أما عن معطيات البطالة والمصاعب الاقتصادية فلا يكلف أحد نفسه عناء الحديث عنها.

بقلم: عدي روبنشتاين

إسرائيل اليوم 24/7/2020

- هكذا يستعد الجيش الإسرائيلي للسيناريو الأسوأ حيال “حزب الله”

بانتظار حسن نصر الله تردد غير سهل في نهاية الأسبوع: هل وكيف يرد على مقتل ناشط التنظيم الذي قتل بغارة على المطار في دمشق. من جهة، هو ملتزم بالمعادلة التي قررها بأنه سيرد من لبنان أو من سوريا على موت أي من رجاله في سوريا؛ ومن جهة أخرى، ليس له أي مصلحة بأن يخاطر الآن بجر لبنان المحطم اقتصادياً إلى مواجهة مع إسرائيل. فنصرالله شيعي ولكنه ليس انتحارياً.

في أيلول الماضي، أخذ بالفعل رهاناً حين دفع بخلايا مضادات الدبابات إلى المقدمة، وكاد يصيب سيارة إسعاف تحمل خمسة جنود. لو أصاب الصاروخ سيارة الإسعاف، لانتهى هذا ببضعة أيام قتالية، في أفضل الأحوال إن لم يكن بتصعيد أوسع. وإلى جانب خيبة الأمل من قدرة تنفيذ رجاله المتدنية، يمكن الافتراض بأن نصر الله تنفس الصعداء أيضاً على أنه رفع العتب فرد، وامتنع عن التصعيد في الوقت نفسه.

لقد كان نصر الله ملتزماً بأن يرد في حينه على ضربة موجهة ودقيقة لرجاله في سوريا وعلى هجوم سابق على عتاده في قلب بيروت. هذه المرة يدور الحديث عن ناشط صغير قتل بالصدفة في هجوم على مخازن إيرانية في مطار دمشق. وحسب الجنازة المتواضعة التي جرت له في قرية عيتيت، فهذا ليس ابنا عزيزاً للتنظيم.

في مسطرة حساسة، حاول أن يفكر ماذا سيكون رد الفعل الذي يمكن لإسرائيل أن تحمله دون أن تنجر إلى التصعيد. يمكن لهذا أن يكون من لبنان وسوريا أيضاً، ويمكن أن يكون هذا بإطلاق النار، أو بعبوة ناسفة، أو فقط بقطع رمزي للسياج الحدودي. عندما يكون مضغوطاً تعلم نصر الله أيضاً من الإسرائيليين أن يقول: “سنرد في المكان والزمان الذي نختاره”. ولديه أسباب لضغوطاته: لبنان منهار اقتصادياً، والمتظاهرين في شوارع بيروت وطرابلس يعرفون من يتهمون.

ليس مثل معظم جيراننا الغارقين عميقاً في الثقافة الإقليمية، فإن الكثير من سكان لبنان يتطلعون إلى أن يشبهوا أوروبا. وأجاد في عمل ذلك الصحافي الشجاع نديم قطيش، الذي شبه لبنان بإسرائيل: “المقياس الوحيد لكرامة الإنسان هو دخله بالنسبة للناتج القومي”، قال. “الدخل المتوسط في لبنان هو 360 دولاراً في الشهر وفي إسرائيل هو 3.600 دولار. إسرائيل ذاتها التي انتصرنا عليها هزمناها وأخذناها”، لذع حزب الله.

نصر الله، الذي يحاول إعادة بناء صورته كوطني لبناني، حساس جداً لرأي الجمهور في بلاده، وليس أقل منه للرأي العام في إسرائيل. ويفهم بأن فتح جبهة مع إسرائيل، في أيام الأزمة الاقتصادية وكورونا، سيسمح لنتنياهو بالعودة إلى الأجندة الأمنية المحببة إليه وإثبات زعامته أمام لبنان. وعليه، فإن تحدي حزب الله هو إيجاد طريق للرد تكون المخاطرة فيه محدودة.

الجيش الإسرائيلي هو الآخر يبث في هذه الأثناء ارتياحاً وليس ضغطاً أمام رد محتمل من حزب الله. في هذه اللحظة لا نلاحظ استعدادات عملية للرد، والجيش الإسرائيلي يكتفي بتعزيز وبالحد الأدنى لكتيبة واحدة فقط من جولاني في الشمال. لا حاجة لخلق أهداف مصادفة أكثر مع حزب الله.

