السبت 22 شباط (فبراير) 2020

تمنع الإلغاء وتؤمن البقاء.

السبت 22 شباط (فبراير) 2020 par أيمن اللبدي

كم هو كم النشاطات الإنسانية الفلسطينية التي دارت حول فكرة واحدة تقول باختصار البحث عن اللحظة؟ تلكم اللحظة التي كانت دوما موعودة لكنها مؤجلة، ألم نكتب نحن : أيها الفلسطيني أنت مؤجّل!

إذن ذلك كان الناظم الأشهر في الماضي والحاضر، لكن السؤال الأهم اليوم ليس هو بند التأجيل، بل هو بند الإلغاء، وفرق وفارق كبير بين هذا وذاك، اليوم بتنا أمام التحدي الوجودي، وليس فقط التحدي المكاني، اليوم نحن أمام إنكار ففقدان الرواية الفلسطينية، والتي تعني بشكل مختصر وبسيط ومباشر، الإلغاء، ليس الانقراض الطبيعي، بل أكثر فظاعة وجبروتا وظلما على الاطلاق، نعم هو كذلك.

الرواية الفلسطينية ليست مجرد بيان تاريخي، إنها في الواقع المجال الوجودي الخاص بهذا الشعب ماضيا وحاضرا ومستقبلا، يمكن للنشاط السياسي أو الاقتصادي أو حتى الاجتماعي أن ينحرف بطريقة أو أخرى، أن ينصاع لتوجيه أو لضغوط أو لتهديد أو حتى لأهواء معينة، يمكن أن لا يفعل فيقاوم هذا كله، يمكن أن يصنع له قنطرة ما، لكن هذا كوم كامل، واللعب بالرواية الذاتية شيء آخر تماما.

ما الذي نقل الأمم التي انقرضت بفعل عوامل كثيرة مختلفة متنوعة إلى البقاء ببصمتها إلى هذا اليوم؟ إنها هذه الكلمة المختصرة “الرواية” الخاصة بها، هي نفسها التي أبقت الفراعنة وبابل هنا، واستغنت عن المرور على إرم وعاد وثمود إلا في الكتاب المقدس لضرورة النص، وقفزت عن الهنود الحمر والملاي حيث لا نص ولا ما يحزنون، أولئك الذين يفرطون بالرواية إنما يحشون الفلسطيني تحت رحمة نص ليس موجودا، وبالتالي هم يلحقونه بالهندي الأحمر، هكذا يراد النقل من شعب الجبارين إلى شعب المارين في لا شيء.

كم هو النشاط الثقافي الإنساني الفلسطيني الذي سرد وحرس هذه الرواية؟

سؤال محق موجه لكل بصفته وموقعه، لهذه الكومة الكبيرة من الاتحادات والنقابات والمؤسسات والهيئات فضلا عن مراكز العمل الجامعي والثقافي والفني الفلسطيني، أدعكم تجيبون بأنفسكم إذ لا حاجة لصرف ما هو غير مدخر، طبعا دون جلد ذات ولا جلد غير، هذه حقائق يحسن مواجهتها.

الذين يتساهلون في مفاصل هذه الرواية إنما هم في الواقع يحقنونها بفيروسات تشبه الكورونا، في الشكل مجرد أنفلونزا وفي العمق أخطر من السرطان، والذين يداومون على الافتتان بروايات مصنّعة من الهامش والظلال لمجرد الحامل المعدني الذي يقدمها، هم أدوات استلاب لا يحسن بهم أن يكونوا أصلا في قلعتها، فما بالكم بمن هو مستعد لتحويلها لمجرد مادة في بازار الفاني؟

وعليها ينبني السؤال الذي يليه، ماذا أنتم فاعلون؟

نحن أيها السادة الأكارم أصبحنا أمام بوابات الإلغاء، الاحتفاظ بلقطات المفاصل الساخنة فقط، عن الانتفاضات في الوطن، والرحيل من العواصم في الشتات، لا يكفي، لا يبني السند المعرفي لهذه الرواية، لا يسردها ولا يؤصّلها ولا يحرسها من العبث والتهديد، هذه مهمة فوق وطنية، لأنها مهمة المهمات وحارسة الأجيال القادمة، هذه الأجيال التي لم تأت بعد، ولربما فيها من يحمل الجواب الذي لم تستطعه أجيال سبقته، اختلفت على شرح معنى “التطبيع” وحدود “التواصل المجتمعي” ومدى قربها أو انفصالها عن الخيانة الوطنية والهزيمة المطبقة، الرواية الجاهزة الواضحة المقاتلة، تمنع الإلغاء وتؤمن البقاء، فأين أنتم منها؟ الرواية الفلسطينية الحياة او الموت......



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 37 / 2184004

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع مستشار التحرير   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2184004 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40