ينزلون إلى الدفاع

مشكلة الجيش الإسرائيلي هي أن هذا الارتياح تجذر في الحدود الشمالية، وذلك رغم تغييرات مقلقة في انتشار حزب الله. كتائب “الرضوان”، القوات الخاصة للتنظيم، عادت من سوريا بتجربة قتالية غنية وتمركزت في القرى المجاورة للحدود مع إسرائيل. مهمة كتائب الرضوان هذه هي اجتياح أراضي إسرائيل واحتلال بلدة. هذا ما يتدربون عليه وهذه هي غايتهم. ومن غير المستبعد أن يكون جزء من هذه الوحدات موجوداً منذ اليوم في وضع من التأهب؛ أي أنها قادرة على أن تخرج إلى العمل دون استعدادات خاصة.

يتصرف الجيش الإسرائيلي أمامها وكأنه لم يفاجأ. والفرضة هي أن الاستخبارات ستعرف كيف تعطي إخطاراً قبل كل عملية سينفذها “الرضوان”. استعداد الجيش الإسرائيلي على الحدود الشمالية لا يزال يقوم على أساس أننا نقف أمام مخربي “فتح” في السبعينيات: مع قيادة فرقة مقامة على تلة أمام عيون حزب الله، مع قيادات لواء وكتائب مكشوفة تماماً. لقد سبق أن كنا ذات مرة في مثل هذا المفهوم. الجيش الإسرائيلي ملزم بأن يتبنى الفرضة الأكثر تشدداً في أنهم سينجون في مفاجأتنا، ويعيد بناء الخط في الشمال.

كما أن الخطط العملياتية للجيش الإسرائيلي يجب أن تجتاز تكييفاً مع وضع تبدأ فيه الحرب بالمفاجأة وتجري في معظمها في الأراضي الإسرائيلية. يفرض التهديد الشمالي على الجيش الإسرائيلي أن يركز في مجال ما كان يحبه – الدفاع. منذ تأسيسه، كان الجيش الإسرائيلي جيشاً هجومياً، فالهجوم أسهل دوماً. إذ إنه يتطلب تركيز الجهد في نقطة واحدة. وبالمقابل، على المدافع أن يوزع جهوده على كثير من النقاط، واحتمال أن تقتحم واحدة منها أعلى بكثير. تعلمنا في حرب يوم الغفران الثمن الباهظ لدفاع ضعيف وخروج إلى الهجوم بعد المفاجأة.

لم يعد حزب الله تنظيماً إرهابياً، بل هو جيش هجومي ذو قدرة نارية وتكتيكات حرب عصابات. والمعركة ضده لن تجري في مناورة سريعة في المحاور التي دخلنا فيها إلى لبنان في 1982، بل في مناوشات واسعة على خط التماس وبنار مكثفة، من الطرفين، على الجبهة الداخلية. جيشنا البري اليوم غير جاهز بجودة كافية لهذه المناوشة، ولكن هذا الأسبوع كان يمكن أن نرى نقطة ضوء نحو المستقبل. في منشأة التدريب في “تساليم” سجلت هذا الأسبوع علامة طريق لا تقل تاريخيا، فالوحدة متعددة الأبعاد التي أقامها رئيس الأركان “رفائيم”، أقامت هناك تدريباً أول لها. هذه الوحدة هي مثابة حاضنة للحداثة، تتضمن جملة قدرات الجيش الإسرائيلي – في البر، والجو والاستخبارات – وتحاول حمل الجميع إلى استنفاد لقدرة القتل. لا يمكن أن نفصل أكثر عن القدرات الموجودة في الوحدة، ولكن يوجد فيها مقاتلون مختارون من كل أذرع الجيش، ومثلما وحدة 101 في حينه، فإن الوحدة متعددة الأبعاد يفترض أن تشق الطريق وتصوغ عقيدة قتالية جديدة للجيش الإسرائيلي كله.

الانطباع الذي أخذ من الزيارة إلى تلك المناورة هو أن الحديث بالفعل يدور هنا عن اختراق للطريق لم أشهد مثيلاً له في العقدين الأخيرين. بعد سنة من إقامتها، نجح رجال الوحدة في حل المشاكل وأعناق الزجاجة التي يصطدم بها الجيش منذ بضع سنين. سيكون تحدياً كبيراً نشر القدرات التي يطورونها للجيش الكبير، ولكن هذه كانت مثابة إطلالة إلى الجيش الإسرائيلي في العقد المقبل. لن ينجحوا في حل كل المشاكل، بل وأقل من هذا أن يزرعوا رسالتهم، ولكن وحدة “رفائيم” هي دليل آخر على أن إسرائيل عندما تجند كل ما لديها، فلا يمكن لأي شيء أن يقف في وجهها. لا العدو ولا الفيروس.

بقلم: ألون بن دافيد

معاريف 24/7/2020

- هآرتس: “حل الدولتين يبقى احتمالاً ضعيفاً لأسباب سياسية… لا استيطانية”

امتدح جدعون ليفي في الأسبوع الماضي (“هآرتس”، 12/7) مقالاً لبيتر باينريت نشره في صحيفة “نيويورك تايمز” كتب فيه بأن حل الدولتين مات بسبب عدد المستوطنين في الضفة الغربية الذي لا يمكن التراجع عنه. الاستنتاج العملي للسنوات هو وجوب إقامة دولة واحدة. لأنه هدف المساواة -حسب أقوال باينريت- “هو الآن واقعي أكثر من هدف الفصل”.

الإسهام المهم لمراسلين في مستوى باينريت هو أحياناً في تقديم مقولة تصف واقعاً معقداً. ولكن مقولته تلك في هذه الحالة تعادل تجربة تشرح سبب عدم سقوط الناس الذين هم في الطرف الثاني من الكرة الأرضية نحو الفضاء بذريعة أن “الكرة الأرضية مستوية”. أمر قابل للاستيعاب، بسيط، لكنه تماماً لا يعكس الواقع. لأنه يجدر الاعتراف بالواقع وبالمعطيات الرسمية.

هناك قولان مكملان متضمنان في موقف باينريت. الأول هو أن عدد المستوطنين حوّل حل الدولتين إلى أمر غير ممكن. والثاني أن الحل المرغوب فيه هو دولة واحدة.

بالنسبة للقول الأول، هاكم بعض الحقائق: أولاً، نظام الاستيطان الإسرائيلي في الضفة نظام انتقائي، لا يندمج مع سكان الضفة. 62 في المئة من قوة العمل تعمل في إسرائيل، 25 في المئة في أجهزة التعليم في المستوطنات والممولة بدرجة مخيفة، ونسبة ضئيلة تعمل في الزراعة والصناعة، التي فيها 99 في المئة من العاملين هم عمال فلسطينيون. نظام الشوارع التي للمستوطنات هو فعلياً منفصل وليس فيه أي منطق تخطيطي. لا يوجد نسيج حياة مشترك بين المستوطنات المتجاورة إلا في حالات استثنائية، ولا يوجد مشاريع اجتماعية وثقافية بين السكان الفلسطينيين واليهود.

ثانياً، بالنسبة للوضع الديمغرافي والمكاني: في قطاع غزة الذي يعيش فيه 2.1 مليون فلسطيني، لا يعيش هناك أي إسرائيلي. أي أنه يوجد فصل. 99 في المئة من الإسرائيليين في شرقي القدس يعيشون في أحياء يهودية خالصة، أي أنه يوجد فصل. نسبة الإسرائيليين في الضفة منذ عشرين سنة تقريباً هي نحو 18 في المئة من إجمالي عدد السكان في الضفة، وهي نسبة تشبه نسبة الأقلية العربية في إسرائيل عشية إقامة الدولة. والإسرائيليون المعنيون بذلك يمكن أن نقترح عليهم البقاء في بيوتهم كسكان في فلسطين. ومن جنوب “غوش عصيون” إلى شمال نابلس.. نسبة العرب لليهود هي 40: 1، أي هناك فصل.

99 في المئة من الأراضي الخاصة هي بملكية فلسطينية. المنطقة المأهولة لمجمل المستوطنات لا تصل حتى إلى 2 في المئة من أراضي الضفة. نصف المستوطنين يعيشون في المدن الثلاث الكبرى المحاذية للخط الأخضر والقدس، وفي إطار تبادل الأراضي لأقل من 4 في المئة من المساحة يمكن الحفاظ على سيادة إسرائيلية على 80 في المئة من الإسرائيليين الذين يعيشون خلف الخط الأخضر (بدون “أرئيل”)، أي يوجد فصل. وهناك إمكانية كامنة لإسرائيل لاستيعاب الباقين من ناحية التشغيل والسكن.

بخصوص الادعاء بأن دولة واحدة هي الحل المرغوب فيه، سأعرض عدة أسئلة قصيرة: كيف يمكن لدولة ناتجها الخام الإجمالي للفرد هو 40 ألف دولار أن تستوعب سكاناً مع ناتج خام إجمالي للفرد يبلغ أقل من عشر هذا المبلغ؟ هل سيخاطر السكان اليهود بالهبوط الدراماتيكي وغير المحتمل الذي سيحدث بصورة لا مناص منها في مستوى الخدمات الصحية والرفاه والتعليم عند استيعاب سكان بهذا القدر، الذين سيُصنف 98 في المئة منهم في أسفل السلم الاجتماعي – الاقتصادي، أو أننا سنكون شهوداً على “هرب الأدمغة” وهجرة الشباب؟ هل سيخدم الفلسطينيون في أجهزة الأمن لـ “اسراسطين”؟ ماذا سيكون مستقبل اللاجئين الفلسطينيين، هل سيعودون إلى إسراسطين ويحولون الدولة إلى دولة مع أغلبية عربية حاسمة؟ من سيتحمل العبء الاقتصادي لاستيعابهم وإعادة تأهيلهم؟ هل شاهد باينريت الاستطلاع الذي أجراه معهد البحوث القومي مؤخراً والذي وجد أن 78 في المئة من الجمهور الإسرائيلي غير مستعدين لإعطاء حق المواطنة أو حق المقيم للفلسطينيين في المناطق التي سيتم ضمها لإسرائيل، أي يؤيد الأبرتهايد ويعارض التنازل عن السيطرة اليهودية؟

حتى لو مرت سبعين سنة تقريباً على أقوال لجنة التقسيم في 1947 بأنه “يوجد الآن في فلسطين… يهود… وعرب، يختلف بعضهم عن بعض في نمط الحياة وفي المصالح السياسية”، فهذه الأقوال ما زالت سارية المفعول. هذه الفروق تغذي “الصراع بين حركتين قوميتين مطالبهما محقة، وليس بالإمكان التوفيق بينها إلا من خلال التقسيم”، كما كتب قبل عقد من ذلك في تقرير لجنة بيل.

دكتور باور موهان، نائب المندوب السويدي في اليونسكو – الشخص الذي أعد خارطة التقسيم غير الممكنة في 1947 – شرح اقتراحه بإقامة فصل سياسي إلى جانب وحدة اقتصادية للدولة اليهودية والدولة العربية هكذا: “حاولت توحيد فكرتين لا يمكن التوفيق بينهما، أمل لتعاون يهودي – عربي، وخوف من عداء يهودي – عربي…”. وقد احتاج إلى يوم واحد فقط بعد المصادقة على قرار التقسيم عند اندلاع حرب الاستقلال، كي يعرف أن اقتراحه غير عملي، وأن الخوف من العداء تغلب بشكل كامل على الأمل في التعاون غير الممكن المطلوب من الطرفين.

نعم، إمكانية حل الدولتين الآن ضعيفة جداً. ولكن ليس بسبب عدد المستوطنين. فالتوجهات التي تميز مشروع الاستيطان في العقدين الأخيرين (هبوط دراماتيكي في الهجرة إلى الضفة من داخل إسرائيل، وزيادة عدد السكان التي تقوم بالأساس على التكاثر الطبيعي في أوساط الأصوليين في المدينتين اللتين أقيمتا على الخط الأخضر. وهبوط متواصل في التصنيف الاقتصادي – الاجتماعي وما شابه) تدل على أنه ليس بوسعها إنهاء حل الدولتين. ومثلما أوضحت في مرات كثيرة، هناك إمكانية مادية – مكانية لهذا الحل بالنسبة للقضايا الأربع الأساسية في النزاع وهي الحدود والقدس والأمن وقضية اللاجئين.

الاحتمال المتدني لحل الدولتين ينبع من غياب الاحتمالية السياسية، بالأساس في الطرف الإسرائيلي. يكفي أن نذكر بـ “تصريح شامير” الذي وقع عليه في السنة الماضية أكثر من أربعين وزيراً وعضو كنيست من اليمين، تعهدوا فيه بأن يعملوا على إلغاء حل الدولتين وإقامة دولة واحدة لشعب واحد في أرض إسرائيل.

إن عدم معرفة باينريت للحقائق المكانية – الديمغرافية – الاجتماعية، والتوق الصادق لليفي من أجل المساواة، أديا إلى الاستنتاج بأنه يمكن إقامة دولة واحدة دون فحص مجمل الجوانب السياسية والثقافية والأمنية والاقتصادية المرتبطة بإقامتها. يجب على ليفي أن يعرف بأنه لا يمكن فرض حياة مشتركة على الشعوب التي لا تريد ذلك ولا يحترم بعضها بعضاً. وباينريت، رجل العلوم السياسية، يجب عليه التركيز على تفسيرات لانعدام الاحتمالية السياسية حيث هناك قوته، وأن يقترح خطوات قد تؤدي إلى التغيير.

بقلم: شاؤول ارئيلي

هآرتس 24/7/2020



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2184413

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2184413 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40